قصة بدلي جيم جونز
في الثامن عشر من نوفمبر 1978، هزّ العالمَ حدثٌ مروعٌ ووغريب يعتبر من أكثر الأحداث إثارة للصدمة في التاريخ الحديث : انتحـ ار جماعي مفاجئ لأكثر من 900 انسان في معبد ديني يسمى معبد الشعوب المتواجد في غوايانا بأمريكا الجنوبية . قائد هذا المعبد والرجل المدبر للمذبحة هو جيم جونز ، زعيم ديني كاريزمي له قدرة عجيبة على التلاعب والخداع النفسي والتنويم , كانت هذه الحادثة التي اصبحت معروفة بـ “مذبحة جونزتاون” مأساة لم تشهدها البشرية من قبل خصوصا أن الوفاة لم تكن بسبب اختطاف او هجوم او حرب بل كانت تطوعا من قبل المتوفين حيث اخدوا السم وشربوه طمعا في دخول الجنة .

جيمس وارن جونز وُلد في 13 مايو 1931 في كريت، إنديانا، خلال الكساد الكبير . نشأ في أسرة فقيرة، مع والد معاق، جيمس ثورمان جونز، وأم عاملة، لينيتا جونز، مرت طفولة جيم بنوع من الإهمال ، مما زاد شعوره بالعزلة وشغفه بالدين . وُصف في طفولته بأنه ذكي ولكنه غريب الأطوار ، غالبًا ما كان يعظ أقرانه ويظهر اهتمامًا مبكرًا بالخطابة الدينية والعدالة الاجتماعية . متأثرًا بحماسة الخمسينية في ذلك الوقت ومستوحى من شخصيات مثل الأب ديفاين، وهو واعظ أمريكي من أصل أفريقي كاريزمي ، طوّر جونز رؤية لمجتمع متكامل عرقيًا وعادل اشبه نسبيا بفكرة المدينة الفاضلة لافلاطون .

في عام 1955، في سن الرابعة والعشرين، أسس معبد الشعوب في إنديانابوليس تحت اسم أجنحة الخلاص، ركزت كنيسته على التكامل العرقي والمساواة الاجتماعية وهي أفكار ثورية في أمريكا التي كانت انذاك في عز الانقسام والعنصرية . كانت خطب جونز الاولى عبارة مزيج بين اللاهوت المسيحي و الاشتراكية ، مما جذب له أتباعً من كل الاعراق غير أن النسبة الاكبر كانت من الأمريكيين من أصل أفريقي . بحلول عام 1960، انضم معبد الشعوب إلى طائفة تلاميذ المسيح، ورُسم جونز كقس ، مما أعطى منظمته شرعية قانونية . كان لجونز موهبة وهبة في خطابة كان شخص كاريزمي يستطيع التلاعب بالجماهير كما يتلاعب المهرج بالكرات الملونة ومه تركيزه على العدالة الاجتماعية التي تفتقدها امريكا انذاك نما معبده بشكل مخيف وكان اتباعه يزدادون كل يوم ، حيث بلغ عدد أعضائه المئات في سنواته الأولى وهو رقم مخيف لشخص صنع شبه ديانه جديدة .
مقالة أخرى : السلخ : أحد أسوأ أساليب التعذيب التي ابتكرها البشر عبر التاريخ

حتى يتغلغل الى قلوب الناس ويتسم بالحب والعطف تبنى هو وزوجته، مارسيلين، عدة أطفال من خلفيات عرقية مختلفة، مقدمين أنفسهم كنموذج للعائلة المتكاملة التي كان هو يعظ عنها . قدم معبده خدمات اجتماعية، مثل توزيع الطعام والملابس .لكن تحت ستار الإحسان، بدأت أساليب قيادة جونز تظهر نزعات استبدادية . شُجع الأعضاء على التبرع بممتلكاتهم ودخلهم للمعبد ، وطالب جونز بالولاء المطلق له . بحلول منتصف الستينيات، مع تزايد التدقيق والمراقبة من قبل الدولة في أساليبه المريبة ، أصبح جونز حذرا اكثر بشأن التهديدات الخارجية واهمها الحرب النووية بين المعسكر الشرقي والغربي التي كانت تسيطر على اخبار التلفاز والراديو والصحف . كان جونز يتنبأ بنهاية العالم الوشيكة ، فقام بنقل معبد الشعوب إلى ريدوود فالي، كاليفورنيا، في عام 1965 كون المنطقة آمنة من اي حرب نووية ليعش مع اتباعه في عزلة تامة عن العالم السيئ .
التوسع في كاليفورنيا وتصاعد الجدل

