في أمسية شتوية مملة، كان إريكسون، السويدي البالغ 34 عاما من العمر، يتسكع في شبكة الإنترنت. وفجأة، وجد صورة فيها رسالة مكتوبة باللون الأبيض على خلفية سوداء. تقول الرسالة: “نبحث عن أشخاص بالغي الذكاء. لإيجادهم، وضعنا اختبارا. هناك رسالة مخبأة في هذه الصورة. جدها لتقودك في درب توصلك إلينا. نتطلع للقاء القلة الذين سيتمكنون من الوصول إلى آخر المراحل. حظا سعيدا”.
شدت الرسالة إريكسون، خبير التشفير، وعرف أن سرا ينتظره في الملف الرقمي للصورة. هذا التكنيك الذي يعتمد على إخفاء الشيفرة بإحداث تغييرات متتابعة في الأصل الرقمي معروف للخبراء وتستخدمه أيضا دوائر الإجرام. يتم مثلا إحداث تغيير لوني طفيف في كل 100 بيكسل، لتظهر صورة أخرى داخل الصورة الأصلية. بل أن بعض الخبراء يقولون إن تنظيم القاعدة استخدم هذا التكنيك للاتصال بأعضائه من خلال مواقع مكشوفة للعموم.
وجد إريكسون في ملف الصورة إشارة إلى الإمبراطور الروماني كلوديوس وبعض الأحرف عديمة المعنى. فكر إريكسون في احتمال أن تكون الأحرف “شيفرة قيصرية”، وهو أسلوب تشفير ينسب للإمبراطور يوليوس قيصر، يعتمد على استبدال الأحرف بأخرى تبعد عنها منزلة معينة في الترتيب الأبجدي. مثلا، الباء تأتي على بعد منزلة واحدة من الألف. فإذا استخدمت الرقم واحد للتشفير، ستستبدل كل ألف في الكلمة الأصلية بباء في الشيفرة، وهكذا دواليك.
كان كلوديوس الإمبراطور الروماني الرابع، وبالتالي لو رجعنا في الأحرف المخبأة في الصورة أربع منازل إلى الوراء فقد نجد حلا ما. وهذا ما كان. فقد وجد إريكسون عنوانا إلكترونيا مخبأ في الصورة.
المفاجأة أن الموقع الإلكتروني كان عبارة عن صورة لبطة صفراء مكتوب عليها: “إممممم… لقد وقعت في الفخ.. يبدو أنك عاجز عن الوصول للرسالة”.
لم يحبط ذلك إريكسون. فكر: ربما تكون البطة وما هو مكتوب عليها تلميحا لا أكثر. جرب أن يقرأ الصورة ببرنامج فك الشيفرة “آوت غيس”. مفاجأة أخرى: كانت هناك رسالة أخرى مخبأة، قادته إلى أحد منتديات الموقع الشعبي “ريديت Reddit”.
على المنتدى، ظهرت شيفرات معقدة ورموز كانت تستخدمها حضارة المايا، بفك الشيفرة، ظهرت شيفرة أخرى.
يقول إريكسون “حتى الآن، لم تتطلب الرموز ولا الشيفرات مهارات عليا.. لكن في ما بعد، بدأ الأمر يتعقد”.
بدأت الألغاز تعتمد النظام الـ”ستة عشري” (في العادة، النظام العشري هو المستخدم، فكر في النسبة المئوية كنظام عشري، وتخيل أن تصبح النسبة من 16)، بدأت الألغاز أيضا تستخدم تكنيكات الهندسة المعكوسة، وسلاسل الأعداد الأولية، ودائما تظهر صورة حشرة الزيز على الألغاز.
يقول إريكسون “عرفت أن دورة حياة حشرات الزيز تتكرر وفق أعداد أولية (مثل 13 أو 17) لكي تتجنب دورات الكائنات التي تفترسها.. والآن بدأت مكونات الأحجية في التكامل”.
في المرحلة السابقة، حلل إريكسون الرموز المأخوذة من حياة المايا، وقادته إلى شيفرة أخذته بدورها إلى ديوان شعر يروي قصة استلام الملك الإنكليزي آرثر مخطوطات لنصوص دينية محلية من مقاطعة ويلز تعود إلى فترة ما قبل المسيحية.
ومن هناك إلى قصيدة إلكترونية نشرها الشاعر ويليام غيبسون عام 1992 على أقراص حاسوبية مرنة (فلوبي ديسك) برمجت لكي تحذف المحتوى بعد قراءة القصيدة مرة واحدة فقط.
هنا بدأ الآلاف من المبرمجين في التعاون لحل الألغاز على منتديات معروفة باستضافة نقاشات الفوضويين وقراصنة الإنترنت.
من أحدهم، عرف إريكسون أن تحليل الشيفرة المخبأة في القصيدة تقود إلى الرسالة التالية “اتصل بنا على الرقم 9608-390-214”.
على الرقم الهاتفي الموجود في ولاية تكساس، تسمع رسالة آلية تطلب منك العودة إلى المرحلة الأولى واستخراج الأعداد الأولية في الصورة الأصلية. بضرب الأرقام بعضها ببعض، وجد إريكسون عددا أوليا جديدا هو في الحقيقة عنوان موقع إلكتروني com.845145127 حيث ظهرت ساعة تعد عدا تنازليا ورمز حشرة الزيز.
عندما وصل العد التنازلي إلى صفر، اختفت الساعة وظهرت محلها رموز لإعدادات جغرافية (جي بي أس) تقود لـ14 موقعا حول العالم: في وارسو، باريس سياتل، صول، أريزونا، كاليفورنيا، نيو أورلينز، ميامي، هاواي، وسيدني.
تسابق آلاف الباحثين إلى حيث إعدادات (جي بي أس) وهناك وجدوا لوحات معلقة على أعمدة الإنارة يظهر عليها رمز حشرة الزيز، وشيفرة بصرية (QR) وهي شيفرة بالأبيض والأسود مصممة لكي تقرأها كاميرا الهاتف النقال وتقودك إلى موقع إلكتروني، ومن هناك إلى موقع مخفي (تور).
بعد أن زار الموقع عدد محدد من الأشخاص، ظهرت عليه الرسالة التالية “نحن نريد الأفضل، لا التابعين”.
هنا تنتهي قصة إريكسون، فهو كان أحد “التابعين” في وجهة نظر سيكادا، لكن ماذا جرى للمحظوظين الذين دخلوا الموقع قبله؟ لا أحد يعرف على وجه التحديد، وننتقل إلى عالم الفرضيات لا الحقائق، ليستمر لغز سيكادا في إثارة الفضول.