صورة تبدو وكأنها قادمة من الجحيم ، مخلوق لا هو حيوان ولا هو إنسان ولكنه أقرب للبشر في شكله ، رأسه أبيض اللون جسده اسود اللون أقدامه وكأنها اقدام قردة البابون بدون شعر ، خلفه على ما يبدو مدينة مدمرة أكلتها النيران ولم يبقى منها الرماد وكأنه الناجي الوحيد منها أو هو الذي سبب ذلك الدمار وراح يمشي مبتعدا ، صورة يبدو أن من رسمها مات وعاد من العالم السفلي ، ولكن الحقيقة هي لوحة من تخيلات راودت الرسام البولندي جيزلاف بيكشينسكي : الرجل الذي حول كوابيسه للوحات فنية والذي يسمى ب فنان الكوابيس ولكن الأغرب في كل شيء هي طريقة وفاته ، لكن ما هي قصة هذا الرسام ولماذا رسم هذه اللوحة وغيرها الكثير من اللوحات التي إذا شاهدتها لم تنام بخير الليلة
ولادة وطفولة جيزلاف بيكشينسكي
ولد جيزلاف بيكشينسكي : الرجل الذي حول كوابيسه للوحات فنية Zdzisław Beksiński في 24 فبراير 1929 ، في سانوك ، جنوب بولندا . في عام 1955 أنهى الهندسة المعمارية في جامعة كراكوف وبعد فترة وجيزة من الانتهاء وعاد إلى مسقط رأسه حيث بدأ العمل كمشرف على موقع البناء وكان في الحقيقة يكره هذا العمل ، و في كثير من الأحيان كان يعمل في تصميم هياكل الحافلات والحافلات الصغيرة .
كان بيكشينسكي يعشق التصوير الفوتوغرافي و المونتاج والنحت والرسم . خلال الستينيات تأثر بيكشينسكي بالسريالية عندما بدأ Zdzisław Beksiński في إنشاء أعماله الفنية منها المنحوتات ، استخدم مواد كالجص والمعادن والأسلاك والتي جلبها من موقع البناء الخاصة ، في حين استعمل زخرفات غريبةفي التصوير الفوتوغرافي
انمي : أكثر 5 انميات درا للارباح عبر التاريخ
لكن كان بيكشينسكي يحس أنه يمضي في الطريق الخاطئ كان يحس أن مكانه ورحه تنجذب للرسم أصيب بخيبة أمل كبيرة بسبب أن التصوير الفوتوغرافي والنحت كانا يقيدان خياله ومهارته كفنان ، فتخلى عنها في أوائل الستينيات ، ليبدأ حكايته مع الرسم بشغف ، كان يركز في رسوماته على استعمال الطلاء الزيتي على الألواح الليفية التي كان يصنعها بنفسه .
1964 كانت السنة التي تغير فيها كل شيء ، قام بعرض أعماله التي رسمها في معرض فردي غير رسمي في وارسو والمفاجأة التي لم يتوقعها بيعت بالكامل ؛ لكن الغريب هو أنه بعدها بثلاث سنوات اي سنة 1967 طرد من وظيفته في مصنع الحافلات . كان غريبا على من شاهدو لوحاته أن يسمعوا أت جيزلاف بيكشينسكي لم يتلق تدريبًا رسميًا كفنان ، لقب الشخصية الرائدة في الفن البولندي المعاصر آنذاك ، وهو أمر مهم جدًا فيما يتعلق بكون بولندا الدولة الشيوعية في ذلك الوقت. شهدت ما يسمى بمرحلة الفترة الرائعة ذروة إنتاجه وخُنقت مؤلفاته حتى النخاع بالرعب والاشمئزاز
لوحات تعكس الكوابيس والحزن
كان Beksiński كفنان مفتونً بالموت والظلام والحزن والانحلال ، اي شيء مغيير للسعادة ، وأغرب ما كان يميزه عن اي فنان أخر عبر التاريخ هو أنه كان يرفض بشدة مناقشة لوحاته موضوعاته بل لدرجة أنه لم يعطي أي عنوان لاي لوحة من أعماله ،
فاذا ذهبت للمعرض الموجود في بولندا سنجد أن كل أعماله مكتوب تحتها انتيتلد اي بدون عنوان بل والكثير منها لا يحمل حتى تواريخ الإنشاء مبكرا توقع جيزلاف بيكشينسكي تصوره للوحات ستأتي في مستقبلا ، تلك اللوحات والتي في غالبًها تصور مشاهد مشبعة بالعواطف السلبية ومناظر طبيعية مشوهة ومقفرة وكأنها من عالم اخر غير هذا العالم وأجسادًا بشرية وغير بشرية مشوهة ، كانت غالبية هذه الاجساد تمتلك وجوهًا تم مسحها أو حجبها بواسطة الضمادات تماما كشخصية الديب ويب سلنردمان . وفي بعض الأحيان كانت لوحاته تعبر عن مواضيع سادية مازوخية بشكل لافت للإنتباه بدون أن يعلم اي أحد لماذا فعل ذلك .
