مذبحة سربرنيتسا , قصة مأساة مسلمي البوسنة . في بلدة صغيرة شرق البوسنة اسمها سربرنيتسا، وفي 11 يوليو 1995 ، ارتكبت القوات الصربية بقيادة الجنرال الجزار راتكو ملاديتش واحدة من أكثر الاحداث المأساوية في التاريخ الأوروبي الحديث والتاريخ الانساني ككل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . كانت الابادة الجماعية التي طالت مسلمي البوسنة مُخطط لها ومنفذة بدقة . حيث تم إعدام ما يقدر بـ 8,000 من الرجال والفتيان . وقعت عمليات القتل في الحقول والمستودعات والمدارس، وانتهت بحفر مقابر جماعية ضحمة لإخفاء الجثث .سبب المذبحة صدمة عالمية ، وسببت إعادة تشكيل القانون الدولي وبسببها تم وضع الاسس الاولى للمحكمة الجنائية الدولية.
لكن ما هي قصة الابادة الجماعية في البوسنة ولماذا تم استهداف المسلمين حصرا ؟ وما هي الاسباب التي التي دفعت لحدوثها ؟ وماذا حدث لكل المجرمين الذين شاركوا فيها ؟
الجذور التاريخية لـ مذبحة سريبرنيتسا

لفهم قصة مذبحة سربرنيتسا ، يجب أولاً فهم المشهد التاريخي والسياسي المعقد لدول البلقان ابتداءا من أواخر القرن العشرين . في جنوب شرق أوروبا كانت يوغوسلافيا، الدولة المتعددة الأعراق التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الأولى، اتحادً يضم ست جمهوريات: صربيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، سلوفينيا، مقدونيا، والجبل الأسود . وتحت قيادة جوزيب بروز تيتو، حافظت يوغوسلافيا على تماسكها ووحدة مجتمعها رغم تنوعها العرقي والديني المكون من الصرب المسيحيين و، الكروات، والبوشناق (المسلمون البوسنيون)، الألبان، وغيرهم . حكم تيتو من عام 1945 حتى وفاته في عام 1980.
إقرأ أيضا : هيروشيما: الكارثة النووية التي غيّرت وجه العالم

بعد وفاته ، بدأت المشاعر القومية في الظهور في جميع أنحاء يوغوسلافيا ، مدفوعة بالصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي . بحلول أوائل التسعينيات، بدأ الاتحاد اليوغوسلافي في التفكك . أعلنت سلوفينيا وكرواتيا استقلالهما في عام 1991، تلتها البوسنة والهرسك في عام 1992. كان إعلان استقلال الأخيرة مثيرًا للجدل بشكل خاص، حيث كانت البوسنة موطنًا لخليط من البوشناق مسلمي البوسنة ، الصرب، والكروات، كان لكل قومية اهداف للمستقبل ممزوجة من الخوف والشك في الاخر . إعلان استقلال البوسنة والهرسك قوبل بمعارضة من الصرب البوسنيين ، الذين أرادوا البقاء جزءاً من يوغوسلافيا ويهيمن عليها الصرب , كانت هذه الفرصة ذهبية لصربيا ، حيث قامت تحت قيادة الجزار سلوبودان ميلوسيفيتش، بإحكام السيطرة على الأراضي التي تضم عدد كبير من السكان الصرب لتكون بذلك الشرارة التي ستشعل نار احرقت الحي والميت .

في عام 1992 اندلعت حرب البوسنة بعدما سعى الصرب البوسنيون، بدعم من الحكومة الصربية بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش ، لإنشاء ما يعرف بـ “صربيا الكبرى” من خلال ضم الأراضي البوسنية قوبل هذا الضم برفض شعبي من البوسنيين المسلمين البوشناق والكروات لتبدأ عملية تظهير عرقي هي الاسوأ في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية . تميز الصراع بعمليات اغتصاب جماعي طرد وترحيل قسري و إبادة جماعية منهجية للجماعات العرقية التي عارضت ووقفت في وجه الصرب . غير أن المسلمين وهم البوشناق طالتهم الضربة والاذى الاكبر باعتبارهم أكبر مجموعة عرقية في البوسنة .
سريبرنيتسا: ملاذ آمن تحت الحصار

