صدر فيلم Joker عام 2019 ليكون واحدًا من أكثر الأفلام إثارة للنقاش خلال العقد الأخير. الفيلم من إخراج تود فيليبس وبطولة خواكين فينيكس الذي قدّم أداءً اعتُبر تحفة فنية بكل المقاييس، حيث جسّد شخصية آرثر فليك، الرجل الذي يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية تؤدي به إلى التحول إلى الشرير الأسطوري “الجوكر”. الفيلم ليس مجرد سردٍ لقصة الشرير الأشهر في عالم الكوميكس، بل هو عملٌ يُلقي الضوء على قضايا اجتماعية ونفسية عميقة بطريقة جريئة وغير مألوفة.
التحوّل من آرثر إلى الجوكر: رحلة عبر الظلام
الفيلم يركز بشكل رئيسي على التحوّل التدريجي لشخصية آرثر فليك من رجل مضطرب يعاني من الوحدة والاكتئاب إلى الجوكر، الشخصية التي تجسّد الفوضى والعنف. آرثر هو رجل يعيش على هامش المجتمع في مدينة جوثام المليئة بالجريمة والفساد، ويعمل كمهرج بينما يحلم بأن يصبح كوميديًا ناجحًا. معاناته اليومية من الفقر والتنمر والإهمال الاجتماعي تجعله شخصًا هشًا، وتزداد الأمور سوءًا عندما يتم تسريحه من عمله ويكتشف أسرارًا صادمة عن عائلته.
المخرج تود فيليبس يأخذ وقته في رسم هذه الرحلة المظلمة. الفيلم يعرض تفاصيل دقيقة عن حياة آرثر اليومية، من لحظات حزنه وألمه إلى محاولاته الفاشلة للبحث عن معنى لحياته. التركيز على الجانب الإنساني لشخصية آرثر يجعل المشاهدين يتعاطفون معه رغم تصرفاته المروعة لاحقًا. هذه التركيبة تخلق حالة من التوتر الداخلي لدى المشاهدين، حيث يصبح من الصعب عليهم التمييز بين الضحية والمجرم.
الأداء الأسطوري لخواكين فينيكس
لا يمكن الحديث عن فيلم Joker دون الإشادة بالأداء الرائع لخواكين فينيكس، الذي حصل بسببه على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل. فينيكس لا يؤدي الدور فقط، بل يندمج مع الشخصية بشكل يجعل المشاهدين يشعرون بأنهم يشاهدون شخصًا حقيقيًا يعاني من انهيار نفسي. فقد فينيكس وزنًا كبيرًا ليظهر بجسد هزيل يعكس حالته النفسية المتدهورة، وأتقن ضحكة الجوكر الشهيرة التي تأتي كمزيج بين الألم النفسي والاضطراب العقلي.
فينيكس يعتمد في أدائه على لغة الجسد بشكل كبير، حيث يعبر عن مشاعر آرثر من خلال حركاته ونظراته. مشهد الرقص في الحمام، على سبيل المثال، أصبح أحد أكثر المشاهد شهرة في الفيلم، حيث يُظهر آرثر وهو يحتضن جنونه بشكل شعائري تقريبًا، مما يعكس تحوّله الكامل إلى الجوكر. الأداء كان عاطفيًا ومزعجًا في الوقت ذاته، وهو ما جعل المشاهدين يشعرون بعدم الارتياح.
القضايا الاجتماعية والنفسية في الفيلم
Joker ليس مجرد فيلم عن شخصية كوميكس، بل هو دراسة اجتماعية ونفسية عميقة. الفيلم يعرض بوضوح كيف يمكن أن يؤدي الإهمال الاجتماعي والفقر والتمييز إلى تدمير الأفراد. آرثر يعيش في عالم يعاني فيه من نقص الدعم النفسي والصحي، حيث يتم إغلاق العيادة التي يتلقى منها العلاج النفسي بسبب تقليص الميزانية الحكومية. هذا الإهمال يُظهر كيف يمكن أن يكون للمجتمع دورٌ كبير في خلق الوحوش التي يخشاها.
