الثورة السورية ، التي بدأت في عام 2011، هي واحدة من أكثر أحداث القرن الحادي والعشرين مأساوية ودموية . في البداية بدأت كموجة سلمية من الاحتجاجات التي دعت إلى إصلاحات ديمقراطية طبيعية وسرعان ما تحولت إلى حرب وحشية همجية من النظام على شعب أعزل ، وأعادت تشكيل النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سوريا . تحولت الدولة الى مغناطيس جذب ارهابيين من كل افاق الدنيا , قسمت وجزئت الارض من طرف روسيا وايران وكل طرف اخذ حصته لتتحول سوريا إلى واحدة من أكثر الامكان خطورة للعيش في العالم وأكثرها فسادا وفشلا
قصة الثورة السورية من الأصل
كانت سوريا ، في ظل الحكم الاستبدادي لحزب البعث بقيادة الرئيس بشار الأسد ، أمة تغلي بالسخط والقهر قبل فترة طويلة من اندلاع الثورة . فقد حكمت عائلة الأسد سوريا منذ عام 1970 عندما تولى حافظ الأسد السلطة من خلال انقلاب عسكري . وانذاك كان من المعروف بأن اكثر الانظمة الدموية بين الدول العربية والاسلامية هما نظامين نظام البعث في العراق ونظام البعث في سوريا وعلى الرغم من أن لكلهما نفس الاسم الا انهما كان اعداء يكره بعضهما بعضها , تميزت فترة رئاسة حافظ الاسد بسلطة حديدية وقمع المعارضة بالحديد بكل أنواع القمع والترهيب وأقام دولة بوليسية من الدرجة الاولى .
بعد وفاة حافظ الاسد ورث ابنه العرش في عام 2000 ، فكان الناس يستشعرون بعض الامل في هذا الرئيس الشاب الجديد الذي كان في الاساس طبيب عيون فاعتقدوا أنه سيضعهم في عيونه لا أن يخرم عيونهم , كانو يعتقدون بأنه سيحس بالامهم ومشاكلهم وسيقوم باصلاحات شاملة بل والاهم من ذلك سيتصالح مع الشعب في ما فعله والده في مجزرة حماة ولكن كما قال المتنبي : مات في البرية كلب فاسترحنا من عواه انجب الملعون جروا فاق في النبح أباه .
لكن يبدوا أن حافظ الاسد كان يعلم أبنائه الحكم الميكيافيلية , ولمن لا يعلم ماذا أقصد هي الحكم والنصائح التي كتبها الفيلسوف الايطالي نيكولو ميكيافيلي في كتابه الامير وهو عبارة عن اهم ما المبادئ التي يجب أن يتسم بها الحاكم سواء قبل تسلمه السلطة او اثناء وجوده في الحكم ومن تلك الحكم هي أن يخافك الناس خير من أن يحبوك ولهذا يلقب ميكيافيلي بـ فيلسوف الدكتاتوريين
بشار الأسد سيكوباتي يحكم دولة
وبالفعل سرعان ما تبددت كل تلك الامال وتحولت لسراب , فمع وصوله للحكم عزز بشار الاسد سلطته بالحديد والنار ، وقمع المعارضة بالقتل والسجن والتعذيب ، بل وعوض أن يقطع الصلة مع تاريخ والده الدموي حافظ عليه وأخذ المشعل . ومع مرور كل سنة خصوصا منذ أواخر العقد الأول من الالفية الجديدة ، بدأت تتسع الفجوة الكبيرة بين النظام السوري البعثي والمواطنين العاديين ، بسبب الركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، غير أن أكثر ما خلق بذرة الكراهية والحقد وجعل الشعب السوري أشبه بطنجرة ضغط هي الظلم والقهر الحكومي الذي تمتاز به الانظمة الدكتاتورية . تنتقد الدولة يتم سجنك او قتلك او إخفائك قسرا , لدرجة أن الكثير من السجناء بعد تحرير الكثير من المحافظات السورية دخلوا شباب وخرجوا شيوخ , بعض السجناء خرجوا من السجون وهم لازالو يعتقدون أن حافظ الاسد حي , وبعضهم كان مختفي في لبنان منذ الثمانينيات واقيمت لهم جنائز فأخطا بهم يظهرون احياء خارجين من السجون السورية ,
في ديسمبر 2010 ، قام الشاب التونسي محمد البوعزيزي باضرام النار في نفسه بسبب الظلم الذي تعرض له من قبل البوليس التونسي , ادى هذا الامر الى نشوب ثورة شعبية اطاحت بالنظام التونسي باقل الاضرار الممكنة , تحول الامر الى موجة من الانتفاضات في مصر وليبيا واليمن وجميع أنحاء العالم العربي .
