أنا مدين بنجاحي إلى الغباء . – “I owe all my success to stupidity .” هذه الجملة نطقها في أحد الاشخاص يصف بها المفتاح الذي جعله يتحول من متشرد بلا عمل ينام في الشارع الى مؤسس أكبر سلسلة مطاعم بيتزا في العالم دومينوز بيتزا واسمه توم موناهان
توم موناهان ولد في 25 مارس 1937 في ولاية ميشيغان الامريكية , توفي والده وهو ابن 4 سنوات ، كان يعيش في فقر مدقع بدرجة أن أمه لم تتمكن أمه من الإنفاق عليه هو وأخيه الأصغر، ما اضطرها للتخلي عنه وتركه في ملجأ للأيتام، تديره الراهبات البولنديات الكاثوليكيات في ولاية ميتشجان الأمريكية || عمدت الراهبات إلى زرع حب الدين في نفسه، وهو ما خلق في نفسه حلما بأن يصير راهباً في المستقبل، لكنه طرد من دراسة اللاهوت في النهاية، لفشله في الالتزام بالنظام الداخلي الشبه عسكري ||
(( بعدها عمل توماس موناهان الشاب كسائق سيارة نقل , لتوفير المال ليتمكن من الالتحاق بالجامعة || كان في تلك الفترة شبه فقير حرفيا كان يفترش الأرض لينام باليل || وفي الصباح يذهب للعمل ومن ثم الدراسة || كان الامر صعبا وشاقا عليه || كان يعمل بجهد ويدرس في الان ذاته , حصد خلاله اشهره الاولى في الجامعة على درجات عالية || لكنه اضطر لتركها بعد ذلك لفشله في توفير المال الكافي لدفع تكاليف الدراسة لبقية العام || اصبح الان بدون منزل, بدون جامعة وبدون عمل ايضا || لذا كان خياره الوحيد للهرب من حياة التشرد هذه, هو الالتحاق بالبحرية الأمريكية عام 1956 || و بعد خدمته لمدة ثلاث سنوات, سُرِّح منها بمرتبة الشرف عام 1959، مُدخراً نصف ما حصل عليه من اموال خلال هذه الفترة، غير أن هذا المال الذي ادخره خسره بالكامل في او مشروع فاشل له في حياته ))
عاد توم مجددا إلى نقطة الصفر, لكنه لم ييأس وقرر البدء من جديد || بعدها عثر على وظيفة بسيطة في توزيع الصحف والجرائد اليومية على المنازل || بعد قيامه بهذه الوظيفة لعامين, جمع قدرا من المال واشترى محلاً صغيراً لبيع الجرائد والمجلات في المدينة, والتحق مجددا بالجامعة مجددا || لكنه مرة اخرى قرر تركها بعد ثلاثة أسابيع فقط, بسبب مداخيله القليلة من بيع الصحف, وعدم توفره على الوقت الكافي للدراسة ||
حذف فكرة الدراسة من باله نهائيا, وقرر التركيز على محله وتجارته اكثر حتى تأتيه فرصة اخرى, حينها يكون مستعدا لها و في مخزونه قدرا من المال المحترم || وهذا تماما ما حصل, ذات يوم في العام 1960، أخبر جيمس أخاه توماس موناهان عن محل بيتزا معروض للبيع اسمه دومينيكز || أخوه الأصغر جيمس كان متحمساً لشراء هذا المحل، لكنه كان قلقاً خائفا من أن يخوض هذه المغامرة لوحده، فقرر أن يشرك أخاه معه في هذا المشروع || توماس كان يمتلك 500 دولار فقط, لكنها لا تكفي لشراء المحل, لذلك اقترض 900 دولار أخرى ليتمكنا من شراء هذا المطعم اخيرا ||
كان الأخوان في البداية بلا أي خبرة في مجال صناعة البيتزا أو في تسيير المحل || فكانت الخطة أن يعمل توم نصف اليوم، ويكمل أخوه النصف الآخر، لكي يستطيع توم الاحتفاظ بوظيفته النهارية في بيع الصحف, الشيء الذي رفضه اخوه الاصغر || لذالك بعد مرور ثمانية شهور على البداية، قرر أخوه الأصغر الخروج من هذا المشروع, بسبب الضغط العالي الذي كان يعيشه كل يوم في هذا المحل وقلة الأرباح ||