المدينة في الفيلم ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي شخصية بحد ذاتها. جوثام تظهر كمكان قاتم يعكس قسوة الحياة وظلم النظام. الجريمة والفساد منتشران، والمواطنون يشعرون بالإحباط والغضب. الفيلم يعكس واقعًا مريرًا يشبه ما تعيشه العديد من المجتمعات الحديثة، حيث الفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد، والنظام يفشل في حماية أضعف الفئات.
الجدل الأخلاقي: هل يمجّد الفيلم العنف؟
أثار Joker جدلاً واسعًا حول ما إذا كان يمجّد العنف أم يقدم رسالة تحذيرية. الكثيرون رأوا أن الفيلم يقدم شخصية الجوكر بطريقة تجعله يبدو بطلاً رغم جرائمه المروعة، وهو ما قد يشجع البعض على تبني العنف كوسيلة للانتقام. المشهد الذي يقتل فيه آرثر ثلاثة رجال في القطار كان نقطة تحول في الفيلم، حيث يظهر لأول مرة كقاتل ولكنه يلقى دعمًا شعبيًا من الناس الذين يرون فيه رمزًا للتمرد ضد النظام.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن الفيلم لا يمجّد العنف، بل يسلط الضوء على الظروف التي تدفع الناس إلى ارتكابه. Joker يعكس واقعًا مظلمًا ويطرح أسئلة معقدة حول المسؤولية الاجتماعية، ولكنه لا يقدم إجابات سهلة. الفيلم يجبر المشاهدين على مواجهة حقيقة أن الشر ليس دائمًا ناتجًا عن اختيار شخصي، بل قد يكون نتيجة لظروف خارجة عن إرادة الفرد.
الإخراج والتصوير السينمائي: عبقرية بصرية
تود فيليبس، المعروف سابقًا بأفلام الكوميديا، فاجأ الجميع بإخراج هذا العمل الدرامي الثقيل. الإخراج كان متقنًا ومليئًا بالتفاصيل التي تضيف عمقًا للقصة. استخدام الألوان في الفيلم كان لافتًا، حيث تعكس الألوان الداكنة حالة آرثر النفسية، بينما تظهر ألوان زيه كمهرج وابتسامته المرسومة كمحاولة لإخفاء الألم.
التصوير السينمائي من قبل لورنس شير كان جزءًا كبيرًا من نجاح الفيلم. الكاميرا كانت قريبة من شخصية آرثر، مما يجعل المشاهدين يشعرون بأنهم محاصرون معه في عالمه الضيق والمظلم. المشاهد الطويلة والبطيئة تساهم في خلق جو من التوتر والاضطراب.
الموسيقى التصويرية، التي أبدعتها هيلدور غودنادوتير، أضافت بعدًا عاطفيًا آخر للفيلم. الموسيقى كانت ثقيلة وكئيبة، تعكس تمامًا الحالة النفسية للشخصية. المشاهد الحاسمة، مثل رقصة آرثر على الدرج، تصبح أكثر تأثيرًا بفضل الموسيقى التي تخلق تناقضًا بين الفرح الظاهري والجنون الداخلي.
الخاتمة: تحفة سينمائية لا تُنسى
فيلم Joker ليس مجرد فيلم عادي، بل هو عمل فني يطرح أسئلة عميقة حول النفس البشرية والمجتمع. الأداء الرائع لخواكين فينيكس، والإخراج المتقن، والقضايا التي يثيرها الفيلم تجعله واحدًا من أكثر الأفلام إثارة للجدل والتحليل. الفيلم يقدم رؤية قاتمة ولكنها صادقة للعالم، ويجبر المشاهدين على التفكير في دورهم في تشكيل هذا الواقع.
في نهاية المطاف، Joker ليس فيلمًا عن شخصية شريرة فقط، بل هو انعكاس لمعاناة إنسانية عميقة. إنه دعوة للتفكير في مدى تأثير المجتمع على الأفراد، وكيف يمكن أن يكون الإهمال والظلم شرارة لخلق الفوضى.
اقرا ايضا فيلم YOU:المجسد للحب و الهوس