أين الجميع بهذه العبارة تسائل عالم الفيزياء إنريكو فيرمي سنة 1950 في أحد المحادثات , كان يقصد بسؤاله الكائنات الاخرى التي تسكن الكون والتي الى اليوم لم نرى منها أي أثر أو رسالة او اشارة تذكر , لم يكن يعتقد انريكو ان سؤاله هذا سيخلق معضلة جديدة في علم الفلك سميت على اسمه معضلة فيرمي .
قبل 33 عامًا وبالضبط (20 غشت 1977) ، أطلقت ناسا مركبة فوييجر 2 إلى الفضاء ، كان الغرض الاساسي من هذا المسبار أن يكون كبسولة زمنية ومحاولة من البشر للاتصال بالفضائيين . تم إرفاق سجل فونوغراف ذهبي بكل مركبة فوييجر .

يحتوي على رسالة صوتية بـ 55 لغة مختلفة ترحب بأي مخلوق قد يصطدم بهذا المسبار في الفضاء الشاسع . ومن بين اللغات المرسلة للفضاء تحية باللغة العربية , وليس تحية صوتية فقط بل تم ارفاق صور وموسيقى وأصوات مختلفة من كوكب الأرض لعلى وعسى أن تجد مستمع في الفضاء الفسيح .
طلبت ناسا من الدكتور كارل ساجان من جامعة كورنيل تجميع هذه التحية ومنحته حرية اختيار التنسيق وما سيتم تضمينه في الفونوغراف الذهبي
تم تأريخ القصة وراء إنشاء “الرسالة بين النجوم” في كتاب “همهمة الأرض” لكارل ساجان وآخرون . لسوء الحظ ، لم يتم تقديم الكثير من المعلومات حول المتحدثين الفرديين .

لم يتم إعطاؤهم أي تعليمات بشأن ما سيقولونه بخلاف أنه سيكون بمثابة تحية للكائنات الفضائية المحتملة وأنه يجب أن يكون موجزًا . وهذا جزء ن ذلك التسجيل الصوتي :
بعد أكثر من ثلاثين سنة قطع فيه مسبار فوياجور ملايين الكيلومترات في الفضاء الى اليوم لم يتصل بنا اي أحد وهذا غريب , البشرية تصرخ بوجودنا في الكون لما يقرب من مائة عام حتى الآن . المنطق يقول أن أي كائنات فضائية ضمن نصف قطر مائة سنة ضوئية منا لابد ومن الضروري أنها ستتلقى وابلًا من الإشارات الراديوية من اتجاهنا . ولكن الفضاء مازال صامت صمت قاتل
تحتوي مجرة درب التبانة على 200 مليار نجم وربما 100 مليار كوكب. إذا كان جزء صغير من هذه الكواكب يؤوي الحياة وحضارة ما ، فإن مجرتنا ستعج بالحضارات الفضائية ، وبعضها إما يبحث عنا أو يمكن اكتشافه على الأقل .

يمكن تحديد عدد الحضارات الغريبة التي يجب أن تمتلكها المجرة من خلال معادلة ، وهي معادلة دريك ، والتي تفترض أنه يجب أن يكون هناك 20 حضارة على الأقل في جوارنا الكوني . هذا يجعل حقيقة أننا لم نجد أي حياة أخرى في الكون صادم .
في سنة 2008 نشر كاتب صيني اسمه Liu Cixin ثلاثية كتب للخيال العلمي وهي : “مشكلة الأجسام الثلاثة” و “الغابة المظلمة” و “نهاية الموت”. تستكشف هذه الثلاثية موضوعات معقدة من العلوم والتكنولوجيا والفلسفة والوجود المحتمل للحياة خارج كوكب الأرض , اكتسبت ثلاثية Liu Cixin “مشكلة الأجسام الثلاثة” شهرة عالمية كبيرة و فازت بالعديد من الجوائز ، بما في ذلك جائزة Hugo المرموقة لأفضل رواية ، و أسرت القراء في جميع أنحاء العالم بمزيج من الخيال العلمي الصعب ، والمؤامرات السياسية ، والتكهنات الفلسفية .

لكن الغريب أن واحد من هذه الكتب تحول الى فرضية علمية خطيرة تبناها الكثير من العلماء وهي فرضية “ الغابة المضلمة “ وليس هذا فقط بل قدمت حل لواحدة من أشهر المعضلات في تاريخ الفلك , فما هي قصة هذه فرضية الغابة المظلمة
الغابة المظلمة ، هي فرضية تتعمق في الصراع الكوني بين البشرية والحضارات الموجودة في الكون السحيق . حيث تقترح الفرضية أن الحضارات في الكون يجب أن تظل مخفية وصامتة لتجنب جذب انتباه القوى المعادية و الشريرة المحتملة . تنبني الفكرة الاساسية للفرضية أن الكون هو في الحقيقة شبيه جدا بغابة كبيرة لا نهاية لها وتغرق في ظلام دامس حيث يمكن مقارنة كل حضارة في الفضاء بصياد يختبئ ويعيش في أعماقها ويترقب بصمت كل من يتحرك . في هذه الغابة الكونية ، تواجه الحضارات معضلة أساسية كبيرة وهي : هل ستخرج للعلن وتتواصل مع بقية الحضرات وتعلن وجودها وتخاطر بجذب انتباه القوى المعادية المحتملة كالحضارة البشرية أو أن تظل صامتة تخفي كل اشاراتها وتراقب الحضارات الأخرى بصمت كما يفعل الجاسوس الصامت .