في مارس 2011، انتقلت الشرارة الى سوريا وتحديدا في مدينة درعا الجنوبية حيث قام مجموعة من المراهقين برسم شعارات مناهضة للنظام السوري على جدار مدرسة . لتقوم السلطات السورية باعتقالهم , فورا واحتجازهم وتعذيبهم من قبل قوات الأمن اثار هذا الامر حفيضة وغضب السكان المحليين ، مما أدى إلى نشوب احتجاجات سلمية عارمة في درعا . وما كان من النظام الدموي الا ان فض الاحتجاجات بالرصاص الحي , كان النظام الغبي يعتقد أن السوريين فور رؤيتهم للرصاصي والدماء والقتلى سيخلعون ويرتعبون ويعودون لمنازلهم مثلما تعود الدواب الى الحظيرة ، غير أن هذا الامر كان له رد فعل عكسي وازدادت الاحتجاجات وتوسعت مثل الفيروس لدمشق وحمص وحماة وحلب وباقي البلاد . طالب فيها الناس بمطالب شرعية طبيعية الحرية الكرامة ووضع حد للفساد . الا ان النظام ظل ثابتاً : حملات قمع وحشية بالاسلحة والرشاشات ، اعتقالات جماعية ، وعنف عشوائي لترويع وترهيب الناس . على مقولة معمر القذافي من أنتم , من أنتم أيها الاوغاد لتثوروا علي هذا البلد بما فيه ورثته عن أبي وهو ملكي وسيبقى ملكي وما أنتم الا عبيد عندي من علت رقبته تقطع .
الدعاية الحكومية لتشويه الثورة السورية
ومع تنامي الاحتجاجات . ولمحاولة النظام اخراج الثورة السورية عن سلميتها بالقوة بدأ النظام السوري الدموي حملة دعائية واسعة لوصف المتظاهرين بالإرهابيين والعملاء الأجانب . وهذه الوصمة خطيرة جدا لانا ستسمح لهذا النظام بارسال الدبابات والطائرات وقصف المتظاهرين العزل بالطائرات بدعوى انهم ارهابيين ، لكن رغم ذلك استمرت الاحتجاجات ولا استسلام والمطالب واحدة الحرية او الموت . وياروح مابعدك روح
بحلول منتصف عام 2011، نجح النظام في جر الثورة لمسار اخر كان هو بداية النهاية . دفع العنف الهمجي المتواصل بعض المتظاهرين إلى لحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم وبدأت الانشقاقات في الهيكل السياسي والعسكري للنظام وتشكيل ما سمي بـالجيش السوري الحر الذي يتألف إلى حد كبير من الجنود والضباط المنشقين والمدنيين ، وكان هدفهم الاساسي حماية المتظاهرين العزل من قمع الجنود .
