أفلام الكرتون في كل دولة غالبة ما تعكس ثقافتها وحضارتها مثل الانمي عموما في اليابان الكوميكس في امريكا , والكثير من الافلام الكرتون كبرنا معها بل وصنعت طفولتنا , لكن قبل يومين تصادفت مع مسألة تعرض بعض من أغرب الافلام الكرتونية الروسية القديمة , افلام لن تخيف الأطفال فقط ، بل حتى البالغين . كل شيء مختلف ومريب : من تدرج الألوان، وتعليقات الشخصيات وأشكالها ، ومشاهد مشبعة بالسريالية المشفرة وحتى الحبكة نفسها لم تكن تمتع أطفال الاتحاد السوفييتي قبل النوم بقدر ما كانت تسمع لهم الكوابيس . كانت العديد من افلام الكرتون السوفييتية ذات معنى عميق جدا بعيدة كل البعد عن الوعي البسيط للاطفال ، وقصصها تحمل الكثير من الرسائل الفلسفية والسياسية المستمدة من البيئة الشيوعية في ذلك الوقت حيث كان الفكر الشيوعي متوغلا في عقول الناس ومفاصل الدول
“Hedgehog in the Fog” (1975)
Hedgehog in the Fog هو فيلم رسوم متحركة سوفييتي يشبه تصورنا الأحلام او الكوابيس , الفيلم من إخراج يوري نورستين لعام 1975 ومدة 10 دقائق تقريبا ، يحكي قصة قنفذ صغير في رحلة لزيارة صديقه الدب الصغير ، لحضور طقوس شاي ليلية. وكجزء من تقاليدهم، يجتمع الصديقان لمشاهدة النجوم معًا أثناء شرب الشاي وعد الأبراج والنجوم . ومع ذلك، يتبين أن هذه الليلة بالذات مختلفة عن كل الليالي الأخرى.
تبدأ القصة بالقنفذ يتمشى وهو يحمل حزمة من الأعشاب المجففة المخصصة للشاي على مسار مألوف عبر الغابة . وعلى طول الطريق، يتعجب من جمال الليل ويمتلئ بإحساس هادئ . ومع ذلك، فإن فضوله يقوده إلى مغامرة مجهولة بعيدًا عن مساره . يصل القنفذ لمكان غريب ويجد نفسه محاصرا بضبابً كثيفً يحجب كل ما من حوله . يلاحظ القنفذ وجود حصان أبيض غريب داخل الضباب فيقوده الفضول الا الدخول لإلقاء نظرة خاطفة على ذلك الحصان .
بمجرد دخوله الضباب، يبدأ الواقع من حوله بالتحول . تكتسب الأشياء والمخلوقات العادية صفة من عالم آخر . يواجه حيوانات غريبة مختلفة، بما في ذلك بومة عملاقة، وسمكة تسبح في الضباب، وخفاش مخيف . تصبح البيئة المحيطه به أكثر قتامة، والشعور بالدهشة الذي انتابه في البداية تحول إلى قلق وخوف . الضباب يسبب له صعوبة في الرؤية ، ليصبح مشوشً التفكير ، وغير متأكد من مكانه أو كيفية العثور على طريق العودة .
قد يصعب على المرء ايجاد مغزى ومعنى لهذا الفيلم لكنه بكل بساطة يتحدث عن *Hedgehog in the Fog* كبيعة الفضول والخوف والمجهول ، والجمال الذي من الممكن ان نجده في الخروج من منطقة الراحة .
“The Glass Harmonica” (1968)
*الهارمونيكا الزجاجية* فيلم قصير مدته 20 دقيقة , هذا الفيلم لكي تحس به يجب ان تكمون في غرفتك لوحدك وتطفئ كل الانوار حتى تركز في كل لقطة ولحن ,
الفيلم فريد من نوعه وسريالي الى اقصى درجة , أخرجه أندريه خرزانوفسكي عام 1968. يُعرف الفيلم بنهجه الطليعي والتجريدي بل ويُعتبر من قبل النقاد على انه أحد أكثر أفلام الرسوم المتحركة السوفيتية غرابة وجرأة . تركز القصة على قوة الفن والموسيقى كقوى تحويلية في عالم فاسد بسبب المادية والجشع ، ويقدم قصة رمزية مظلمة تكاد تكون كابوسية وسوداء عن المجتمع السوفيتيي انذاك .
