في 25 يوليو 1976 ،المركبة الفضائية فايكنغ 1 التابعة لوكالة ناسا ، التي كانت انذاك في مدار حول كوكب المريخ ، أرسلت صورًا لمنطقة كان من المفترض أن تهبط فيها مركبة فوايجر 2 تسمى سيدونيا الى مقر القيادة على كوكب الارض في تلك الاثناء لم يكن أي أحد يتوقع أن تلك الصور التي سيستقبلونها ستسبب جدل وضجة حول العالم بل وستؤكد لملايين الناس أنه كان هماك حياة على كوكب المريخ ، فقد أظهرت إحدى هذه الصور و التي حملت رقم 035A72 ، على ما يبداو أنه تلً صغير وعليه ملامح إنسان محفورًة فيه وصفتها وكالة ناسا بأنها ” جسم غامض لوجه إنساني”.
يبدوا الشكل الصخري الضخم كرأسً بشري بطول قرابة ثلاثة كيلومترات تقريبًا من النهاية إلى النهاية يتكون من ظلال تعطي وهم العيون والأنف والفم ويحدق مباشرة في الكاميرات من منطقة على الكوكب الأحمر تسمى سيدونيا وبعد أيام قليلة من هذا الاكتشاف الصادم ، كشفت ناسا عن الصورة وعرضتها على الجمهور
وصلت الصورة بسرعة البرق للاعلام ، التقطوها ومثل شائعات الواتساب انتشر الخبر حاملا الصور على كل قناة تلفزية والراديو والصحف ولفت عواصم العالم ، في تلك اللحظة ازداد عدد المؤمنين والداعمين لفرضية وجود حضارة مريخية قديمة وربما هي قامت ببناء مثل هذا النصب التذكاري الذي يمكننا تشبيهه بالاهرامات على الارض . فكرة أن كائنات ذكية ربما عاشت على المريخ ذات يوم أثارت إعجاب العلماء وعامة الناس .
تقول وكالة ناسا: “يعتقد بعض الناس أن الوجه هو دليل حقيقي على وجود الحياة على المريخ، وهو دليل تفضل ناسا إخفاءه، كما يقول أصحاب نظرية المؤامرة. وفي الوقت نفسه، يرغب المدافعون عن ميزانية ناسا في وجود حضارة قديمة على المريخ”.
في 5 أبريل 1998 ، أي بعد 22 سنة من التقاط الصورة , حلق مسبار فضائي اسمه MGS مهمته دراسة الغلاف الجوي وسطح كوكب المريخ فوق منطقة سيدونيا لأول مرة منذ التقاط الصورة الاولى ، حيث التقط مايكل مالين وفريق كاميرا الذين كانو في المهمة صورة أكثر وضوحًا بعشر مرات من صور فايكنغ الأصلية . ثم مرة أخرى، في 8 أبريل 2001 ، أي بعد ثلاث سنوات قام Mars Global Surveyor بالتقالط صور ثالثة غير عادية باستخدام الدقة القصوى المطلقة للكاميرا . حيث يمتد كل بكسل في صورة عام 2001 إلى 1.56 مترًا، مقارنة بـ 43 مترًا لكل بكسل في أفضل صورة التقطتها فايكنج 1 عام 1976.
في النهاية انهارت أحلام أصحاب نظريات المؤامرات والحالمين بوجود حياة على المريخ التي تخفيها عنا ناسا , اتضح أن الصورة ما هي سوى قبة من الحمم البركانية المريخية والتي بواسطة ضوء الشمس القادم من زاوية معينة أخذت شكل وجه انسان
لكن الغريب أن هذه ليست هي صورة الوجه البشري الوحيد الذي ظهر في الفضاء , في يوليو 2000 تم التقاط صورة أخرى تقع في منطقة صخرية في النصف الشمالي من المريخ تسمى ” ليبيا مونتيس” ويطلق على هذا الوجه البشري الغامض “ الوجه المتوج “ . لكن المثير للريبة أنه على عكس الوجه الاول الذي يتغير يتغير زاوية السمي , الوجه الملكي لا يتأثر أبدا بزوايا الرؤية المختلفة ولا اتجاهات مختلفة لأي ظلال يسببها ضوء الشمس .