في البداية بدأت تتلقى الثورة السورية والمعارضة المسلحة الدعم من بلدان مختلفة على الاقل لموازنة الكفة ، بما في ذلك تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية ، التي رأت في هذه الانتفاضة فرصة لتحرير الشعب السوري من نظام قمعي دموي وفي ذات الوقت قطع الحبل السري لشيطان المنطقة واصل كل الشرور ايران ، الحليف الوثيق للأسد . كان لهذا الدعم اثر كبير حيث كان النظام يتهاوي ويتساقط بسرعة جنونية, غير أن هذا التدخل زاد من عنف النظام وانتقل الى مستوى اخر من القتل والذبح , وبدأت المشاهد المؤلمة المروعة تنتشر على قنوات الاخبار وفي اليوتيوب والسوشيال ميديا
تحول سوريا لمغناطيس الجماعات الارهابية
مع تصاعد الصراع والقتل هناك بدأت الجماعات المتطرفة في الظهور ، مستغلين الفوضى لتحقيق أجنداتها الخاصة او اجندات من يقفون ورائها مستعملين الدين كطعم لجذب الاعضاء . كتنظيم القاعدة و جبهة النصرة . وبحلول عام 2014 ، ظهر وحش ديناصور اسمه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام واصبح معروفا باسمه المختصر (داعش) . هذا التنظيم المتوحش خلط كل الاوراق لانه كان يتمدد بشكل رهيب وكانت تسقط المدن والمحافظات السورية والعراقية امامه احيانا بدون مقاومة فقط من خلال الترهيب وصور الذبح والسلخ ليقوم باعلان ما سماها الخلافة الاسلامية . هذا الاعلان اعتبر فخ جذب كل ارهابيي العالم وكل من له فكر متشدد , كلهم انتقلو الى سوريا بهدف ما سموه الجهاد , في حين كان هدفهم معروف قتل الناس وسبي النساء واقامة دولة دينية قائمة على قطع الرقاب . واحد في الاسفل يقطع الاعناق وواحد فوق يرمي البراميل المتفجرة وبين هذا وذاك شعب اعزل لا يريد سوى الحرية
بدأت تتكاثر الجماعات المتطرفة كالفطر الى بلغ عدد الفصائل والميليشيات في سوريا الى مئات الفصائل المسلحة كل فصيل يحارب من اجل فكرته وتوجه الديني الخاص ومن لا يتماشى مع افكاره يقوم بمحاربته , اصبح اتباع الصورة السورية يقطعون رقاب بعض وكل يقول لا أنا من على الحق
ادى هذا لامر لتعقيد الثورة السورية بل وغير مسارها ومستقبلها بشكل كامل ، وانتقل تركيز المجتمع الدولي من النظام الى التركيز على داعش وبقايا التنظيمات الارهابية واصبحت الاولوية هي القضاء عليها من خلال تحالف دولي وفعلا هذا ما كان . استغل بشار الاسد كل هذه الفوضى وصور نفسه بين تابعيه خصوصا بين المسيحيين وطائفته العلوية و أنه حاميهم من الارهاب ومن الذبح واذا سيسقطون معه وهذا ما سمح بكسب المزيد من الوقت والتأييد المحدود .
تحول سوريا الى كعكة تقتسمها الدول
أصبحت الثورة السورية مسرح للقوى العالمية والإقليمية . في البداية، دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها قوات المعارضة ، وقدمت مساعدات محدودة تقريبا لا تسمن ولا تغني من جوع وكانت ترفض بشدة تزويد المعارضة بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات التي سلمتها للقاعدة في افغانستان والتي بسببها الافغان مرغوا انف الاتحاد السوفياتي في الجبال . كانت تلك الصواريخ قادرة على تغيير مجرى الحرب في فترة قياسية لان من يمتلك الطيران يحكم الارض
هنا ظهر شيطانين وهما روسيا وإيران ووقفا كحلفاء بشار الأسد ولم يسمحوا بسقوطه . قدمت إيران الدعم المالي والعسكري وأرسلت كل انواع واشكال المليشيات الطائفية الى سوريا ، في حين شكل تدخل روسيا بطيران وجيشها في عام 2015 نقطة تحول كبيرة وغير المعركة لصالح النظام . استهدفت الغارات الجوية الروسية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة و استعادت السيطرة عليها . وبقي الحال كما هو عليه منذ ذلك الوقت الى أن بدأت قوات المعارضة تتراجع شيئا فشيئا وبدأت الجماعات المتطرفة تباد بطيران الروس وقوات التحالف الواحدة تلو الاخرى حتى اختفت تقريبا وبدأ الاحباط يتسرب لعموم الشعب السوري للتخلص من هذا النظام الدموي الجاثم على صدره وبدأ يصرح يالله مالنا غيرك يالله
ملايين القتلى ونصف الشعب تم تهجيره
بحلول عام 2024 ، تسببت الانتفاضة السورية في وفاة ما يقدر بنحو 500 ألف إنسان حسب الاحصائيات الرسمية هذا يعني ان الرقم هو اضعاف مضاعفة ، واضطر أكثر من 12 مليون سوري أي أكثر من نصف الشعب إلى الفرار من ديارهم ، ضف عليها ملايين اللاجئين المشردين والمشتتين في كل بقاع العالم , ادى كل ذلك العنف والدمار لخلق واحدة من أكبر الازمات الانسانية في التاريخ الحديث .
