ألبرت فيش، المولود باسم هاميلتون هوارد فيش في 19 مايو 1870 في واشنطن العاصمة، يُعد أحد أشهر القتلة المتسلسلين في التاريخ الأمريكي. حياته وجرائمه هي شهادة مروعة على مدى انحدار البشرية، حيث تميزت بسلسلة من جرائم القتل الوحشية وأفعال أكل لحوم البشر، بالإضافة إلى افتتانه المرضي بالألم والمعاناة. قصة فيش ليست مجرد حكاية عن قاتل، بل هي سرد معقد يتعمق في العوامل النفسية والاجتماعية والتاريخية التي شكلت شخصيته الملتوية. لفهم ألبرت فيش، يجب مواجهة أعمق زوايا العقل البشري، حيث يتشابك الجنون مع الشر.
صناعة الوحش

مع تقدم فيش في العمر، أصبحت ميوله المنحرفة أكثر وضوحًا. تزوج في عام 1898 وأنجب ستة أطفال، لكن حياته الأسرية كانت بعيدة كل البعد عن الطبيعي. زوجة فيش، التي لم تكن على علم بميوله المظلمة، تركتهُ في النهاية وأخذت أطفالها معها. هذا الانفصال زاد من عزلته، مما سمح لأوهامه المنحرفة بالازدهار.
بدأت أنشطة فيش الإجرامية بشكل جدي في أوائل القرن العشرين. كان معروفًا بأنه يستهدف الفئات الضعيفة، وخاصة الأطفال، الذين كان يغويهم بوعود بالمال أو العمل. كانت طريقته في الجريمة تتمثل في كسب ثقة ضحاياه قبل إخضاعهم لفظائع لا توصف. لم تكن جرائم فيش مجرد أعمال قتل، بل كانت غالبًا مصحوبة بأفعال أكل لحوم البشر، وتلذذ جنسي بالجثث، وسادية مفرطة.
أحد أكثر الجوانب إزعاجًا في جرائم فيش كان قدرته على الاندماج في المجتمع. كان رجلاً صغيرًا وبسيطًا، غالبًا ما كان يقدم نفسه كرجل عجوز غير مؤذٍ. هذه الواجهة سمحت له بتجنب الشكوك لسنوات، حتى مع زيادة عدد ضحاياه. قدرة فيش على التلاعب والخداع من حوله هي دليل على دهائه وذكائه، وهي صفات جعلته أكثر خطورة.
جرائم ألبرت فيش

امتدت مسيرة ألبرت فيش الإجرامية على مدى عدة عقود، خلالها ادعى أنه قتل مئات الأشخاص. ومع ذلك، تم تأكيد عدد قليل فقط من هذه الجرائم. الجريمة الأكثر شهرة لفيسش، والتي أدت في النهاية إلى القبض عليه، كانت قتل غريس باد، طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات من مدينة نيويورك.
في عام 1928، تظاهر فيش باسم فرانك هوارد وتقرب من عائلة باد. ادعى أنه مزارع يبحث عن عمل وعرض أن يأخذ غريس إلى حفلة عيد ميلاد. وثق آل باد به، وسمحوا لغريس بالذهاب مع فيش. كانت تلك آخر مرة يرون فيها ابنتهم على قيد الحياة.
أخذ فيش غريس إلى منزل مهجور في مقاطعة ويستشستر، حيث خنقها، ثم قام بتقطيع جسدها وأكل أجزاء من لحمها. وصف لاحقًا الفعل بتفاصيل مروعة في رسالة إلى والدة غريس، وهي الرسالة التي أصبحت واحدة من أكثر الأدلة إثارة للرعب في التاريخ الجنائي. كتب فيش في الرسالة: “لم أجامعها رغم أنني كنت أستطيع ذلك لو أردت. لقد ماتت عذراء.” وُقّعت الرسالة باسم “آكل لحوم البشر”، وهو اللقب الذي سيحدد إرث فيش.
أثارت جريمة قتل غريس باد صدمة في الأمة وأدت إلى واحدة من أكبر عمليات البحث عن مجرم في تاريخ نيويورك. ومع ذلك، تمكن فيش من تجنب القبض عليه لمدة ست سنوات. خلال هذه الفترة، استمر في ارتكاب الجرائم، بما في ذلك قتل طفل آخر على الأقل، وهو صبي يبلغ من العمر أربع سنوات يدعى بيلي غافني.
القبض على ألبرت فيش ومحاكمته

انتهى عهد فيش الإرهابي في عام 1934، عندما أرسل الرسالة الشهيرة إلى والدة غريس باد. تم تتبع الرسالة، التي احتوت على تفاصيل الجريمة التي لا يعرفها إلا القاتل، إلى فيش من خلال سلسلة من الجهود التحقيقية. تم القبض على فيش واتهامه بقتل غريس باد.
كانت محاكمة فيش حدثًا إعلاميًا كبيرًا، حيث جذبت اهتمامًا واسعًا بسبب طبيعة جرائمه المروعة. خلال المحاكمة، حاول محامو الدفاع عن فيش أن يجادلوا بأنه كان مجنونًا، وهو ادعاء تدعمه عدة تقييمات نفسية. بدا فيش نفسه وكأنه يستمتع بالاهتمام، حيث كان يقدم تفاصيل جرائمه بتفصيل مروع دون إظهار أي ندم.
ومع ذلك، جادل الادعاء بأن فيش كان على دراية كاملة بأفعاله وأن جرائمه كانت مخططة ومحسوبة. في النهاية، اتفقت هيئة المحلفين مع الادعاء، وتمت إدانة فيش بجريمة القتل من الدرجة الأولى. حُكم عليه بالإعدام ونُفذ فيه الحكم بواسطة الكرسي الكهربائي في 16 يناير 1936 في سجن سينغ سينغ.
الخاتمة
قصة ألبرت فيش هي فصل مظلم ومقلق في سجلات التاريخ الجنائي. حياته وجرائمه هي شهادة على قدرة الشر الكامنة في النفس البشرية. حالة فيش ليست مجرد حكاية عن قاتل، بل هي سرد معقد يتعمق في العوامل النفسية والاجتماعية والتاريخية التي شكلت عقله الملتوي.
جرائم فيش، التي تميزت بأفعال أكل لحوم البشر والسادية المفرطة، هي تذكير مروع بمدى انحدار البشرية. قدرته على الاندماج في المجتمع، والتلاعب بخداع من حوله، هي دليل على دهائه وذكائه. ومع ذلك، فهي أيضًا تذكير بأهمية اليقظة والحاجة إلى حماية أفراد المجتمع الأكثر ضعفًا.
إرث ألبرت فيش هو إرث من الرعب والافتتان. لا تزال حالته تُدرس من قبل علماء الجريمة وعلماء النفس والمؤرخين، حيث يحاول كل منهم فهم عقل رجل يمكنه ارتكاب مثل هذه الأفعال المروعة. بينما تذكرنا جرائم فيش بالظلام الكامن في الروح البشرية، فإنها تظل أيضًا دعوة للعمل، تذكرنا بأهمية معالجة الأمراض العقلية وحماية أولئك الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم.
اقرا ايضا التصاعد المبهر و نجاح شركة مرسيدس بنز