كانت السنة الأولى صعبة للغاية، ولم يتمكن توم من تحقيق ربح يُذكر || لكن في أحد أيام العطلة الأسبوعية، غاب نصف فريق العمل عن العمل || وكان هذا اليوم أكثر أيام الأسبوع طلبا للبيتزا وأكثرها ازدحاما, بسبب أن إدارة الجامعة التي كانت بالقرب من المطعم, لم تكن توفر الوجبات لطلابها في هذا اليوم || في البداية لم يدري ماذا يفعل مع كثرة الطلبات وغياب فريق العمل || هل يغلق الابواب أم يفتحها وليكن ما يكون؟ لكنه استمر, فكانت الخطة أنه إذا ساءت الأمور فسيتوقفون عن استقبال المكالمات الهاتفية لتخفيف الضغط || مضى اليوم بسلام، ولم يرفض توم أي طلب، فحقق 50% أرباحاً إضافية في تلك الليلة ولأول مرة في حياته || وبعدها بدأت الأرباح تبتسم لتوم, وبدأ مع كل يوم عمل يكتشف طريقة جديدة للرفع من المبيعات والارباح ايضا ||
بعدها استغل توم فرصة وجود محليين للبيع بثمن رخيص, و اشتراهما لفتح فرعين جديدين بنفس اسم مطعمه الأول, دومينيكز بيتزا || لكن دومينيك صاحب الاسم الأصلي رفض ذلك، وطالبه بتغير الاسم او دفع مبلغ كبير ليتمكن من استخدام اسمه الخاص ||
(( بعد تفكير طويل, وجد توم أنه من المناسب أن يكون الاسم الجديد قريبا من الاسم القديم, لأن الناس الآن اعتادوا عليه واصبح شائعا || لذالك قرر ان يحسنه ويحوله الى اسم سهل التذكر و ذا معنى في نفس الوقت, وهو اسم دومينوز بيتزا || أعجب توم بالاسم على الفور، فهو ايطالي، يتماشى مع البيتزا ايطالية المنشأ، ويرمز لقطع الدومينو, وبالتالي يمكن استخدامها في العلامة التجارية || كانت الفكرة الأولية أن يضع توم قطعة دومينو تتضمن ثلاث نقاط، لترمز إلى الفروع الثلاث || وكلما افتتح فرعاً جديداً، كلما أضاف نقطة || بالطبع مع الزيادة الكبيرة في عدد الفروع، لم يستطع أبداً تنفيذ هذه الفكرة ))
كان نطاق تفكيره محدوداً وقتها، فهو لم يتوقع أن تكون فروعه الثلاث الاكثر ازدحاما في المدينة كلها || فكل فرع كان يبيع ما يزيد عن 3 آلاف بيتزا في الأسبوع، وصلت حتى الـ 5 آلاف قطعة || كان توم شديد الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة في أسرار عمله || لدرجة أنه وظف متذوقين عميان ليختبروا جودة العجائن، واستبين رأي المشردين في رأيهم حول مذاق البيتزا, في النهاية هو ايضا كان واحدا منهم || الشيئ الذي ساعده على تحسين جودة ما يقدمه، مع خفض التكاليف في ذات الوقت ||
في نهاية الستينات حضر توم دورة تدريبية عن فكرة منح حقوق الامتياز التجاري للغير, وهو ما يعرف ب (فرانشيز) || هنا بدأ الإلهام يهبط عليه، لأنه لمح هلال هذه الدورة رجالاً تبدو عليهم مظاهر الثراء والترف المفرط || فأحس بأن الفرنشايز هو المفتاح الذهبي لبلوغ القمة ||
(( هنا قرر توم أن الوقت قد حان لطرح شركته في البورصة || فعرض الامر على مستشاره المالي, الذي نصحه في المقابل بأن يكون أكثر حرفية, قبل الإقدام على هذه الخطوة الكبيرة ||ونصحه بتوظيف العديد من الرجال ذوي الشهادات في إدارة الأعمال، وعليه أيضا حوسبة نظام الحسابات لديه، وأما الشيء الأهم: فهو وجوب الاستمرار في النمو والكبر وعدم الرجوع للوراء, لأن سماسرة البورصة يبحثون في كل شيء قبل الاقدام على شراء الأسهم ))
