كتاب “الصراع العربي الإسرائيلي” للكاتب الأرجنتيني بيدرو برييجر هو عمل شامل يسعى إلى تقديم تحليل دقيق ومفصل عن الصراع المستمر بين العرب وإسرائيل، منذ نشأته وحتى الوقت الحاضر. برييجر، المعروف بكونه صحفياً ومحللاً سياسياً متخصصاً في شؤون الشرق الأوسط، يقدم في هذا الكتاب رؤية متوازنة وشاملة للأحداث، مستنداً إلى مصادر تاريخية وسياسية متعددة، ومحاولاً توضيح تعقيدات الصراع الذي طالما كان محوراً رئيسياً للسياسة الدولية.
الجذور التاريخية للصراع
يبدأ برييجر كتاب “الصراع العربي الإسرائيلي” باستعراض الخلفية التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي، مفسراً كيف أن هذا الصراع ليس مجرد نزاع حديث، بل له جذور تعود إلى فترات تاريخية سابقة. يعود المؤلف إلى فترة ما قبل الانتداب البريطاني على فلسطين، مشيراً إلى التطورات التي أدت إلى نمو الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر. يوضح كيف أن هذه الحركة بدأت بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مما أثار التوترات بين اليهود والمجتمعات العربية المحلية التي كانت تعيش في المنطقة.
دور القوى الكبرى
يخصص برييجر فصولاً من كتاب “الصراع العربي الإسرائيلي” لمناقشة دور القوى الكبرى، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، في تطور الصراع. يشرح كيف أن وعد بلفور عام 1917 كان نقطة تحول مهمة في تاريخ الصراع، حيث أعطى بريطانيا موافقتها على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. هذا القرار الذي اتخذته بريطانيا دون استشارة سكان المنطقة العرب، أدى إلى تصاعد العداء بين اليهود والعرب، وأسس لصراع مستمر حتى اليوم.
يتناول الكاتب أيضاً الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في دعم إسرائيل بعد قيامها عام 1948، ويشير كتاب “الصراع العربي الإسرائيلي” إلى كيف أن الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الأمريكي لإسرائيل ساهم في استمرار الصراع وتعقيده. كما يناقش الكتاب التدخلات السوفيتية في الصراع، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، وكيف أثرت التحالفات الدولية على مسار الأحداث في الشرق الأوسط.
الحروب العربية الإسرائيلية
يستعرض برييجر في كتابه “الصراع العربي الإسرائيلي” الحروب العربية الإسرائيلية الكبرى، بدءاً من حرب 1948 التي عرفت بحرب الاستقلال في إسرائيل والنكبة في العالم العربي، مروراً بحرب 1956 (العدوان الثلاثي)، وحرب 1967 (حرب الأيام الستة)، وحرب 1973 (حرب أكتوبر)، وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982.
يحاول المؤلف تحليل كل حرب من هذه الحروب من خلال الوقوف على الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت إليها، ونتائجها على الصراع ككل. يناقش كيف أن هذه الحروب، رغم اختلافها في التفاصيل والنتائج، كانت تساهم في تعميق الجراح وتعزيز الشكوك وعدم الثقة بين العرب والإسرائيليين، مما جعل الوصول إلى حل سلمي أمراً أكثر صعوبة.
عملية السلام
في جزء كبير من كتاب “الصراع العربي الإسرائيلي” ، يتناول برييجر محاولات السلام المختلفة التي تمت منذ الصراع وحتى الوقت الحاضر. يتحدث عن مبادرات السلام التي قادتها الأمم المتحدة، واتفاقيات مثل كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، واتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يشير برييجر إلى أن كل هذه المحاولات، رغم أنها كانت تمثل بارقة أمل، إلا أنها في النهاية فشلت في تحقيق سلام دائم وعادل، ويرى أن السبب في ذلك يعود إلى غياب الثقة بين الأطراف، بالإضافة إلى القضايا العالقة مثل حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس، والمستوطنات.
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
لا يقتصر تحليل برييجر على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، بل يتناول كتاب “الصراع العربي الإسرائيلي”أيضاً الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للصراع. يوضح كيف أن الصراع العربي الإسرائيلي ليس مجرد نزاع حول الأرض والسيادة، بل هو أيضاً صراع يتشابك مع قضايا الفقر، والبطالة، والتهجير، وانعدام الأمن. يتناول الكاتب تأثير الصراع على الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وعلى الإسرائيليين الذين يعيشون في مناطق محاذية للصراع، مشيراً إلى أن استمرار هذا الصراع يولد حالة من عدم الاستقرار تؤثر على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة بشكل عام.
المستقبل المجهول
ينهي بيدرو برييجر كتابه “الصراع العربي الإسرائيلي” بالتأمل في مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي. يرى أن الصراع، رغم تعقيداته وكثرة القضايا العالقة، ليس محكوماً بالاستمرار إلى الأبد. يشير إلى أن الحلول الممكنة تكمن في التفاوض والحوار، ولكن يشدد على أن أي حل يجب أن يكون عادلاً ويحترم حقوق جميع الأطراف.
يؤكد برييجر على أن السلام في الشرق الأوسط يتطلب تغييراً في العقليات والثقافات، وأن على الأطراف الدولية أن تلعب دوراً إيجابياً في دعم جهود السلام بدلاً من تأجيج الصراع. كما يدعو القادة العرب والإسرائيليين إلى التحلي بالشجاعة السياسية لإيجاد حلول جديدة تتجاوز الحلول التقليدية التي أثبتت فشلها على مدى العقود الماضية.
مقالة أخرى اشباح الهيمالايا , لماذ جبل إيفرست مليئ بالجثث البشرية المحنطة
Comments 1