تدور أحداث الفيلم في مدينة كئيبة وموحشة يسكنها شخصيات غريبة ومشوهة , تلك الشخصيات تمثل أسوأ صفات البشرية: الجشع والأنانية والفساد الكراهية … هذه الشخصيات مستعبدة للمادية، وكل ما يهمها هو الثروة والسلطة فقط . تتميز حياة الشخصيات بأنشطة روتينية فارغة، مما يجعلهم يبدون بشر مجوفين وشبه آلات لا شعور ولا احساس لها .
في وسط هذه البيئة الكئيبة ، يصل موسيقي غامض إلى البلدة ومعه هارمونيكا زجاجية ، وهي آلة أثيرية قادرة على إنتاج أصوات ساحرة وخارقة للطبيعة . موسيقى الهارمونيكا الزجاجية لها تأثير عميق على أرواح الناس، حيث تحرك بداخلهم مشاعر التعاطف واللطف والجمال المدفونة . وبينما يعزف طلك الموسيقي ، تبدأ الالحان في رفع معنويات سكان البلدة، وتحريرهم من قبضة المادية المتوحشة وتحويلهم مرة أخرى إلى بشر نابضين بالحياة ومتعاطفين مع بعضهم .
لكن الطبقة الحاكمة، المتمثلة في المسؤولين الفاسدين والنخب الغنية الارستقراطية ، ترى في الهارمونيكا تهديدً وجودي لهم ولمصالحهم . اصبحوا مرعوبين من قدرة الموسيقي على تغيير قلوب الناس , وبالتالي قرروا إسكاته للابد للحفاظ على سيطرتهم . وفي مواجهة حاسمة، يدمرون الهارمونيكا الزجاجية ويطردون الموسيقي من بلدتهم ، ويعيدون ترسيخ سلطتهم الاستعبادية على الناس . بعد حرمانهم من موسيقى الهارمونيكا، يعود أهل البلدة إلى حالتهم السابقة من اللامبالاة والجشع والظلم ، ويجدون أنفسهم محاصرين مرة أخرى في حياة بلا معنى ولا احاسيس .
اثناء مشاهدتك وتحليلك للفيلم ستجد بأن البطل هو *الهارمونيكا الزجاجية* والتي تمثل نقد قوي للحياة والافكار المادية والتي بالمناسبة تقوم عليها الشيوعية فكل شيوعي ملحد مادي واهم الاسس التي تبنى عليها الشيوعية هي نبذ الدين وتبني المادية ، يُظهِر الفيلم كيف يمكن للسعي وراء الثروة والسلطة أن يجرد البشرية من روحها وإنسانيتها . ترمز الهارمونيكا الزجاجية إلى جمال ونقاء الفن ، الذي لديه القدرة على إيقاظ الصفات الخيرة لدى الناس . في حين قرار النخبة بتدمير الهارمونيكا كان يرمز لكيفية قمع السلطة الدكتاتورية للفن والإبداع لاحكام سيطرتها على المجتمعات .
ما ستلاحظونه في الفيلم هو أسلوب الرسوم , تم رسم الرواية من خلال الوان داكنة وصور سريالية بتصميمات مشوهة للشخصيات لايصال فكرة التأثير الخبيث للمادية على الروح الانسانية . بسبب رسالته العميقة تم حظر الفيلم في الاتحاد السوفييتي لعدة سنوات
“Big Toll” 1980
Big Toll هو فيلم كرتوني إستوني من الحقبة السوفييتية تم اصداره عام 1980 ومدته 14 دقيقة , الفيلم من إخراج راين رامات ويستند إلى الفولكلور الإستوني وكملاحظة الموسيقى المصاحبة للفيلم حقا رائعة وتشعركم بالقلق والخوف
يحكي الفيلم قصة تول الكبير ، وهو بطل عملاق أسطوري من جزيرة ساريما في بحر البلطيق . الفيلم، يصور تول على أنه عملاق خير يعيش بسلام مع زوجته، بيريت، في ساريما . ينهار هدوئهم عندما تقوم شخصية شيطانية خبيثة وهي فاناتوهي بملئ حقولهم بالكثير من الحجارة الامر الذي يسبب لهم صعوباتهم في حياتهم التي يعتمدون فيها بالدرجة الاولى على الزراعة , بعد ذلك، يظهر في المشهد وصول جنود منهكون الى القرية متكئين على عصي، ويبلغون تول بهجوم قادم من الغزاة الدنماركيين لأرضهم.
