يُعد فيلم “Goodfellas” (الأصدقاء الطيبون) واحدًا من أعظم الأفلام في تاريخ السينما العالمية، وهو عمل درامي جريمة أخرجه المخرج الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي عام 1990. الفيلم مستوحى من كتاب “Wiseguy” للكاتب نيكولاس بيليجي، والذي يستند إلى القصة الحقيقية لصعود وسقوط رجل العصابات هنري هيل وشركائه في الجريمة. يعرض الفيلم ببراعة حياة العصابات الإيطالية الأمريكية في نيويورك خلال الفترة من الخمسينيات إلى السبعينيات، ويتميز بأسلوبه السردي الفريد، وأداءات مذهلة من طاقم التمثيل، إلى جانب التصوير السينمائي المتميز.
بداية القصة: نشأة هنري هيل
ينطلق الفيلم بسرد هنري هيل، الشخصية الرئيسية، وهو يتذكر طفولته وطموحه بأن يصبح جزءًا من عالم العصابات. يقول هنري في بداية الفيلم: “لطالما أردت أن أكون رجل عصابات.” هذه الجملة الافتتاحية تلخص الحلم الذي دفع به نحو حياة الجريمة. ولد هنري ونشأ في حي فقير في بروكلين، نيويورك، حيث كان مبهورًا بنفوذ رجال العصابات وسلطتهم المطلقة. تأثر هنري بشدة بجيرانه من رجال العصابات، وبدأ يعمل لصالحهم في سن مبكرة، حيث قام بمهام صغيرة مثل حمل الحقائب وغسل السيارات.
منذ البداية، يُظهر سكورسيزي براعة في تصوير البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأ فيها هنري. الكاميرا تنقل بمهارة تفاصيل الحي: شوارع مكتظة، موسيقى الجاز والروك أند رول، ومحلات البقالة الصغيرة. كل شيء يوحي بجو عائلي، لكنه مملوء بالخطر. كان هذا العالم جذابًا لهنري، حيث وجد فيه قوة وهروبًا من حياة الفقر.
صعود هنري في عالم العصابات
مع مرور الوقت، يصبح هنري جزءًا لا يتجزأ من عصابة بول سيكارو، التي يقودها زعيم العصابات المحلي بولي. يدخل هنري في شراكة مع جيمس “جيمي” كونواي، الرجل الذي يُعتبر رمزًا للذكاء والخبرة، وتومي ديفيتو، الشاب العنيف وغير المستقر نفسيًا. هذا الثلاثي يشكل قلب القصة، حيث يُظهر الفيلم علاقاتهم المعقدة وديناميكيات القوة بينهم.
ينقل الفيلم ببراعة كيف أن هنري، جيمي، وتومي ينفذون عملياتهم الإجرامية، بدءًا من السرقات الصغيرة وصولًا إلى الجرائم الكبرى مثل سرقة شركة لوفتانزا، التي تُعتبر واحدة من أكبر السرقات في تاريخ الولايات المتحدة. يتعامل الفيلم مع هذه الجرائم بتفاصيل دقيقة، مما يجعل المشاهد يشعر وكأنه يعيش تلك اللحظات. الأداء الاستثنائي لجوي بيسكي في دور تومي يُبرز الشخصية العنيفة والمتهورة التي لا تعرف الرحمة، وهو ما يتضح في المشهد الشهير حيث يقتل تومي رجلًا في مطعم لمجرد مزحة.
العائلة والحياة الشخصية
رغم انغماسه في الجريمة، يُظهر الفيلم جانبًا آخر من حياة هنري، وهو حياته العائلية. يتزوج هنري من كارين، التي تلعب دورها لورين براكو ببراعة. تُسلط القصة الضوء على تأثير حياة العصابات على العلاقة الزوجية، حيث تصبح كارين بدورها جزءًا من هذا العالم المعقد. تُظهر كارين انجذابها الأولي لنمط حياة هنري الفاخر، لكنها سرعان ما تجد نفسها عالقة في شبكة من الأكاذيب والخيانة والعنف.
يستخدم سكورسيزي الكاميرا بحرفية لنقل مشاعر كارين، حيث تتحول من الانبهار إلى الخوف والغضب. المشهد الذي تُوجه فيه كارين مسدسًا إلى رأس هنري أثناء نومه يُظهر توتر العلاقة الزوجية وعمق معاناتها النفسية. في الوقت نفسه، يظهر هنري كزوج وأب، لكنه يظل غير قادر على التخلي عن حياته الإجرامية، مما يؤدي إلى تعقيدات إضافية في حياته الشخصية.
سقوط هنري هيل
مع تقدم الفيلم، يبدأ العالم المثالي الذي بناه هنري في الانهيار. تزداد المشاكل مع القانون، وتتعمق الخلافات داخل العصابة. مشهد سقوط تومي، الذي كان يتطلع ليصبح عضوًا رسميًا في المافيا لكنه يُقتل بدلاً من ذلك، يُعتبر نقطة تحول رئيسية. هذا المشهد يُظهر خيانة النظام الداخلي للعصابات ويدل على أن الولاء في هذا العالم ليس له قيمة حقيقية.
يتدهور وضع هنري أكثر عندما يتورط في تجارة المخدرات، وهو ما يُعتبر خيانة لقوانين بولي. يبدأ هنري في فقدان السيطرة على حياته، ويُظهر الفيلم ذلك بوضوح من خلال التغير في أسلوب التصوير، حيث تصبح اللقطات أكثر اضطرابًا وسرعة. يُظهر سكورسيزي ببراعة كيف أن الضغط والخوف يبدآن في التهام هنري من الداخل.
في النهاية، يقرر هنري التعاون مع السلطات والإبلاغ عن زملائه، مما يُنهي حياته كجزء من العصابة. يصبح هنري شاهدًا رئيسيًا ضد بولي وجيمي، مما يؤدي إلى انهيار العصابة وسجن أعضائها الرئيسيين. النهاية تُظهر هنري وهو يعيش حياة عادية كجزء من برنامج حماية الشهود، لكنه يفتقد الإثارة والقوة التي كانت تميز حياته السابقة.
تأثير الفيلم
منذ إصداره، حقق “Goodfellas” إشادة واسعة من النقاد والجمهور على حد سواء. يُعتبر الفيلم دراسة متقنة عن حياة العصابات، وقد ألهم العديد من الأفلام والمسلسلات التي تناولت هذا الموضوع. كما أنه يُعتبر أحد أعظم أعمال سكورسيزي، وهو جزء لا يتجزأ من تراث السينما الأمريكية.
الفيلم يُقدم رسالة واضحة حول الثمن الذي يدفعه الإنسان مقابل حياة الجريمة. رغم أن حياة العصابات تبدو جذابة في البداية، إلا أن النتيجة دائمًا ما تكون مأساوية. النهاية تُظهر أن هنري، رغم نجاته، يعيش في عزلة وندم، مما يُبرز الطبيعة الزائفة لنمط حياة العصابات.
الخاتمة
“Goodfellas” ليس مجرد فيلم عن العصابات، بل هو قصة عن الطموح والخيانة والسقوط. من خلال شخصياته المعقدة وأحداثه المشوقة، يُقدم الفيلم نظرة عميقة إلى الجانب المظلم من الحلم الأمريكي. بفضل إخراج سكورسيزي وطاقم التمثيل المذهل، سيظل “Goodfellas” واحدًا من أعظم الأفلام في تاريخ السينما، ومرجعًا لا غنى عنه لأي شخص مهتم بدراسة أفلام الجريمة.
اقرا ايضا لماذ دونالد ترامب هو أكثر الرؤساء إثارة للجدل في العالم