فعل توم كل ما قاله الرجل، فزاد عدد فروعه من 12 إلى 44 في عشرة شهور فقط || لكن توم بدأ يلاحظ كثرة موظفيه وقلة ما يفعلونه || المحلات الجديدة لم تكن بالقرب من الجامعات مثل سابقتها، بل بالقرب من التجمعات السكنية || وتميزت محلاته بالزحام لكن مع بطء التسليم || فبدأت الامور مجددا في التدهور, وما هو إلا قليل حتى انتهى الأمر بتوم وقد خسر 51% من شركته لصالح البنوك المقرضة || أخذت هذه البنوك إدارة الشركة, واجبروه على الاستعانة بخبير كان من المفترض به إعادة الأمور إلى نصابها, لكنه على العكس أضر أكثر مما نفع || رفع هذا الحبير أسعار البيتزا، وخفض نفقات الخدمات والتسليم، وأمر الفروع باستخدام الجودة الرخيصة من مكونات البيتزا، ووقف توم وقفة المتفرج، فهو كان عاجزًا عن التدخل ||
بعد مرور عشرة شهور على مقدم الخبير، بدء مشتروا حق الامتياز التجاري برفع دعاوي قضائية بسبب الرفع في أسعار الامتياز || فبدأو في الانسحاب واحد تلوى الاخر, والفروع بدأت ايضا في النقصان || فأصبح عدد الدائنين الغاضبين أكثر من ألف دائن، رفع 150 منهم دعاوي قضائية مطالبين بالسداد || كانت الشركة فعلا في موقف سيء للغاية، حتى أن البنوك وافقت في النهاية على أن تعيد الإدارة لتوم ||
تولى توم الدفاع عن نفسه بنفسه في القضايا المرفوعة عليه، لعدم قدرته على دفع تكاليف المحامي || حتى وصل به الأمر لبيع كل ما يملك من اثاث وسيارة و اشياء خاصة لسداد الديون || وخلال سنة من العذاب كان قد سدد كل ديونه || وفي بضعة سنين كانت جميع مشكلاته قد حُلت، وعاد الزبائن إلى فروعه التي بدأت تشهد زيادات صاروخية في المبيعات، وعاد العملاء يريدون استغلال اسمه تجارياً مرة أخرى || هذه المرة تعلم توم درسا صعبا من القضايا التي رفعت عليه، لذاك أصر على من يريد الفرانشيز, أن يعمل مديراً لأحد مطاعمه الـ ثلاثمائة || وبعد نجاحه في مهمته لمدة سنة، يمكنه بعدها أن ينال موافقة الشركة يؤسس فرعه الخاص || الشيء الذي اُعتبر أفضل نظام فرانشيز في وقته ||
(( وفي عام 1980 تمكن اخيرا من افتتاح أول فرع دومينوز بيتزا خارج الولايات المتحدة، وتحديدا في وينيبيج بكندا، الشيء الذي سرع من وصوله إلى العالمية || بدأ توم في تصميم برامج تحفيزية للموظفين، وبدأ يطبق لأول مرة نظام التسليم خلال 30 دقيقة وإلا فالبيتزا تكون مجانية، وبدأت أوقات التسليم تتحسن وتقل. هذا النظام جلب لشركته شهرة كبيرة ))
بدأ توم يحقق أرباحاً خيالية، وبدأت أضواء الشهرة تركز عليه، وبدأ نظامه الخاص في الفرانشيز يلقى شهرة اوسع || هذا النجاح جعل من توم يبدأ في شراء الغالي والنفيس، ففي عام 1983 اشترى فريق ديترويت تايجرز أو نمور ديترويت لكرة السلة، وفاز به بطولة العام التالي, ما جعله لقبه يصبح بعدها نمر البيتزا || اشترى ايضا مزارع و 244 سيارة نادرة، و مبان أثرية قديمة ||
بعدها في عام 1989، تأثر توم بقراءته لكتاب عن المسيحية، دعا كاتبه القراء للتواضع، والاحتراس من التفاخر، والذي اعتبره من الذنوب || فما كان من توم إلا وأخذ العهد على نفسه بأن يعود فقيراً كما كان سابقا || فبدأ يبيع ممتلكاته الثمينة، وسياراته الفاخرة وفريق النمور, وتوقف عن السفر في الدرجة الأولى || وقرر أيضا بيع كل نصيبه في دومينوز بيتزا، وقضاء بقية حياته في خدمة الكنيسة الكاثوليكية ومساعدة المشردين وتأسيس جامعات دينية كثيرة ||