تجربة ألبرت الصغير . العلم هو مجال لا مكان للأخلاق فيه ، لا يحده قانون ولا ضوابط ، ولذلك عبر التاريخ تمكن الكثير من العلماء من مختلف بقاع العالم من إجراء تجارب علمية قد لا يفكر فيها إنسان سوي ، تجارب قد تسبب لك الكوابيس وأخرى ستسبب لك الغثيان غالبية تلك التجارب يتم تطبيقها سواء على القرود أو الفئران أو الارانب ، وواحدة من هذه التجارب أجراها عالم السلوك وأبو المدرسة السلوكيَّة جون بي واتسون مع طالبة الدراسات العليا روزالي راينر عام 1920 تعرف اليوم باسم تجربة ألبرت الصغير ، الشيء الذي ميز هذه التجربة أنها لم تكن على الحيوانات بل كان فأر التجارب هو إنسان ، وليس أي إنسان بل طفل رضيع عمره 9 سنوات إسمه ألبرت ، فما هي قصة هذه التجربة ولماذا تصنف كواحد من أغرب التجارب العلمية الاأخلاقية ؟
تجربة إيفان بافلوف
في عام 1903 قام الباحث الروسي الشهير إيفان بافلوف بإجراء تجارب على الكلاب ،بهدف ترويضها أو تكييفها لكي يسيل لعابها وتستعد للأكل عند سماع صوت جرس العشاء ، بل حتى وأن لم يكن هناك أي عشاء أساس . سميت تلك التججربة بالإشراط التقليدي Classicalconditioning
قام بافلوف بتصمم جهازًا خاص يرَاقب من خلاله كمية اللعاب الذي يسيل من فم الكلب عند وضع الطعام أمام الكلاب ، بافلوف كلف حارس خاص يقوم بجلب الطعام للكلاب في توقيت معين وبكمية محددة ، لكن حوالي عام 1902 ومن خلال تكرار التجربة أكثر من مرة بدأ بافلوف يلاحظ أمر غريب جدا ، لاحظ أن الكلاب التي يجري عليها تجاربه كانت تبدأ بإفراز لعابها بمجرد رؤيتها للحارس الذي يقدم لها الطعام ، بل وحتى بمجرد سماعها لخطوات قدميه قبل أن يصل الطعام إلى أفواهها فعلاً .
في هذه اللحظة بالذات علم بافلوف أن سيلان لعاب الكلب من خلال رؤية الحارس أو سماع خطواته لم تكن هي المحرك أو الحافز الطبيعي لإفراز اللعاب ، ولكن رؤية الحارس قد أصبحت من خلال تعود الكلاب على تلك الإشارة ؛ أي صوت خطوات الأقدام ؛ التي تستهدي بها على قرب وصول الطعام .
أدرك بافلوف على الفور بعد جلسة تأمل مع شاي ساخن أنه في الحقيقة حقق اكتشافًا علميًا خطير جدا لم سيبقه إليه أي أحد بعد ،لتتحول أفكاره إلى نظرية سميت التكييف الكلاسيكي أو التكييف البافلوفي
وبعد حوالي عشرين سنة خرج أحد العلماء السلوكيين اسمه جون بي واتسون مع زميلته راينر وقال :“والله العظيم تجربة بافلوف مثيرة وغريبة جدا لكن عوض الكلب لماذا لا أجربها على البشر ,والافضل أن يكون إنسان لا يفهم شيء صفحة بيضاء , رضيع “ وبالفعل هذا ما كان
بداية تجربة ألبرت الصغير
في عام 1920، أجرى عالما النفس جون بي واتسون و روزالي راينر من جامعة جونز هوبكنز دراسة على طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر لتحديد ما إذا كان التكييف الكلاسيكي الذي اكتشفه بافلوف سيكون له نفس التأثير على البشر في ما يُعرف اليوم باسم تجربة ألبرت الصغير . في هذه الدراسة قاموا بتدريب طفل رضيع على إظهار الخوف تجاه أشياء مادية عادية لا تثير الخوف ولا تضر
تمكن علماء النفس من تدريب ألبرت الصغير على التفاعل بشكل سلبي مع أشياء مثل فأر أبيض ، وقناع سانتا كلوز، وحتى حيوانات عائلته الأليفة كالقطط والكلاب وبعض الحيوانات الغير مؤذية مثل القرد والأرنب وفأر الاختبارات الأبيض . في البداية لم تكن ردة فعل الرضيع ألبرت مختلفة عن أي طفل أخر ، بل كان يحاول مداعبت الحيوانات واللعب معها . ثم تطورت التجربة وبدأو بضرب أنبوب فولاذي بمطرقة في كل مرة يقدمون فيها لألبرت هذه الحيوانات .ذلك الضجيج المفاجئ والصاخب لطرق الانبوب الفولاذي بالمطرقة جعل الطفل ألبرت يبكي .
