يُعتبر فيلم The Usual Suspects (المشتبه بهم المعتادون) واحدًا من أعظم أفلام الغموض والجريمة التي تركت بصمة عميقة في تاريخ السينما العالمية. صدر الفيلم عام 1995، وهو من إخراج براين سينجر وكتابة كريستوفر ماكواير، وقد حقق نجاحًا نقديًا وتجاريًا كبيرًا، إضافة إلى فوزه بجائزتي أوسكار. ما يُميز الفيلم هو الحبكة المعقدة التي تمزج بين الجريمة والتحقيق والتلاعب العقلي، بالإضافة إلى شخصياته متعددة الطبقات التي جذبت المشاهدين وأبقتهم على حافة مقاعدهم حتى اللحظة الأخيرة.
حبكة القصة: متاهة من الأكاذيب والحقيقة
تبدأ القصة بجريمة في ميناء سان بيدرو في كاليفورنيا، حيث يُقتل 27 شخصًا في انفجار مروع على متن سفينة شحن. يُنقل الناجي الوحيد، المجرم البسيط والمُصاب بحروق خطيرة، إلى المستشفى، ويُدعى آرثر كويان. في الوقت نفسه، يبدأ العميل الخاص ديفيد كويان تحقيقًا معمقًا مع شخصية محورية أخرى: فيربال كنت، وهو رجل مُقعد يُشتبه في أنه يمتلك معلومات حاسمة عن الجريمة.
يُسرد الفيلم القصة من خلال رواية فيربال للأحداث أثناء استجوابه. يكشف فيربال عن اجتماع خمسة مجرمين – هم دين كيتون، ومايكل ماكمانوس، وفريد فينستر، وتود هوكيني، ونفسه – أثناء احتجازهم في قسم الشرطة. يُجبرون على العمل معًا بعد اتهامهم في قضية سرقة، مما يؤدي إلى تورطهم في سلسلة من الجرائم المنظمة التي يديرها مجرم غامض يُدعى كيزر سوزي.
الشخصيات: مزيج معقد من الأدوار والشخصيات
فيربال كنت (كيفن سبيسي):
هو الراوي الرئيسي للقصة، وشخصيته تُعد الأكثر غموضًا. يقدم نفسه كشخص بسيط وضعيف، لكن تطورات الفيلم تكشف حقائق مغايرة تمامًا.
دين كيتون (غابرييل بيرن):
ضابط شرطة سابق تحول إلى الجريمة. يُعتبر الشخصية الأكثر قيادية في المجموعة، وصراعه الداخلي بين العودة إلى حياة نظيفة أو الغوص أعمق في عالم الجريمة يُضفي على الفيلم جانبًا دراميًا قويًا.
مايكل ماكمانوس (ستيفن بالدوين):
لص محترف يتميز بالعنف والجرأة. يجلب إلى المجموعة طاقة غير متوقعة ويثير التوتر في العديد من المواقف.
فريد فينستر (بينيشيو ديل تورو):
شريك ماكمانوس وصديقه المقرب، يتميز بأسلوبه الغريب في الحديث، مما يضيف نكهة كوميدية إلى القصة.
تود هوكيني (كيفين بولاك):
قناص محترف يتمتع بخفة دم، لكنه لا يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة عندما يكون الأمر ضروريًا.
كيزر سوزي: أسطورة الشر المطلق
أحد أبرز عناصر الفيلم هو شخصية كيزر سوزي الغامضة. يُصور كيزر سوزي على أنه مجرم عبقري ومخيف يتحكم في العالم السفلي الإجرامي دون أن يراه أحد. فيربال يقدم سوزي كقوة خارقة للطبيعة تقريبًا، حيث يُقال إنه لا يترك أي أثر، ويقتل دون رحمة كل من يقف في طريقه. الحديث عن كيزر سوزي في الفيلم يشبه الحكايات الأسطورية، مما يثير تساؤلات دائمة حول وجوده الحقيقي.
مع تقدم القصة، يصبح السؤال المحوري: من هو كيزر سوزي؟ ومع أن الإجابة تتكشف في النهاية، إلا أن طريقة تقديمها تُعتبر واحدة من أعظم المنعطفات الدرامية في تاريخ السينما.
البنية السردية: لغز يتكشف ببطء
ما يجعل فيلم The Usual Suspects استثنائيًا هو الطريقة التي تُروى بها القصة. السرد غير الخطي والمليء بالفلاش باك يُبقي المشاهدين في حالة من الشك والارتباك. تُقدم الأحداث من منظور فيربال، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال. بينما تتكشف الأحداث، يدرك المشاهد أن فيربال قد يكون ليس فقط راوٍ غير موثوق به، بل ربما يكون هو من يُحرك كل الخيوط.
المنعطف الدرامي: لحظة الكشف العظيم
تصل القصة إلى ذروتها في المشهد الأخير، حيث يربط العميل كويان بين التفاصيل الصغيرة في رواية فيربال ولوحة إعلانات في مكتبه، ليكتشف أن معظم ما قاله فيربال كان ملفقًا. أثناء هذه اللحظات، يغادر فيربال مركز الشرطة، ويتحول مشيته المتعثرة إلى مشية طبيعية، مما يكشف للمشاهدين أن فيربال كنت هو كيزر سوزي نفسه. هذه اللحظة المُبهرة تُعد واحدة من أكثر اللحظات شهرة وتأثيرًا في تاريخ السينما.
الأداء التمثيلي: إبداع بلا حدود
تميز الفيلم بأداء مذهل من جميع الممثلين، لكن كيفن سبيسي كان الأبرز، حيث فاز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن دوره. تمكن سبيسي من تقديم شخصية معقدة ومليئة بالتناقضات، حيث بدا ضعيفًا ومخادعًا في الوقت نفسه. أيضًا، الأداءات الداعمة من غابرييل بيرن وبينيشيو ديل تورو أضافت عمقًا وحيوية إلى الفيلم.
الخاتمة: عبقرية بلا حدود
فيلم The Usual Suspects ليس مجرد فيلم جريمة، بل هو تجربة سينمائية تأخذ المشاهدين في رحلة عقلية مليئة بالغموض والتوتر. من خلال حبكته المحكمة وشخصياته المعقدة وأدائه التمثيلي الرائع، نجح الفيلم في ترسيخ مكانته كواحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما. لكل من يشاهده للمرة الأولى أو يعيد مشاهدته، يبقى الفيلم تجربة لا تُنسى تثير النقاش والتحليل لسنوات طويلة.
اقرا ايضا كتاب بنية الثورات العلمية ل”توماس كون”