أصبحت بلدة سريبرنيتسا نقطة ملتهبة في هذا الصراع العرقي بسبب موقعها الاستراتيجي وسكانها المختلطين عرقيا. ومع تصاعد الحرب، فر الآلاف من البوشناق المسلمين إلى سربرنيتسا، طلبًا للحماية من القوات الصربية . وفي عام 1993، أعلنت الأمم المتحدة البلدة “منطقة آمنة”، ووضعتها تحت حماية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، المعروفة باسم UNPROFOR . كانت قوات الأمم المتحدة، بقيادة الكتيبة الهولندية (Dutchbat)، ضعيف جدا لا من حيث عدد الافراد ولا من حيث المعدات . أدى استحياء المجتمع الدولي في التدخل عسكريًا لمنع أي حرب او هجوم محتمل إلى تشجيع القوات الصربية البوسنية ، في تلك الاثناء قامت القوات الصربية البوسنية، بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش، بإحكام قبضتها على البلدة وفرض حصار خانق عليها أشبه تماما بحصار قطاع غزة ، حيث قطعت القوات الصربية طرق الإمداد ووعرضتهم للمجاعة وانتشار الامراض وكثرت أعداد الوفايات في المستشفيات بسبب نقص الادوية , بالاضافة الى وضع قوات عسكرية وقناصة مستهدفين المدنيين العزل .
سقوط سريبرنيتسا (يوليو 1995)

بحلول يوليو 1995، لم تستطع البلدة الصمود أكثر ووصل الوضع في سريبرنيتسا إلى نقطة الانهيار . اغتنمت القوات الصربية البوسنية الفرصة ودخلت الى البلدة حيث شنت هجومًا عسكري شامل لتسقط البلدة في 11 يوليو 1995. ارتكب الصرب تحت قيادة الجنرال ملاديتش مذبحة يندى لها الجبين على مرأى ومسمع قوات حفظ السلام الهولندية التابعة للأمم المتحدة التي كانت تقف متفرجة , لم يبق لها سوى أن تجلب الفشار والكراسي لمشاهدة فيلم الرعب

قامت القوات الصربية البوسنية بشكل مخطط له بعناية بفصل الرجال والفتيان عن النساء والأطفال , و تم نقلهم إلى مواقع مختلفة كالمدارس والمستودعات والحقول وهناك تم إطلاق النار عليهم . صدمت وحشية وحجم عمليات القتل العالم وأدت إلى إدانة شعبية واسعة . تم إعدام أكثر من 8000 من الرجال والفتيان البوشناق بشكل منظم للغاية وبدم بارد ، حيث تم حفر مقابر جماعية بمساحة ملاعب كرة قدم لإخفاء الجثث والادلة التي قد تدينهم في المستقبل . بعض الضحايا أُجبرو على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم تماما مثلما حدث في سوريا الاسد
دور المجتمع الدولي

لم تكن مذبحة سريبرنيتسا مجرد عملية قتل عشوائية ، بل كانت عمل منظم و مُحكمً للغاية. على مدار عدة أيام القتل وسفك الدماء ، كانت المذبحة لا توصف . روى الناجون قصصًا مروعة عن إجبارهم على حفر قبورهم بأنفسهم ، وعن تفكك واختفاء عائلات بأكملها . شاهد المجتمع الدولي بذهول وصمت كل تلك الحداث مثلما شاهدوا اليوم القيادة الجماعية في غزة غير أن الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو صمت القبور الذي يسود هذا العالم الظالم والمشلول والذي لا يظهر أنيابه الا على الضعفاء .
ما بعد المذبحة: العدالة والمساءلة

في ديسمبر 1995 أنشئت اتفاقية دايتون ، التي أنهت , الحرب وبعد فترة قصيرة . تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) لمحاكمة جرائم الحرب التي ارتُكبت خلال حرب البوسنة . أصدرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة لوائح اتهام ضد عدة شخصيات رئيسية مسؤولة عن مذبحة سريبرنيتسا، بما في ذلك الجنرال راتكو ملاديتش ورادوفان كاراديتش، الزعيم السياسي للصرب البوسنيين. تم القبض على ملاديتش في عام 2011 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 2017 بتهمة الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. في حين تم القبض على كاراديتش في عام 2008 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 2019.