مع تكرار التجربة أكثر من مرة سرعان ما أصبح الطفل ألبرت الصغير معتادًا على ربط ذلك الضجيج المزعج للانبوب الفولاذي والمطرقة بتلك الحيوانات الأليفة ، لينطلق في البكاء والخوف كلما رأى تلك الحيوانات ، غير أنه في أحد المرات بدأ ألبرت في الصراخ والبكاء بمجرد رؤيته للحيوانات بدون أن يكون ذلك الصوت الصتاخب والمزعج لضرب الأنبوب المعدني بالمطرقة .
أصبح ألبرت الصغير مرعوبًا ليس من القرد والأرنب والفأر فقط ، ولكن أصبح يخاف ويرتعب من أي شيء له فرو يشبههم حتى لو كان دمية . حتى أنه بكى بشدة عندما شاهد قناع سانتا كلوز وأصبح يخاف ويبكي بمجرد رؤيته لكلاب عائلته التي ولد وكبر معها .
في تلك الأثناء وقبل أن يخرج الباحثين بأي نتائج قامت والدة ألبرت الصغير بسحبه من الدراسة ، حالو معها لإقناعها لابقائه معهم حتى ينهو الدراسة وترجوها كون هذا الامر سيترك ابحاثهم بدون أي فائدة تذكر ، الأمر كأن تعطي بحار خارطة للسفر الى مكان مجهول ثم تضيع منه في منتصف الطريق، لكن كانت والدة الرضيع مصرة على سحبه وبقيت نتائجه لغز غامض الى اليوم
أثارت تجربة ألبرت الصغير الكثير من الجدل بين الناس العاديين وبين الوسط العلمي بين من شجعها وبين من رفضها رفضا كليا ، الكثير من العلماء ذكروا أن هذه الدراسة فيها الكثير العيوب التي ستجعلها غير سليمة من الناحية العلمية . ومنذ ذلك الوقت والى اليوم يتم ذكرها باعتبارها دراسة غير أخلاقية إلى حد كبير، والتي قد تكون تسببت في عقدة وصدمة نفسية لطفل بريء مدى الحياة تجعله يخاف من الحيوانات كيفما كانت بل وحتى من الدمى ذات الفرو وكل ذلك باسم العلم .
نتائج تجربة ألبرت الصغير
كان الشق الاخلاقي لدراسة ألبرت الصغير هو أكثر ما أثار الجدل ، فلم تتضمن العديد من المناقشات الأخلاقية المتعلقة بتجربة ألبرت الصغير الأساليب التي استخدمها كل واتسون وراينر لـ “تكييف” أو محاولة برمجة الرضيع فحسب ، بل أيضا تم انتقادا الطريقة التي أجريت بها الدراسة . فمحاولة خلق استجابة الخوف من إنسان كيفما كان في أي تجربة علمية هو مثال على الأذى النفسي الغير المسموح به في التجارب النفسية الحديثة . على الرغم من أن الدراسة في الحد ذاتها أجريت قبل تطبيق المبادئ التوجيهية الأخلاقية الحديثة ، إلا أن المجتمع العلمي كان له من الفطرة الانسانية ما يكفي لنقد ورفض التجربة .