الافتراض الأساسي للغابة المظلمة هو أن الحضارات الاكثر تطورا من البشر بالاف السنين قد تمتلك هي ايضا غريزة البقاء ومن المؤكد أنها تدرك أن الحضارات الأخرى الغريبة والاجنبية يجب اعتبارها تهديدات محتملة على وجودها .
بالنظر إلى اتساع الكون وإمكانية حدوث تباينات تكنولوجية بين الحضارات ، هناك قلق من أن الحضارات المتقدمة يمكن أن تستغل مزاياها لغزو أو تدمير الحضارات الأضعف . من وجهة النظر هذه ، يمكن أن يكون الصمت الملاحظ في الكون استراتيجية متعمدة تستخدمها الحضارات لتجنب لفت الانتباه والتحول إلى أهداف في الغابة الكونية.

يشرح الكاتب هذه الفكرة في فقرة من رواية الغابة المظلمة ويقول :
الكون غابة مظلمة . كل حضارة هي صياد مسلح يطارد الأشجار مثل الأشباح ، يدفع برفق الأغصان التي تسد الطريق ويحاول السير دون صوت. حتى التنفس يتم بحذر. يجب أن يكون الصياد حذرًا ، لأنه في كل مكان في الغابة يوجد صيادون متخفون مثله. إذا وجد حياة أخرى – صياد آخر ، أو ملاك ، أو شيطان ، أو طفل رضيع لرجل عجوز مترنح ، أو جنية أو نصف إله – فهناك شيء واحد فقط يمكنه فعله: فتح النار والقضاء عليهم.

فرضية الغابة قدمت تفسير منطقي لواحدة من أعقد المفارقات في تاريخ الفلك وهي مفارقة فيرمي , ماذا تقول هذه المفارقة ؟ مفارقة فيرمي صيغت على اسم عالم الفيزياء إنريكو فيرمي سنة 1950 عندما سأل إنريكو فيرمي هذا السؤال في محادثة قائلا “أين الجميع؟”
وهو يقصد أين المخلوقات الاخرى في عالم يقدر عمره بمليارات السنين ، مع مليارات من الكواكب النجوم والمجرات الصالحة للحياة ، بدى غياب الذكاء او الحياة خارج كوكب الأرض الذي لم نكتشفه ولم يصلنا الى اليوم أمرًا محيرًا للغاية ومحيرا بقدر نشوء الحياة نفسها .
تدور المفارقة حول فكرة أنه ، نظرًا للعدد الهائل من فرص الحياة في الظهور والتطور في الكون الا نهائي ، فمن المرجح إحصائيًا ورياضيا أن تكون الحضارات الذكية موجودة ايضا في مكان آخر لا محالة . تفترض المفارقة أن بعض هذه الحضارات كانت قد طورت تقنيات متقدمة قادرة على السفر أو الاتصال بين النجوم أي أنها قد تكون وصلت لمرحلة تصل فيها سرعة الضوء ، ومع ذلك ليس لدينا أي دليل واحد يمكن التحقق منه على وجود هذه الحضارات .

فرضية الغابة المضلمة أعطت الحل لكل محاولات الاتصال بالمخلوقات الفضائية منها رحلة مسابر فياجر والحل هو أن هذا المسبار قد يكون فعلا وصل لحضارات أكثر ذكاء وتطورا منا ولكن بسبب غريزة البقاء والخوف من المجهول والاجنبي قرروا التزام الصمت والعدم الظهور والكشف عن أنفسهم مخافة أن يعتقدو أن هؤلاء البشر قد يكونو اشرار وهم كذلك بالمناسبة ,
فرضة الغابة المظلمة تطرح عدة أسئلة أخلاقية وفلسفية تتعلق بطبيعة الحضارات الكونية المجهولة التي نبحث عنها منذ عشرات السنين . وتركز على أن تلك الحضارت قد تكون أولويتها الاولى هي الامان والحفاظ على الذات على أن ان تتفاعل مع أي مجهول كيفما كان في الفضاء . الكثير من العلماء يعتبرون أن هذه الفرضية ترسم صورة متشائمة للكون ، وأن الحضارات الفضائية تتبنى موقفً دفاعيً على عكسنا تماما ، على افتراض أن الآخرين وهم نحن قد يشكلون تهديدًا لوجودهم .