مع نهاية الستينيات والى غاية منتصف الثمانينيات ازدادت شعبية بجنسكي وعرضت لوحاته في فرنسا واليابان وأمريكا وهو بنفسه سمى تلك الحقبة الزمنية ب ” الفترة الرائعة ” ، لكن كان جيزلاف يخطط لقلب الطاولة وتغيير أسلوبه
في أواخر الستينيات ، دخل Beksiński ما أسماه هو نفسه “الفترة الرائعة” ، والتي استمرت حتى منتصف الثمانينيات . خلال تلك الفترة رسم لوحات مزعجة مخيفة ومزعجة للغاية ، تظهر بيئات قاتمة ظلامية جهنمية وسريالية مع مشاهد مفصلة بدقة للموت والانحلال والكئابة والخوف . و شخصيات مرعبة مزعجة وهندسة معمارية قاتمة بالاضافة الى ابتكره عددًا من الرسومات السادية المازوخية ورغم الشهرة التي حازها الا أنه لم يحظر ولا مرة لمعارض أعماله الفنية كان هذا دائما يطرح تساؤلات كبيرة
المناظر الطبيعية الكابوسية المرعبة المليئة بهياكل عظمية بشرية مرسومة بدقة كبيرة وشخصيات بشرية وحيوانية مشوهة أصبحت هي العلامة التجرية المميزة للفنات البولندي Beksiński .
جيزلاف بيكشينسكي فنان فريد من نوعه
دفع حبه الشديد بالموضوعات التي يخافها الجميع ويتحسس منها مثل الموت والانحلال والظلام إلى مهمة التعمق في النفس البشرية . تعامل الفنان مع الإثارة الجنسية والتجريدية والتصوف الشرقي ، كانت الطريقة التعبيرية لرسوماته تشير الى أن هذا الشخص وكأنه يعاني من مرض نفسي أو اكتئاب حاد أو نظرة مختلفة قاتمة للحياة بكل المقاييس ، لكن الغريب أنه كان شخصًا لطيفًا جدا يستمتع بالمحادثة ويتمتع بحس فكاهي شديد . كان دائما يوصف على انه انسان متواضع وخجول وعاشق للموسيقى
في السبعينيات تغيرت طريقة جيزلاف بيكشينسكي في الرسم حيث بدأ الرسم بالزيوت على الماسونيت وسماها بالقوطية . فقد كان بارعا في التلاعب بتأثير الضوء . الامر الذي جعل لوحاته مليئة بالتناقضات و التشويق والغموض . كان يمزج طبقات اللون باستمرار ينشرها بشكل متشابه مثل إيقاعات معزوفة موسيقية , كان يركز أكثر الصور الضخمة فيها الكثير من الصلبان . و رؤوسًا مشوهة وشخصيات أقل شبيهة بالحلم
وبشكل عام أصبحت اللوحات أقل تمثيلية وأصبحت شبه مجردة في طبيعتها. مع التقدم التكنولوجي في التسعينيات . اكتشف Beksiński أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والتصوير الرقمي والتلاعب بالصور . وهي وسيلة ركز عليها حتى وفاته. مع هؤلاء . واصل Zdzisław Beksiński سلالة الواقعية الخيالية ، لكنه لم يسمح أبدًا للتكنولوجيا بأن تقف في طريق ما يحاول نقله بشكل خلاق .
يبقى السؤال ما الذي دفع جيزلاف بيكشينسكي الى رسم هذه المشاهد المروعة “ما هي الأفكار الرهيبة التي دفعتك لرسم ذلك؟”
طفولة قاسية ومرعبة
قال البعض بأن الامر قد يكون راجع لطفولة جيزلاف خصوصا أنه ولد ونشأ في فترة الحرب العالمية وحيدا بدون أخوة في عالم يملأ الموت والحرب والقنابل والجثث . وقد يكون في تلك الفترة لاحقته الهواجس والكوابيس وهو طفل ، وكان لصور قتلى الحرب تأثير قوي على عقله الباطن . كان العالم ديستوبيا .
ولمن شاهد الصور المروعة والمفزعة لقتلى الحرب العالمية وبالتحديد قتلى الهولوكوست التي فيها الجثث تحولت لهياكل عظمية وهي حية . سيرى فعلا أن بعض من رسوماته تجسد تلك الصور ،.ستجدون رابط في الوصف فيه كل تلك الصور لا تشاهدها اذا كان قلبك ضعيف أو حساس جدا .
في مقابلة له ، سأل النقاد : “هل أنت في عذاب ؟ هل أنت مكتئب ؟” فكان يرد عليهم باستمرار “لا”. ادعى بيكشينسكي أن أعماله أسيء فهمها ؛ و ادعى أنه هو نفسه لم يكن يعرف معنى أعماله الفنية ولم يكن مهتمًا بالتفسيرات .
ضل المحاورون الذين يجلسون معه طلب شرح المعنى الكامن وراء صوره . فقد كان من الغير المفهوم والمنطقي بالنسبة لهم أن تكون كل هذه اللوحات العميقة بدون أي سبب أو هدف . كان جيزلاف بيكشينسكي دائما يصمت ردا على هذا الجواب . و يقترح أن يقدر الناس الناس جمالية ما أعطاهم بدل الغوص في محاولة فهم وتفسير معانيها العاطفية والنفسية .
سنة 1997 وفي مقابلة له على موقع Symbolism ، قال بيكشينسكي . “عندما أقوم بالرسم تظهر ارتباطات بسيطة . تتعارض ارتباطات العديد من المواضيع مع بعضها البعض ، مما يؤدي إلى تكوين سياق واضح … “
“… كل الآراء التي زعم أنني أرسمها من الأحلام تأتي من الصحفيين . في حياتي . ربما حاولت أن أرسم حلمًا واحدًا – جزء من حلم في شبابي المبكر. لكنني لم أستخدم الأحلام أبدًا . ولا أتساءل أبدًا لماذا أرسم طائرًا جالسًا على كتف شخص ما . يمكن أن يحدث ذلك بشكل عفوي . تمامًا كما في الحلم ، أنا فقط أصنعه بسيطًا تمامًا . إذا كان مناسبًا ، اتركه هناك … “
“… لا أتساءل أبدًا لماذا خطت رقم 28 أو 2 على لوحة . لقد صنعت الكثير منها . هذا لا يعني شيئًا .”
قام جيزلاف برم أكثر من 300 لوحة غالبيتها على هذا الشكل كلها تبين العالم الديستوبي . و كلمة ديستوبيا هي المعاكس لكلمة يوتيوبيا أو المدينة الفاضلة المليئة بالحب والخير والفضيلة . “ديستوبيا” تعني باللغة اليونانية المكان الخبيث وهي “المدينة الفاسدة” . عالم وهمي يحكمه الشر ولا أثر فيه للخير ،يميزه الخراب ، والقتل والقمع والفقر والمرض . وهذا ما يتهيأ لك حين تشاهد وتتأمل رسومات جيزلاف بيكشينسكي .
كان جيزلاف يعيش مع زوجته زوفيا وابنهما توماش في وارسو التي انتقلو اليها عام 1977. كان الفنان مخلصًا لعمله أثناء أوقات الفراغ واستمتع بالموسيقى والأفلام ولم يكن كثيرًا من المسافرين ولا من المجتمعين .
نهاية جيزلاف بيكشينسكي المأساوية
مع نهاية التسعينيات كان جيزلاف بيكشينسكي مع واحد من اسوأ الاحداث التي ستمر في حياته . حيث توفيت زوجته زوفيا في عام 1998 بالسرطان . بعد عام بالضبط عشية عيد الميلاد . انتحر ابنه توماش وكان بيكسينسكي هو من عثر على الجثة . كان قبله محطم و لم يكن قادرًا على التعامل مع هذه الأحداث لصعوبتها واثرها الشديد على نفسيته وهدا شيء متوقع .
كان الخبر الصادم هو في 21 فبراير 2005 . حيث تم العثور على Beksiński ميتًا غارقا في دمائه مع 17 طعنة في جسده في شقته في وارسو . بعد تحقيقات الشرطة تبين أنه قُتل على يد روبرت كوبيك مراهق يبلغ من العمر 19 عامًا . ولسخرية القدر فقد كان ابن عاملة النظافة التي تنظف منزله وأحد أصدقاء ابنه . اعترف القاتل المراهق روبرت بأنه طلب من Beksiński إقراضه 100 دولار. ولكن بيكشينسكي رفض فأرداه قتيلا ب 17 طعنة
في بولندا وبالتحديد في سانوك . يقع المتحف التاريخي في القلعة الملكية . وهو الآن مستودع لعدة آلاف من أعمال جيزلاف بيكشينسكي . بما في ذلك الصور الفوتوغرافية والرسومات واللوحات . حيث قام الفنان بتوريث جميع أعماله لمدينة سانوك البولندية . في عام 2012 . تم افتتاح معرض جديد لـ Zdzislaw Beksiński في الجناح الجنوبي للقلعة . جنبًا إلى جنب مع إعادة بناء ورشته في وارسو . اليوم ، يعد المتحف التاريخي في سانوك المالك الحصري لحقوق التأليف والنشر لأعمال Zdzisław Beksiński. أيضا يوجد معارض لأعماله في كراكوف ، وبوزنان ، ومتحف جوتيبورج للفنون في السويد
ألهمت لوحات جيزلاف الكثير من المخرجين ومطوري الاعاب وحتى الموسيقيين منها فيلم Parasomnia للمخرج ويليام مالون (2008) .وعام 2016 صدر الفيلم الروائي The Last Family وهو سيرة ذاتية تركز على حياة عائلة Beksiński . وكانت لوحة شهيرة بدون اسم لبجنسكي ملهمة لمؤلف فيلم The Empty Man لعام 2020 . وفي ألعاب الفيديو استعملت لوحات جيزلاف في لعبة Lust for Darkness ،ايضا ألهمت لوحاته في تطوير لهبة The Medium وايضا لعب Vomitoreum ولعبة الفيديو القادمة Scorn