لطالما كانت الحرب تجربة مروعة لمن يُلقى بهم في خضم فوضىها. الصراع المستمر بين أوكرانيا وروسيا، الذي بدأ في عام 2014 وتصاعد بشكل كبير في فبراير 2022، تسبب في معاناة هائلة للجنود والمدنيين على حد سواء. ومن بين العديد من المآسي التي خلّفتها هذه الحرب، تُعتبر الزيادة في عدد حالات انتحار الجنود على كلا الجانبين من أكثرها إثارة للحزن.
العبء النفسي للحرب

الحرب ليست معركة جسدية فحسب، بل هي أيضًا معركة نفسية وعاطفية. يتعرض الجنود لضغوط شديدة، وخطر دائم، وصدمات ناجمة عن مشاهدتهم للموت والدمار. يمكن أن تؤدي هذه التجارب إلى مشاكل صحية نفسية خطيرة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والاكتئاب، والقلق. بالنسبة للعديد من الجنود، يصبح عبء هذه الحالات غير محتمل، مما يدفعهم إلى اعتبار الانتحار المخرج الوحيد من معاناتهم.

في حرب أوكرانيا وروسيا، أدت حدة القتال، واستخدام الأسلحة الثقيلة، واستمرار الصراع لفترة طويلة إلى تفاقم هذه التحديات النفسية. غالبًا ما يتم نشر الجنود لفترات طويلة دون راحة أو دعم نفسي كافٍ، مما يجعلهم عرضة للانهيار.
الإصابة الأخلاقية والشعور بالذنب

من العوامل الرئيسية الأخرى التي تساهم في انتحار الجنود هي الإصابة الأخلاقية. تحدث هذه الإصابة عندما يُجبر الجنود على المشاركة في أو مشاهدة أفعال تنتهك قناعاتهم الأخلاقية أو الإنسانية. على سبيل المثال، قتل المدنيين، أو رؤية زملائهم يموتون، أو عدم القدرة على حماية الأبرياء يمكن أن يخلق مشاعر عميقة بالذنب والعار. في سياق حرب أوكرانيا وروسيا، حيث تكون الحدود بين المقاتلين وغير المقاتلين غير واضحة في كثير من الأحيان، تُعتبر الإصابة الأخلاقية قضية منتشرة.
مقال اخر : مذبحة سريبرنيتسا , قصة مأساة مسلمي البوسنة
يكافح العديد من الجنود للتوفيق بين أفعالهم وإحساسهم بالصواب والخطأ. يمكن أن يؤدي هذا الصراع الداخلي إلى مشاعر بعدم القيمة واليأس، مما يجعل الانتحار يبدو وكأنه الطريقة الوحيدة للتكفير عن “خطاياهم” المزعومة.
نقص الدعم الصحي النفسي

على الرغم من زيادة الوعي بقضايا الصحة النفسية في الجيش، لا يزال الوصول إلى الدعم النفسي محدودًا للعديد من الجنود في كلا الجيشين الأوكراني والروسي. في أوكرانيا، تعاني المنظومة الصحية من ضغوط بسبب الحرب، مما يجعل من الصعب تقديم الرعاية الكافية للجنود. في روسيا، غالبًا ما يُنظر إلى الصحة النفسية نظرة سلبية، وقد يتم تثبيط الجنود عن طلب المساعدة خوفًا من أن يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء أو غير لائقين للخدمة.

بدون العلاج والاستشارة المناسبة، يُترك الجنود ليواجهوا صدماتهم بمفردهم. يمكن أن يؤدي هذا النقص في الدعم إلى تفاقم مشاكلهم النفسية، مما يزيد من خطر الانتحار.
تأثير الدعاية وتجريد العدو من إنسانيته

تلعب الدعاية دورًا كبيرًا في حرب أوكرانيا وروسيا، حيث تستخدمها كلا الجهتين لتبرير الصراع وتجريد العدو من إنسانيته. بينما قد تعمل الدعاية على تعزيز الروح المعنوية على المدى القصير، إلا أن لها آثارًا مدمرة على المدى الطويل على الصحة النفسية للجنود. تجريد العدو من إنسانيته يجعل القتل أسهل، ولكنه يجعل أيضًا التعامل مع العواقب العاطفية لقتل إنسان آخر أكثر صعوبة.
عندما يتعرض الجنود لواقع الحرب – ورؤية العدو كبشر لديهم عائلات وأحلام – يمكن أن يكون التناقض المعرفي الذي يواجهونه ساحقًا. هذا يمكن أن يؤدي إلى مشاعر بالذنب والندم واليأس الوجودي، وكلها عوامل تزيد من خطر الانتحار.
دور العوامل الاجتماعية والثقافية

في كل من أوكرانيا وروسيا، يمكن أن تؤثر المواقف الاجتماعية تجاه الصحة النفسية والانتحار على قرارات الجنود. في كثير من الحالات، يخشى الجنود من أن يتم الحكم عليهم أو نبذهم إذا اعترفوا بأنهم يعانون من مشاكل نفسية. هذا الخوف يمكن أن يمنعهم من طلب المساعدة، مما يتركهم في عزلة مع معاناتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تمجيد الحرب وتوقع أن يكون الجنود أقوياء وقادرين على التحمل إلى خلق ثقافة تُعتبر فيها الضعف نقطة سلبية. هذا الضغط للتكيف مع التوقعات الاجتماعية يمكن أن يجعل من الصعب على الجنود التعامل مع صدماتهم، مما يزيد من احتمالية الانتحار.
الطريق إلى الأمام

معالجة قضية انتحار الجنود في حرب أوكرانيا وروسيا تتطلب نهجًا متعدد الأوجه. أولاً وقبل كل شيء، يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على توفير الدعم النفسي للجنود، سواء أثناء الخدمة أو بعدها. وهذا يشمل الوصول إلى الاستشارة النفسية والعلاج والرعاية النفسية، بالإضافة إلى الجهود الرامية إلى تقليل الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تحول ثقافي أوسع في كيفية نظر المجتمع إلى الجنود وتجاربهم. يجب تشجيع الجنود على طلب المساعدة دون خوف من الحكم عليهم، ويجب الاعتراف بتضحياتهم بطريقة تُكرم إنسانيتهم بدلاً من تمجيد الحرب.