اعتبرت محاكمة مجرمي الحرب هؤلاء سابقة مهمة في القانون الدولي . ووضعت الاسس القانونية لاي جريمة ابادة عرقية في المستقبل , حيث أكدت أحكام المحكمة الجنائية الدولية أن مذبحة سريبرنيتسا اعتبرت رسميا “ إبادة جماعية” ، وهو قرار تم تأييده من قبل محكمة العدل الدولية (ICJ). كان هذا الاعتراف القانوني اساسيا في توفير العدالة والتعويضات للضحايا وعائلاتهم . والتي بكل تأكيد ولول عوضهوم بأموال الدنيا لن يعود لهم أحبائهم
التأثير العالمي للإبادة الجماعية
مذبحة سريبرنيتسا تركت أثر عميق ومؤلم في التاريخ الحديث . حيث كشفت مدى الشلل الذي يعتلي المنظومة الدولية في مواجهة الجرائم ضد الانسانية والإبادة الجماعية . وبسببها تم تطوري مبدأ يعرف باسم “مسؤولية الحماية” (R2P) . حيث تم اعتماد هذا المبدأ من قبل الأمم المتحدة في عام 2005، جيث يؤكد أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التدخل عندما تفشل دولة ما في حماية سكانها من الفظائع الجماعية . طبعا هذا المبدأ لم يصنعوها لنا بل صنعوه لانفسهم كي يمنعوا الجرائم في دولهم تريد الدليل تم تطبيق المبدأ في العراق وبموجبه تم الدخل عسكريا للاطاحة بالرئيس لعراقي صدام حسين بذريعة أن دكتاتور يرتكب المجازر في حق شعبه , غير أن هذا المبدأ يا سبحان الله بقدرة قار أصبح أعمى واصم ومشلول حين كان المدنيون العزل يتم ابادتهم عرقيا في غزة وسوريا , في كل مرة يثبت أن ما يسمى بالمجتمع الدول ما هو سوى كيان من المجرمين والساديين الذين يقسمون الانسانية حسب اهوائهم

كانت سريبرنيتسا هي السبب في تحرك المجتمع الدولي لايقاف الابادة الجماعية في رواندا عام 1994 , طبعا تدخلو حتى انتهت الابادة وقتل من قتل وسالت الدماء ويتم الاطفال واعدمت الحوامل وانقشع الدخان , غير أن الابادة الجماعية الرواندية كانت أكثر فضاعة وقسوة من مذبحة سربرينيتسا بسبب الطريقة والاسلحة التي استعملت فيها , وهناك احتمال كبير أنني لو نشرت حلقة عن الموضوع قد يحذف الفيديو في غضون عدة ساعات , لكن سأحاول ما رأيكم في الفكرة ضع لايك للفيديو لنرى عدد من يريدون معرفة القصة
نصب سربرنيتسا-بوتوتشاري التذكاري

تم بناء نصب تذكاري تخليدا لهذا الحدث المؤلم يسمى بـ**نصب سريبرنيتسا-بوتوتشاري** على بعد حوالي 6 كيلومترات من بلدة سربرنيتسا . هذا الموقع هو نفسه الذي اتخذته قوات حفظ السلام الهولندية قاعدة لها حين كانت بعثة للأمم المتحدة (UNPROFOR) أثناء حرب البوسنة .
يتكون الموقع من المقبرة الجماعية حيث تم دفن آلاف الشهداء الذين تم التعرف على رفاتهم من خلال عمليات الحمض النووي . والغريب انه مازال الى اليوم سنة 2025 يتم اكتشاف مقابر سرية ورفات شهداء في عدة اماكن ودفنهم في المقبرة . في البعض الاحيان يصدم المزارعون باكتشاف هياكل عظمية بشرية في مزارهم وأحد الاشخاص يقول بانه وأثناء حفر اساس لمنزله عثر عدة هياكل عظمية تعود لفترة الأبادة الجماعية , بالاضافة للمقبرة يحتوي الموقع على نصب تذكاري يحتوي على لوحات تحمل أسماء الضحايا المعروفين ومتحف يضم وثائق وأشياء توثق لأحداث المذبحة وتاريخ حرب البوسنة، بالإضافة إلى قصص الناجين .
في كل عام وتحديدا في 11 يوليو، يُقام احتفال كبير في النصب التذكاري لإحياء ذكرى ضحايا المذبحة . وفي هذا اليوم يتم دفن رفات الضحايا الجدد الذين تم العثور عليهم ، ويحضر لهذا اليوم الآلاف من الناجين وعائلات الضحايا، بالإضافة لمشاهير و سياسيين كبار
هذه بعض الصور من الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا









