تعتبر معدلات الانتحار مؤشراً مهماً على الصحة النفسية والاجتماعية لأي دولة. حيث ترتبط بشكل وثيق بمستوى جودة الحياة والرفاه النفسي والاجتماعي للأفراد. وعلى الرغم من الجهود المبذولة عالميًا لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أن الانتحار لا يزال يمثل مشكلة صحية كبيرة، خاصة في الدول التي تعاني من معدلات انتحار مرتفعة. في هذا المقال، سنتعرف على بعض الدول التي تسجل أعلى معدلات الانتحار في العالم. ونحاول استكشاف الأسباب الرئيسية التي تدفع الأفراد للإقدام على الانتحار. إلى جانب العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على هذه المعدلات.
1. ليتوانيا
تُعد ليتوانيا من الدول الأوروبية التي تسجل واحدة من أعلى معدلات الانتحار في العالم. تتفاوت معدلات الانتحار في ليتوانيا بناءً على الجنس، حيث إن النسبة بين الرجال تعتبر أعلى بكثير منها بين النساء. ويرجع ذلك إلى العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية التي تدفع الرجال إلى الانعزال عند مواجهة الضغوط.
أحد أبرز العوامل المؤثرة في معدل الانتحار المرتفع في ليتوانيا هو التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد خلال مرحلة التحول من الاقتصاد السوفييتي إلى الاقتصاد السوقي الحر في بداية التسعينيات. أثرت هذه التغيرات على النسيج الاجتماعي للبلاد، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الضغوط الاقتصادية والنفسية. وعلى الرغم من التحسن الاقتصادي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة. إلا أن آثار هذه المرحلة الانتقالية لا تزال تلقي بظلالها على الصحة النفسية للمواطنين، مما يجعل الاكتئاب والإدمان من المشكلات الشائعة.
2. كوريا الجنوبية
تسجل كوريا الجنوبية معدلات انتحار مرتفعة، وتعتبر من أعلى الدول في معدلات انتحار كبار السن في العالم. هذا الأمر يرتبط بعدة عوامل، أبرزها الضغوط الاجتماعية العالية التي يتعرض لها الأفراد. خاصةً في مجال التعليم والعمل. يُعتبر النظام التعليمي في كوريا الجنوبية من بين الأكثر تنافسية وصعوبة في العالم. حيث يتحمل الطلاب ضغوطاً نفسية كبيرة لتحقيق نتائج عالية تضمن لهم فرص عمل مرموقة.
وبالنسبة للفئات العمرية الأكبر سنًا، فهناك ظاهرة اجتماعية تعرف باسم “ثقافة الخزي”. حيث يشعر المسنون الذين لا يتمكنون من توفير الدعم المالي لعائلاتهم أو يعيشون حياة متواضعة بالخزي الاجتماعي. ونتيجة لذلك، يشعر العديد من كبار السن في كوريا الجنوبية بالوحدة والعزلة. ويميلون إلى التفكير في الانتحار كوسيلة للهروب من هذه المشاعر السلبية.
3. روسيا
تسجل روسيا معدلات انتحار مرتفعة منذ عقود، ويعود ذلك إلى عدة عوامل معقدة. أحد أبرز الأسباب هو الانتشار الواسع للإدمان على الكحول، حيث يُعتبر الإدمان على الكحول عامل خطر قوي يزيد من احتمالية السلوك الانتحاري، خاصة في المناطق الريفية والبعيدة التي تفتقر إلى الدعم النفسي والاجتماعي.
علاوة على ذلك، تمر روسيا بأزمات اقتصادية واجتماعية مستمرة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتفاقم الضغط النفسي على الأفراد. تشير الدراسات إلى أن العديد من حالات الانتحار في روسيا مرتبطة بمشاعر الاكتئاب واليأس، خاصة بين الرجال الذين يعانون من مشكلات في العمل أو الحياة الأسرية.
4. اليابان
تُعد اليابان من الدول ذات معدلات الانتحار المرتفعة، وهي ظاهرة لها جذور ثقافية تعود إلى التقاليد اليابانية التي تقدر الشرف والانضباط الشخصي. وفي حالات معينة، يرتبط الانتحار في اليابان بمفهوم “الهاراكيري”، وهو مفهوم تاريخي يعبر عن التضحية بالنفس كوسيلة للحفاظ على الكرامة. ورغم أن هذه التقاليد لم تعد شائعة في الحياة المعاصرة، إلا أن أثرها الثقافي لا يزال ينعكس على المجتمع الياباني.