رغم الانعزال الا ان معبد جيم جونز نمى بشكل مخيف، حيث توسع عدد أعضائه من المئات إلى عشرات الآلاف بحلول أوائل السبعينيات . أسس جونز فروعً جديدة في سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، مستفيدًا من الحركات المضادة للثقافة في ذلك الوقت . كانت رسالته تحوم حول الانسجام العرقي ، معاداة الرأسمالية ، والعيش المشترك , الرسالة التي وصل صداها بسرعة لدى الشباب المثاليين ، الأقليات المحبطة، وأولئك الذين يبحثون عن هدف للحياة في حقبة تميزت بالحرب في فيتنام والعنصرية ونضالات الحقوق المدنية التي لم تهدأ . زرع جونز علاقات مع السياسيين المحليين، بما في ذلك عمدة سان فرانسيسكو جورج موسكون والحاكم المساعد ميرفين ديمالي، مما منح المعبد نفوذًا سياسيًا. نظم فعاليات واسعة النطاق، مثل الحفلات الموسيقية المجانية والتجمعات ، لجذب أتباع من طبقات مختلفة من المجتمع وإظهار تأثير المعبد لدى الغير المنتمين .
مقال أخر : صور لا تنسى لجنود أمريكيين خلال غزوهم للعراق وإسقاط صدام حسين

لكن خلف الستار ، أصبح معبد جونز اكثر استبداديًا مع اتباعه . حيث استخدم أساليب التلاعب النفسي، مثل جلسات الإذلال العامة المسماة “التطهير”، حيث أُجبر الأعضاء على الاعتراف بالذنوب أو مواجهة العقاب . صادر جوازات سفرهم ، وراقب اتصالاتهم الشخصية ، وطالب الأعضاء بالتوقيع على تنازلات عن ممتلكاتهم ، بما في ذلك منازلهم ومدخراتهم ، وكل ما يمتلكون لصالح المعبد . قام جونز أيضًا بتزييف حالات شفاء من امرض معدية بسبب الطاقة الالهية التي يمتلكها مثل عادة كل النصابين الدينيين حولنا الان .
بحلول عام 1977، كشفت تحقيقات إعلامية، خاصة من قبل مجلة *نيو ويست*، عن هذه الانتهاكات ، مما أدى إلى انشقاقات من المعبد . وخوفًا من أي ملاحقة قانونية وتحقيقات في الاحتيال الضريبي ، قرر جونز نقل أتباعه إلى موقع نائي بعيد جدا عن الحضارة والمدينة حيث يمكنه ممارسة السيطرة الكاملة بدون مراقبة اي احد . وخلال بحث معمق اختار غوايانا ، دولة صغيرة في أمريكا الجنوبية ذات حكومة تميل إلى الاشتراكية ومتعاطفة مع امثاله .

تأسيس جونزتاون: حلم يوتوبي تحول إلى كابوس
في عام 1974، استأجر جونز 3800 فدان من أراضي غابوية من حكومة غوايانا لإنشاء جماعة زراعية تُسمى مشروع معبد الشعوب الزراعي والذي سيعاد تسميته لاحقًا بـ جونزتاون . روّج لها كجنة اشتراكية خالية من العنصرية وعدم المساواة مثل اليوتوبيا ، كانت جيم جونز يهدف إلى أن تكون مجتمعً متكامل ومكتفيً ذاتيًا . بحلول عام 1977 انتقل جونز وما يقرب من 1000 من أتباعه إلى غوايانا .
فكرة الوعد بمجتمع يوتوبي شبيه بالجنة جذب الأعضاء المثاليين كما تجذب الازهار النحل ، العديد منهم كانوا أمريكيين من أصل أفريقي يسعون للجوء من العنصرية .لكن الحياة في جونزتاون كانت في بعيدة كل البعد عن المثالية والافكرا التي بنيت عليها . فقد عانت من نقص الغذاء، والظروف الاستوائية القاسية وعدم وجود مساكن للناس . ولكسب قوتهم عمل الأعضاء ساعات طويلة في الحقول ، تحت حراسة مسلحة ، وكانوا خاضعين لمراقبة مستمرة .