تم عرض القصة في فيلم الخيال العلمي مهمة إلى المريخ والذي صدر عام 2000 وتدور أحداثة في عام 2020 ، حيث يصور الفيلم أول مهمة استكشاف مأهولة للمريخ ؛ وعند وصول الفريق ، يكتشفون تشكيلًا صخري أبيض ساطعً في منطقة سيدونيا، ليتبين تبين أن التشكيل الصخري هو وجه بشري ضخم .
الان لنكشف الحقيقة , هذه الوجوه البشرية الفضائية سببها ظاهرة علمية غريبة تسمى باريدوليا .
باريدوليا كلمة مشتقة من اليونانية ، وتنقسم الى جزئين para وتعني شيئًا معيبً أو خاطئًا ، وكلمة eidōlon ، وتعني صورة أو شكل . هذه الظاهرة هي نوع من أنواع فقدان الإدراك , ظاهرة دماغية يرى أو يسمع فيها الشخص شيئًا مألوف في صورة أو نمط عشوائي . الباريدوليا هي ما يجعل الناس يرون وجوهًا في أشياء غير حية ، مثل صورة لما يفترض أنه عيسى في السماء أو كلمة الله في السحب أو اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام في أغصان شجرة . او وجه غاضب في فليفلة او وجه مصدوم في مقبس كهربائي
هذه الظاهرة لا تحدث فقط مع الوجوه البشرية فقط بل تقريبا يمكننا ملاحظتها في وقت وكل مكان وكل شيء حي أو جامد . فمثلا في مارس 2023، قال بعض الناس إنهم رأوا دبدوبً على سطح المريخ يشبه الى حد كبير ميكي ماوس . وفي صورة أخرى التقطتها مركبة بيرسيفيرانس أيضا على المريخ ، اعتقد بعض الفلكيين الهواة أنهم رصدوا زعنفة سمكة قرش ومخلب سرطان البحر في صخور عشوائية على المريخ .
التفسير العلمي
الباريدوليا هي واحدة من تكتيكات الدماغ البشري للبقاء على قيد الحياة . فقد عاش الانسان البدائي في عالم مختلف تماما عن عالمنا اليوم ، كان الخطر يحيطنا بنا من كل جانب وعدونا الوحيد هو الحيوانات المفترسة الاخرى التي تشاركك الطعام والمكان العيش ، ويمكن أن تهجم عليك في أي لحظة بالنهار أو بالليل .
كان لزاما أن يبتكر المخ أسلوب للتعرف السريع بناء على معارفه وخبراته السابقة على الخطر المحتمل والذي قد يظهر في أية لحظة من أي مكان و الذي يمكن أن يكون صديق أو عدو وتحليل ملامحه هل هو غاضب أو سعيد أو حزين للتجهيز لردة الفعل المناسبة وهي إما الترحيب به او الهرب والنفاذ بجلدك ، وهذه المعالجة تحدث في اجزاء من الثواني ، ولهذا السبب اثناء الشعور بالخوف الشديد كأن ترى قطعة قماش في غرفتك بالليل وتعتقد أنها شبح يقوم جسمنا بردة فعل سريعة جدا ولا ارادية حتى وان لم يكن هناك أي شيء داعي لذلك الخوف ، وبحكم أن الدماغ البشري مُعقد وهو أشبه بحاسبٍ آليٍ خارق يحل كل الاشكال والالوان والاشياء في نطاق الرؤية ، فكمية المعلومات الضخمة التي تتدفق للدماغ قد تتداخل فيما بينها في بالكثير من الاحيان لتعطي انطبعات وصور وتحليلات خاطئة وغير منطقية .
الجزء المسؤول عن تفسير الوجوه بالدماغ يسمى بالتلفيف المغزلي (Fusiform gyrus) ويحتوي على جانبين , الجانب الأيسر يقوم بالتحليل والحكم السريع على الوجه الذي شاهدته العينين الأيمن يَصدر أوامر بطيئة وتحتاج إلى وقتٍ محدد للتعرف على الوجوه وتفسيرها بدقةٍ تامة ، في حين يقوم ، وهنا قد يُفسر العقل البشري اللمحة السريعة عن الوجه ليعطي نتائج خاطئة ويصححها الجزء الأيمن بعد ذلك .