يضاف إلى ذلك الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالتنافسية الشديدة في العمل والدراسة. يشعر الكثيرون، خاصة من الشباب، بعدم القدرة على تلبية التوقعات الاجتماعية العالية. وقد أصبحت اليابان تشهد حالات انتحار بين الطلاب والموظفين الذين يعانون من الإرهاق أو يشعرون بالفشل في تلبية التوقعات. يُعتبر الإنتحار الناتج عن ضغوط العمل شائعاً، لدرجة أن هناك مصطلحاً خاصاً في اليابان لهذا النوع من الانتحار، وهو “كاروشي”.
5. غيانا
تُعد غيانا من الدول التي تسجل معدلات انتحار مرتفعة، ويعود ذلك إلى عدة عوامل منها المشاكل الاقتصادية وتدني مستويات التعليم والصحة العامة. يتميز المجتمع في غيانا بمستويات عالية من العنف الأسري والتفكك الأسري، مما يزيد من مشاعر العزلة والاكتئاب بين الأفراد، خاصة في المناطق الريفية.
إلى جانب ذلك، تعاني البلاد من نقص في الخدمات الصحية والنفسية، مما يحد من قدرة الأفراد على الحصول على الدعم اللازم. ويُعتبر الوصول إلى الأدوية النفسية والعلاج النفسي صعباً بالنسبة للكثيرين، مما يجعل حالات الاكتئاب والتوتر تتحول إلى سلوكيات انتحارية.
6. أوكرانيا
أوكرانيا هي واحدة من الدول التي تشهد معدلات انتحار مرتفعة في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ انفصالها عن الاتحاد السوفييتي. الأحداث المتلاحقة، مثل النزاعات العسكرية مع روسيا والتوترات السياسية، أثرت بشكل كبير على الصحة النفسية للسكان.
علاوة على ذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع معدلات البطالة تزيد من حدة التوتر والاكتئاب بين المواطنين، مما يرفع معدلات الإنتحار، خاصة بين الفئات العمرية الشابة التي تجد نفسها غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية أو تحقيق طموحاتها.
7. سريلانكا
تعد سريلانكا من الدول التي تسجل معدلات انتحار مرتفعة، خاصة في المناطق الريفية. ترتبط هذه الظاهرة بالفقر وانتشار البطالة وعدم توفر الموارد الكافية للتعليم والصحة. يعاني العديد من المواطنين في سريلانكا من مشكلات نفسية واجتماعية نتيجة الظروف الاقتصادية المتدهورة، مما يزيد من نسبة الاكتئاب ويؤدي إلى زيادة حالات الانتحار.
تشير الدراسات إلى أن العديد من حالات الانتحار في سريلانكا ترتبط باستخدام المبيدات الحشرية، حيث يستخدم البعض هذه المواد في محاولات الإنتحار نظرًا لسهولة الحصول عليها. وقد بدأت الحكومة باتخاذ إجراءات للحد من وصول المواطنين إلى هذه المواد في محاولة للحد من معدلات الانتحار.
8. الهند
تسجل الهند معدلات انتحار عالية، وتعتبر من أعلى الدول في العالم في حالات الإنتحار بين الشباب والنساء. ويعود ذلك إلى عدة عوامل منها التوترات الاجتماعية الناتجة عن الفقر وعدم المساواة والضغوط العائلية.
العديد من حالات الانتحار بين النساء مرتبط بالعنف الأسري وضغوط الزواج المبكر والزواج القسري، في حين يعاني الشباب من ضغوط اجتماعية قوية تتعلق بالعمل والتعليم والزواج. تعد الهند أيضًا من الدول التي سجلت معدلات انتحار مرتفعة بين المزارعين، حيث يعاني الكثير منهم من أزمات ديون وانخفاض أسعار المحاصيل، مما يدفعهم إلى التفكير في الانتحار.
خلاصة
يمثل الانتحار مشكلة عالمية تؤثر على جميع المجتمعات بغض النظر عن الثقافة أو المستوى الاقتصادي. إلا أن الأسباب التي تدفع الناس إلى الانتحار تختلف بين دولة وأخرى. نجد أن بعض الدول تعاني من ضغوط اقتصادية شديدة وأزمات سياسية، بينما تؤثر الثقافة والمعتقدات الاجتماعية على معدلات الانتحار في دول أخرى. ومن المؤسف أن معظم هذه الدول تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة للتعامل مع المشاكل النفسية، حيث أن نقص الموارد والخدمات الصحية والنفسية يعقد من قدرة الأفراد على الوصول إلى المساعدة المطلوبة.
الحلول المحتملة لهذه المشكلة تتطلب تعاونًا من الحكومات والمجتمعات على حد سواء، وذلك لتوفير الدعم النفسي المناسب والاهتمام بقضايا الصحة النفسية. كما يجب تعزيز الوعي حول كيفية التعامل مع الضغوط النفسية وتقديم الدعم للأفراد الذين يعانون من الاكتئاب أو الأفكار الانتحارية.