هو أبو حامد بن محمد الغزالي، أكبر علماء الكلام لعهده وأحد أئمة المذهب الشافعي. ولد في طوس إحدى مدن خرسان سنة 450 ه ، 1058م .درس العلوم في بلده ثم رحل في طلب لعلم الى نيسابور .

عرف الغزالي بذكائه ونجابته منذ الصغر . الشيء الذي جعله يلفت نظر نظام الملك وزير السلطان ملك شاه بسبب علمه الواسع في علوم الكلام وفنون الفلسفة ، فوكل له إدارة المدرسة النظامية التي أسسها ببغداد وهو في سن الثالثة والثلاثون .
بعد بضعت سنين ترك المدرسة النظامية وسافر لأداء فريضة الحج في مكة . لشيء الذي ساهم في بقائه في المشرق فألقى دروسا في جوامع دمشق وبيت لمقدس والاسكندرية . ثم عاد الى طوس ليبدأ رحلة التفكير والتأليف وعاش عيشة المتصوف
مؤلفاته
ألف الغزالي مجموعة من الكتب وكانت غايته من تأليفها تأكيد امتياز دين الاسلام عى غيره من الأديان وعلى الفلسفة خاصة . ومن أشهر كتبه :
كتاب إحياء علوم الدين: وهو كتاب في علم الكلام والآداب و كتاب المنقد من الضلال : والذي شرح فيه حقائق الموجودات. وكتاب مقاصد الفلسة : وهو كتاب لخيص فيه العلوم الفلسفية وشرح فيه علم المنطق وما وراء الطبيعة والطبيعيات . وكتاب التهاتف : وهو كتاب يهدم فيه الغزالي الافكار التي شرحها في كتاب المقاصد وذلك لأن الغزالي رحمه الله لم يرد بكتاب المقاصد سوى الاستعداد لهدم المبادئ التي شرحها شرحا وافيا .
كتاب الاقتصاد في الاعتقاد. وكتاب بغية المريد في مسائل التوحيد.وكتاب إلجام العوام عن علم الكلام. كتاب المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى. وكتاب المعارف العقلية ولباب الحكمة الإلهية. كتاب القانون الكلي في التأويل. وكتاب فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة. كتاب فضائح الباطنية. وكتاب حجّة الحق، في الرد على الباطنية… للغزالي العديد من الكتب حتى قيل أنه له مؤلف عن كل يوم عاشه لكن الدكتور عبد الرحمن البدوي استطاع بكتابه الذي أسماه «مؤلفات الغزالي» أن يجمع أغلب مؤلفات الغزالي والتي قدرها البدوي ب 457 مصنفا نسب إلى الغزالي.

العودة للوطن
بعد قرابة 11 سنة من العزلة عاد الغزالي الى نيسابور وأدار المدرسة النظامية ثم قرر العودة الى طوس موطنه حيث أسس ملجأ للصوفيين وقضى بقية أيامه في العبادة والتأمل ووزّع أوقاته على وظائف منها ختم القرآن ومجالسة الصوفية وتدريس طلبة العلم كما صحّح قراءة أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم على يد الشيخ عمر بن عبد الكريم بن سعدويه الرواسي وبقي متصوفا عابدا طائعا لله حتى توفي سنة 505ه ، 1111م .
اقرا ايضا: معلومات غريبة عن كوريا الشمالية “الجزء الثاني”
الغزالي فيلسوف
كانت الفلسفة في عهد الغزالي قد أثرت في تفكير الكثيرين من أذكياء عصره وسلوكهم، وأدى ذلك إلى التشكيك في الدين الإسلامي والانحلال في الأخلاق، والاضطراب في السياسة، والفساد في المجتمع. فتصدّى أبو حامد الغزالي لهم بعد أن عكف على دراسة الفلسفة لأكثر من سنتين، حتى استوعبها وفهمها، وأصبح كواحد من كبار رجالها.
وقال عنه يوسف القرضاوي وعباس محمود العقاد، أن الغزالي يُعدّ في كثير من نظرياته النفسيّة والتربوية والاجتماعية صاحب فلسفة متميّزة، وهو في بعض كتبه أقرب إلى تمثيل الفلسفة الإسلامية، وأنه فيلسوف بالرغم من عدم كونه يريد ذلك، وهذا ما صرّح به كثيرون من العرب والغربيين، حتى قال الفيلسوف المشهور رينان: «لم تنتج الفلسفة العربية فكراً مبتكراً كالغزالي» وقد رأى كثير من علماء المسلمين قديماً أن الغزالي رغم حربه للفلسفة، لم يزل متأثراً بها، حتى قال تلميذه أبو بكر بن العربي: «شيخُنا أبو حامد: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع».

الغزالي متصوف
قبل أن يقتنع الغزالي بالتصوف، مرّ بمراحل كثيرة في حياته الفكرية، فابتدأ بمرحلة الشكّ بشكل لا إرادي، والتي شكّ خلالها في الحواس والعقل وفي قدرتهما على تحصيل العلم اليقيني، ودخل في مرحلة من السفسطة غير المنطقية حتى شُفي منها بعد مدة شهرين تقريباً. ليتفرّغ بعدها لدراسة الأفكار والمعتقدات السائدة في وقته، يقول: «ولما شفاني الله من هذا المرض بفضله وسعة جوده، أحضرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق: المتكلمون: وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر. والباطنية: وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم. والفلاسفة: وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان. والصوفية: وهم يدعون أنهم خواص الحضرة، وأهل المشاهدة والمكاشفة»
ويتابع ويقول: «فابتدرت لسلوك هذه الطرق، واستقصاء ما عند هذه الفرق مبتدئاً بعلم الكلام، ومثنياً بطريق الفلسفة، ومثلثاً بتعلّم الباطنية، ومربعاً بطريق الصوفية» فعكف على دراسة علم الكلام حتى أتقنه وصار أحد كبار علمائهم، وصنف فيه عدة من الكتب التي أصبحت مرجعاً في علم الكلام فيما بعد مثل كتاب “الاقتصاد في الاعتقاد”، إلا أنه لم يجد ضالته المنشودة في علم الكلام، ورآه غير كاف، ويقول عن نفسه: «فلم يكن الكلام (أي علم الكلام) في حقي كافياً، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافياً». بعد ذلك توجّه لعلم الفلسفة ودرسها وفهمها، ثم نقدها بشدة بكتابه تهافت الفلاسفة. ثم درس بعدها الباطنية فردّ عليهم وهاجمهم. ليستقر أمره على علم التصوف. وكل هذا قاله الغزالي في كتابه المنقد من الضلال
لم يكن الغزالي فيلسوفا عقليا وانما كان حكيما دينيا بالفطرة ، وانه اتخذ العلم والعقل والشرع ذاته وسيلة للوصول الى الحال التي هيأته لها الطبيعة .
مقالة ذات صلة : الشيخ الرئيس { ابن سينا } أمير الأطباء “حياته وآثاره”.