فر ملايين السوريين استقر معظمهم في الدول المجاورة كتركيا ولبنان والأردن ، وما بقي منهم فروا الى الدول الاوروبية . اما داخل سوريا ، فقد تحولت مدن بأكملها ، بما فيها حلب وحمص والرقة ، إلى أنقاض وبعضها تحول الى مدن أشباح ,أكثر واقعية من افلام ما بعد نهاية العالم وعادت سوريا عشرات السنين للوراء . وما كان في الماضي سوريا واحدة موحدة تحولت بعد نشوب الصورة السورية الى شبه سوريا دولة مقسمة ومبعثرة اما بشار الاسد فلم يكن يحكم سوريا بل كان يحكم قصره في العاصمة دمشق وبعض الاحياء هنا وهناك , وبقي الحال كما هو الى أن جائت عملية ردع العدوان التي غيرت كل شيء فاطاحت بحكم عائلة الاسد وتنهار النظام في غضون 10 أيام
سقوط بشار الاسد وانتصار الثورة السورية
من أقذر واخبث الدكتاتوريين ومجرمي الحرب في الوجود هم الدكتاتوريين الذين يقتلون شعبهم , فلكنا سنتفق ان نتنياهو وجورج بوش واوباما وطوني بلير وبوتين مجرمين ومجرمي حرب , لكنهم أكثر شرفا بشكل نسبي من مجرم حرب كبشار الاسد ووالده حافظ الاسد, لان جورج بوش ونتنياهو يقتلون الشعوب الاخرى من أجل شعوبهم هم , بشار لاسد شرد شعبه في كل بقاع الارض في حين كان يجلس في القصر في دمشق , والصادم أن الثوار حين دخلو لقصره في دمشق وجدوا المراب مليئ بالسيارات الفاخرة
هل كان البقاء في الحكم يستحق ان تمحوا نصف شعبك ؟ في الدول الغربية اذا خرجت فقط فضيحة في حق الوزير او الرئيس يستقيل , بشار الأسد حول سوريا الى نهر من الدماء ليبق في السلطة مع عائلته , فاذا كان رجلا حقيقيا صالحا يخاف على سوريا كان الاولى له الا يغرق في الدم ويخرج بكرامة مثلما فعل بن علي في تونس في الايام لاولى للثورة
هنا السؤال الاهم , هل كان هناك امكانية لتنحي بشار الاسد وتسليم السلطة لاي طرف سياسي معارض حقيقي في البداية بدون ازهاق اي روح ؟ طبعا حدثت في تونس , لكن هذا الملعون لا قال لمن سيخلعني سأهدم البلد بما فيها على رأسه ثم سأجلس فوق خرابها
كل الاماني الان للشعب السوري بأن يبني وطنه بشكل ديموقراطي يكون فيه الحكم لسيادة القانون وتنتهي الطائفية وتتحول سوريا الى جنة الشرق
مقال أخر : سجن صيدنايا في سوريا , أقذر سجن في العالم