جونز اعتبر مزرعته الجديدة المكان المثالي الذي سيطبق فيه كل افكاره بل وسيحول هؤلاء الاتباع المغولي الدماغ الى دمى عرائس خاصة به ، كان جونز مهووس بالأدوية الموصوفة ، بما في ذلك الأمفيتامينات والمهدئات . وعليه أدخل ما عرف لاحقا ب “الليالي البيضاء”، وهي تدريبات وهمية على الانتحار حيث أُجبر الأعضاء على شرب سائل يُعتقد أنه سام ولكنه لم يكن كذلك كان هذا الاختبار فقط لجس نبض اعضائه ومعرفة مدة ولائهم له . هذه التدريبات الغريبة والمخيفة افقدت اتباعه الإحساسات بالخوف من فكرة الموت بل اكثر من ذلك الموت الجماعي ، وبالتالي تلك التدريبات اعدتهم نفسيا وطبختهم على نار هادئة للمأساة النهائية . كان جونز يستخدم مكبرات الصوت لبث افكاره الثورية والتحررية ليلًا ونهارًا ، وكان يركز اكثر على ما التهديدات الخارجية من الحكومة الأمريكية والمنشقين عن معبده .
تمت معاقبة المعارضة بعقوبات شديدة، بما في ذلك الحبس في صندوق صغير يُعرف باسم “الصندوق الساخن” أو الضرب العلني. تم فصل العائلات، وتُربى الأطفال بشكل مشترك لإضعاف الولاءات الشخصية. على الرغم من هذه المصاعب، ظل بعض الأعضاء مخلصين لجونز، مؤمنين بأنه منقذهم في عالم معادٍ . عزلة جونزتاون، إلى جانب سيطرة جونز على المعلومات، خلقت سجنًا نفسيًا جعل الهروب يبدو مستحيلًا. ومن هذ المنطلق لخص كارل ماركس مقولته الشهيرة الدين أفيون الشعوب
الحافز: زيارة النائب ليو رايان

بحلول عام 1978، تسربت تقارير عن انتهاكات جسيمة في جونزتاون ووصلت الولايات المتحدة ، سبب هذا الامر ذعر عائلات لهم اتباع في المعبد . مجموعة من الناس منهم اعضاء سابقين في معبد جونز تُسمى الأقارب المهتمون ، قامو بقيادة حملة للتحقيق في كل تلك الاخبار . وفي نوفمبر 1978، ليو رايان النائب في الكونغرس عن كاليفورنيا، المعروف بدعمه لحقوق الإنسان ، قرر زيارة جونزتاون للتحقيق في مزاعم العمل القسري ، الحبس، وإساءة معاملة الأطفال . رافق رايان وفد يضم صحفيين، مساعدين، وأقارب أعضاء المعبد ، وصل إلى غوايانا في 14 نوفمبر .
في البداية، رحب جونز بالمجموعة ، ونظم لهم استقبال احتفالي للايصال فكرة ان جونزتاون هي مجتمع سعيد ومزدهر . لكن و خلال الزيارة ، وبشكل سري قام بعض من الاعضاء بتسريب ملاحظات إلى فريق رايان تظهر تشرح المعاناة التي يعيشونها واظهروا رغبتهم في الانشقاق والهروب معهم . وبالفعل في 18 نوفمبر، بينما كان رايان يستعد للمغادرة ومعه 15 منشقً من اتباع المعبد، بدأت الامور تأخذ منحى خطير .

في مهبط طائرات بورت كايتوما، على بعد حوالي 9 كيلومترات من جونزتاون، أرسل جونز حراسًا مسلحين لنصب كمين لمجموعة رايان . اطلق المهاجمون النار، مما ادى عن مقتل رايان ، وثلاثة صحفيين (بما في ذلك دون هاريس من شبكة إن بي سي)، واحد الاتباع المنشقين ، وإصيب 11 آخرين . كان هذا الاغتيال نقطة تحول مفصلية بالنسبة لجونز ، الذي عرف أن قتل نائب في الكونغرس قد يكون السبب في الاطاحة به ومعبده . وخطوة اخيرة دعا جونز أتباعه للتجمع لما سماه “ليلة بيضاء” نهائية . وفي تسجيل صوتي مدته 44 دقيقة سمي ب “شريط الموت”، أعلن جونز أن مجتمعهم تحت الهجوم وأن الطريقة الوحيدة للحفاظ على كرامتهم هي من خلال “انتحار ثوري” كاحتجاج ضد الرأسمالية والقمع ، وحث أتباعه على الموت برغبة .
الانتحار الجماعي: يوم من الرعب

في مساء 18 نوفمبر 1978، جمع جونز السكان في جونزتاون . تم إعداد أوعية كبيرة من نكهة العنب الممزوجة بسم السيانيد، الفاليوم، وكلورال هيدرات . أمر جونز الآباء بإعطاء السم لأطفالهم أولاً ، باستخدام الحقن لتوزيع الخليط في أفواه الرضع . ثم اصطف البالغون لشرب السم . وفي حين شرب البعض السم عن اقتناع وايمان بأفكار جونز شربه البعض مجبرين تحت التهديد من قبل الحراس المسلحين .مع بدء تأثير السم وانتشاره في اجسام الاتباع ملأت الصرخات والبكاء اجواء المزرعة في مشهد اشبه بفيلم رعب حقيقي وفي دقائق ما حدث قد حدث وتوفي أكثر من 913 شخص بما في ذلك 276 طفلًا، وكانت جثثهم متناثرة ومنتشرة في كل مكان بشكل مفزع . وُجد جونز وهو مصاب برصاصة في رأسه ، يعتقد أنه عرف مصيره النهائي فقرر الانتحار هو ايضا، في حين يدعي البعض أنه قُتل على يد أحد الموالين له . من هذه المذبحة المروعة نجا أربعة أشخاص فقط ، وهما عجوزين شائت الاقدار ان يكونا نائمين اثاء هذا الحدث الانتحاري ، واثنان آخران اختبآ في الغابة .