عالم الكونيات والمؤلف الأمريكي “كارل ساغان” في كتابه (العالم المسكون بالشياطين_ العلم كشمعة في الظلام) ؛ قال أن أنّ قدرة الأشخاص في التعرف على الوجوه من مسافةٍ بعيدة ، أو في حالة ضعف الرؤية هي تقنيةٌ مهمةٌ للبقاء على قيد الحياة . حيث أن هذه الظاهرة تُمكن البشر من الحكم فورًا على ما إذا كان الشخص القادم صديقًا أو عدوًا .
“ليوناردو دافنشي” قال ” إذا نظرت إلى جدرانٍ ملطخةٍ ببقعٍ مختلفة، أو بمزيجٍ من أنواع مختلفةٍ من الأحجار، إذا كُنت على وشك ابتكار مشهدٍ ما؛ فستتمكن من رؤية تشابه مختلف بين مختلف المناظر الطبيعية المختلفة المزينة بالجبال، والأنهار، والصور، والأشجار، والسهول، والوديان الواسعة، ومجموعةٌ مختلفةٌ من التلال “.
الباريدوليا وانتشار الوهم
أصبحت هذه الظاهرة نقطة مهمة في نشر الوهم والشائعات والمعلومات المكذوبة بين الناس بل تحول الامر الى النصب والاحتيال باسم الدين كون الناس المتدينين هم الاكثر رضة لتصديق هذا النوع من الخرافات , في عام 1977 عثرت امرأة من نيوميكسيكو اسمها ماريا روبيو على صورة مفترضة لعيسى لمسيح على قطعة خبز التورتيلا ، حاصر الناس منزلها بالاضافة للصحافة الوطنية وحتى عائلتها . فقد اعتبرها الناس معجزة الهية , وفي سنة 2004 قامت سيدة اسمها ديان دويزر من ميامي الامريكية ببيع شطيرة جبن مشوية عمرها 10 سنوات قالت إنها تحمل صورة مريم العذراء ، مقابل 28000 دولار على موقع إي باي
والامر لا يقتصر على الأشياء المنظورة بل يمكن أن تكون الباريدوليا أيضًا ظاهرة سمعية . في سبتمبر 1969 ، زعم أصحاب نظريات المؤامرة أن بعض الكلمات المشفرة في أغاني فرقة البيتلز الشهيرة تحتوي أدلة على وفاة بول مكارتني التي أشعلت جدل كبير في العالم انذاك ومازال صداها موجود الى اليوم في السوط الفني . حيث ادعى هؤلاء الناس أنهم سمعوا عبارة “بول مات” في “الاغنية الشهيرة حقول الفراولة إلى الأبد” بعدما قامو بتشغيلها بشكل عكسي ، وهي العملية المعروفة باسم التمويه الخلفي .
في السنوات الماضية على الفيسبوك الواتساب كانت تنشر مجموعة من الصور السخيفة وتتلقى ملايين الإعجابات والشير على سبيل المثال صورة تبين لك لفظ الجلالة في السحب أو في حبة طماطم او على بيضة والكارثة لا تمكن في غباء وجهل من نشرها للناس بقدر من صدقوها وتجدهم بالاف في منشور واحد يكتبون سبحان الله , ضف عليها صورة انتشرت بشكل مهول في السنوات الشعرين الماضية ولا شك أنكم مررتم بها وهي لفظ لا محمد لا مكة في شعار قنينة كوكاكولا من الخلف والتي في الاساس لا علاقة لها بالواقع ابدا , الغريب أنه تم تطبيق نفس اسلوب التمويه الخلفي في الاغاني التي يتم عكسها لاستخراج منها كلمات تدل على شيء المفترض أنه خارق او خطير ويدل على مؤامرة
ولذلك هناك الكثير من الأشياء والقصص الموجودة على الانترنت لاشخاص شاهدوا أشباح أو جن أو عفاريت ولكن من خلال حديث الشخص وطريقة سرده للقصة لا تحس أبدا بأنه يكذب وهذا صحيح هو لا يهذي ولا يختلق القصة بل من وجهة نظره حقيقة , غير أن تحليلها علميا يكون مختلف تماما كمرض الصرع مثلا الذي يعتقد الناس أنه سحر أو ضرب الجن للانسان في حين أنه مجرد مرض عصبي ويحدث حتى في الحيوانات , الخلاصة دماغنا يخدعنا بطرق غريبة لا يدركها وعينا وبالتالي ليس عليك دائما أن تصدق ما يخبرك به عقلك
مقالة مختارة لك فيلم The Martian : هل مستقبل الجنس البشري على المريخ ؟