أما الجزء الأخطر في التجربة هو فشل العلماء في إلغاء برمجة الطفل بعدما سحبته والدته منهم وانتهاء التجربة . ولأقربها لكم بمثال لكي تفهموا ما حصل ، تخيل أن تأخذ قط صغير مباشرة بعد ولادته وتقوم بتربيته تربية منزلية لسنين طويلة ، ثم في أحد الايام تأخذ القط وترميه في الغابة ؟ طبعا مصير القط هو الموت فبسبب أنك ربيته تربية منزلية فلن يعرف كيف يدافع عن نفسه ولا كيف يصاد سيكون قطا لطيفا وبريئا ، في حين أنه كان يجب عليك إلغاء برمجته بحيث تعلمه الصيد أولا وتعيد اليه طبيعته الحيوانية الشرسة ثم بعد ذلك تلقي به في الشارع أو الغابة ،
كل من جون بي واتسون و روزالي راينر واثناء تجربة ألبرت الصغير زرعو خوف ورعب لا عقلاني من أي كائن حي له فرو بل خوف من دمى حتى من قناع سانتا كلوز ، ومع انتهاء الدراسة بعدما سحبته والدته لم يقومو بعمل الغاء لذلك الخوف الامبرر وإعادته للحالة الطبيعية النفسية التي كان فيها قبل التجربة
وبالتالي من المحتمل أن يكون ذلك الخوف متجذرًا بقوة في دماغ الطفل وعقله الاواعي ، وهو خوف لم يكن موجودًا من قبل . ولهذا السبب، اعتبرت كل من جمعية علم النفس الأمريكية وجمعية علم النفس البريطانية هذه التجربة غير أخلاقية .
المصير المجهول لـ ألبرت الصغير
بعد ظهور الانتقادات الاذعة لتجربة ألبرت الصغير ومع مرور الايام والشهور والسنين ، بدأ الناس يتسألون عن مصير ألبرت الصغير ، فق ظل المصير الحقيقي لـ ألبرت مجهولاً لعشرات السنين ، حتى أن الخبراء وعلماء النفس سواء الحاليين أو من عاصروا التجربة غير متأكدين بشأن هويته الحقيقية .
، تم افتراض أن ألبرت الصغير كان اسمًا مستعارًا لدوجلاس ميريت وهو ابن ممرضة في جامعة جونز هوبكنز تدعى أرفيلا ميريت . وبحسب إحدى الدراسات من جمعية علم النفس الأمريكية فقد حصلت والدته أرفيلا ميريت على دولار واحد مقابل مشاركة ابنها في هذه الدراسة .
تقول فرضية أن دوغلاس ” ألبرت الصغير” توفي بسبب مضاعفات حالة تسمى الاستسقاء الدماغي عندما كان عمره ست سنوات فقط . فقد كان هو بالفعل ألبرت الصغير الحقيقي الذي بقي مجهولا لسنين ، في حين فرضية أخرى مبنية على بعض الابحاث تقول أن ألبرت الحقيقي كان طفلاً صغيرًا يُدعى ويليام ألبرت بارجر . وطبقا لمجلة NewScientist ، عاش ويليام حياة عادية وسعيدة وتوفي في عام 2007 . لكن الغريب أن أقاربه صرحوا أن ويليام وأثناء حياته كان لديه خوف ونفور من الحيوانات لدرجة أنهم كانو يضطرون لوضع كلاب العائلة في مكان بعيد عندما يزورونه.
ما يجعل التجارب العلمية على البشر وتحديدا على الاطفال والرضع خصوصا كتجربة ألبرت الصغير مثيرة للجدل أخلاقيا , هو أولا نحن كبشر لدينا مبادئ ولدينا أخلاق ونحن كائنات واعية وعينا مختلف عن وعي الحيوانات , والشيء الثاني يمكن من ناحية إجراء تجارب على بشر حقيقيين بالغين بشرط أن يكون الامر باختيارهم ورغبتهم , لكن عندما نقوم بتجربة على طفل رضيع , أولا من أعطى لك الحق والاذن لكي تقرر نيابة عن الطفل ؟ ثاني شيئ وهو الخطر من سيتحمل تبعات ونتائج التجربة , فمثلا أن يكبر ذلك الطفل بعقدة من الحيوانات من سيتحمل المسؤولية وكيف سيعيش هذا العالم أو الباحث بضمير مرتاح وهو يعلم أنه سبب عقدة نفسية أبدية لطفل سيكبر وسيعاني ,