كان حجم المأساة مرعب لم يشهده تاريخ الانسان طوال تاريخه الحديث . عندما وصلت السلطات الغويانية والأمريكية ، واجهوا مشهدًا مروعًا متكامل الاركان من الرعب الحقيقي : صفوف من الجثث، العديد منها متعانقين اشبه بالعناق الاخير تتحللت الجثث بسرعة بسبب حرارة غوايانا الاستوائية . هذا تنويه ظروري بسبب حساسية الموضوع والصور لن اعرضها في الفيديو بل سأضعها في مقالة أسفل الفيديو في الوصف لكن تلك المشاهد قد تضل عالقة في أراهنكم لذلك
تحديد وإعادة الجثث الى الولايات المتحدة الامريكية كانت صعبة جدا ، لذلك تُركت العديد منها دون تحديد بسبب نقص السجلات والمعلومات . انتشر خبر الحادثة في العالم بسرعة البرق وسبب صدمة كبيرة كون التاريخ الانساني لم يشهد عملية انتحار جماعي بهذا الشكل . تم تقييم وتقييد القوانين التي تحكم المنظمات الدينية والطوائف سواء في امريكا او في الكثير من الدول التي تأثرت بهذه الحادثة . وبسرعة دخل مصطلح “شرب الكول إيد”، للمعجم الشعبي في امريكا كاستعارة للطاعة العمياء مثل في أغنية ايس كيوب كول ايد . واجه الناجون واقارب المتوفين صدمة نفسية وواجهوا صعوبة لإعادة الاندماج في المجتمع . حللت الدراسات الأكاديمية، مثل تلك التي أجراها عالم الاجتماع جون ر. هال في *ذهب من الأرض الموعودة* (1987)، حادثة جونزتاون من البداية للنهاية ، حيث تم تأليف حولها كتب ومقالات علمية وافلام بلا عدد ومازالت الى اليوم تدرس باعتباره مثال حي لكيفية السيطرة على العقل البشري .

اساء العلماء استخدام العلم فصنعوا لنا الاسلحة الفتاكة والامراض البيولوجية وتجارب لا اخلاقية وما لا يعد ولا يحصى من الكوارث واساء الانسان استخدام بعض الاديان فصنعوا لنا افكار متخلفة ومتطرفة والتي صنعت لنا بالضرورة شعوب متخلفة يعشش فيها التطرف والارهاب القتل فيها من اساسيات دخول الجنة , اولائك الناس الذين شربوا السم هم بشر مثلهم مثل غيرهم لا يختلفون الاختلاف الوحيد انهم امريكيون واذا اردنا اسقاط نفس ما فعله جيم جونز على العالم العربي وحتى الاسلامي سنجد بأن نفس الحادثة موجودة بشكل مشابه فالداعشي الذي يفجر نفسه وسط المسلمين الابرياء طمعا في الجنة لا يختلف عن شارب السم الفرق الوحيد ان من شرب السم يموت لوحده اما الداعشي فيموت ويقتل معه عشرات الابرياء , فمقابل جيم جونز هناك الالاف مثله كابو بكر البغدادي ومصعب الزرقاوي ونتنياهو وزعماء الجماعات الارهابية التي تقوم بغسيل دماغ الانسان , مستغلين الجهل المستشري خصوصا الجهل بالدين فيصبح التكفير وازهاق الدم والاغتيال والانتحار هو الطرق لدخول جنة الخلد

الجهل يجعل الانسآن عدو نفسه قبل ان يكون عدو لغيره . لذلك يقول الحكيم الفارسي بزرجمهر الجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديقا لغيره؟ وكما استغل جيم اتباعه للسيطرة على على عقولهم واكتساب طاعتهم المطلقة من خلال افكار دينية , منحرفة كذلك الحال مع الجماعات الدينية بل وحتى الحكومات فحين تجد سياسي فاسد يتكلم بما قال الله وقال الرسول ويتلو ما تيسر من ايات واحاديث في الحملة الانتخابية ليس لانه يؤمن بها بل لانها الطعم الذي يلقيه للشعب ليصطاد الاصوات الانتخابية فالصياد لا يحب الدود ولكن لان السمك يحبه
المزيد من الصور