يبدأ تول في البحث عن طريقة لحماية الناس ، اثناء رحلته يقوم تول بانقاذ طاقمً سفينة . في البحر من الغرق وبعد انتهائه يجلب معه كرتين من الكرنب لطبخها ومشاركة الوجبة مع الجنود المنهكين ثم يتوجه إلى ساحة المعركة ويظهر المشهد زوجته وهي تبكي وتنوعا في حالة من الحزن . تبدأ الحرب مروعة الدموية ، لكن تتغلب القوات الدنماركية الغازية على سكان جزيرة ساريما وتنتشر الجثث على الارض في مجزرة بشعة. لكن لم تنته المعركة حيث يصل تول ، حامل معه تعزيزات على عجلتين ضخمتين ، لكن رغم ذلك الجنود الجدد هُزموا أيضًا . وفي لحظة غضب عارم ، يستخدم تول العجلات العملاقة لتدمير الجيش الدنماركي. وتحويلهم الى أشلاء
وفي الوقت نفسه، يهاجم فاناتوهي منزل تول ، مما يؤدي إلى وفاة زوجته بيريت .عند عودته واكتشافه وفاة زوجته، يلاحق تول الشرير فاناتوهي ، وهو يحمل شجرة كبيرة كهراوة . وبعد بعد مطاردة طويلة ، يقود تول فاناتوهي إلى البحر حيث يلتهمه شيطان يظهر من الاعماق.
يعود تول الى المنزله المحطم وحزنا على زجته يقوم بدفنها في المكان الطي توفيت فيه وبناء ضريح حجري فوقها . في لحظة وبينما هو يستحم تصلح أنباء غزو جديد وينتقل إلى القتال مرة أخرى ، تنتشر مشاهد القتل في كل مكان ويتدخل هذه المرة تول للقتال باستخدام عربة. من المعركة التي سبقتها مع الدنماركيين . أثناء القتال يقوم زعيم الاعداء الغزاة بقطع رأس تول . وعلى الرغم من ذلك ، امسك تول زعيم الاعداء بيده الى سحق جسده . بينما تحول جسده ورأسه إلى خشب ، أعلن تول أنه سيستيقظ إذا واجهت أرضه الحرب مرة أخرى
يحمل الفيلم الكثير من الرسائل المشفرة والمعاني العميقة مثل البطولة والتضحية بالنفس في مواجهة الشدائد وحماية الارض ولشعب . حيث يقاتل تول الاعداء لاخر رمق بل حتى وهو مقطوع الرأس لم يستسلم حتى قضى على قائد الغزاة ، ضف عليها رسالة خطيرة جدا وهي ثمن العنف والحرب حيث ان تول لا يمجد الحرب او يدعوا لها ؛ بل يقدمها كقوة مدمرة تؤدي إلى الخسارة والمعاناة .
– يجسد فاناتوهي الشرير الجشع والحقد والدمار. أفعاله أنانية وتعطل الانسجام بين حياة تول وزوجته وأرضه. تمثل شخصية فاناتوهي القوى السلبية داخل المجتمع – سواء كانت حكامًا ظالمين أو مستغلين أو أولئك الافراد الذين يسعون إلى إيذاء الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية .
عند إصدار الفيلم ، تلقى الثناء من مخرجي الرسوم المتحركة السوفييت لكنه واجه انتقادات كثيرة من الرقباء بسبب موضوعاته القومية وتصويره للعنف الشديد الذي لا يمكن أبدا أن يكون ملائما للأطفال .عُرض الفيلم في المهرجانات السينمائية الدولية وحصل على العديد من الجوائز .