من هو الحاجب المنصور ؟
الحاجب المنصور هو محمد بن عبد الله بن عامر، المعروف بمحمد بن أبي عامر أو الحاجب المنصور. من أحفاد عبد الملك المعافري الذي كان مع الفاتحين الأوائل الذين دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد. أخواله بنو تميم من العرب، استقر أجداده في الجزيرة الخضراء جنوب الأندلس. وقد أظهر الطفل محمدٌ نجابة وذكاء منذ نعومة أظفاره.

شب على حبّ العلم والأدب، ثم سافر إلى قرطبة ليتابع دراسته في مساجدها. نال من العلم الواسع في قرطبة، فافتتح دكانًا للكتابة بالقرب من قصر الحكم المستنصر. وعمل ككاتب لدى القاضي محمد بن إسحاق الذي رأى من نبوغه وحسن تصرفه ما دفعه لأن يوصي به عند الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي الذي رشحه لرعاية ولد الحكم المستنصر من جاريته صبح البشكنجية وهو هشام المؤيد بالله الذي سيتولى بعد ذلك الحكم صغيرًا عقب وفاة أبيه الحكم الذي عيّن محمد بن أبي عامر آمرًا على الخدم في مرض موته. وكان قبل ذلك قد رفع من شأنه ورقّاه في المناصب.
تقربه من القصر
لم يتولى محمد بن أبي عامر منصبًا إلا وتميز في تصريف أموره ببراعة وكفائة عالية. وكان قادرًا على إدارة أكثر من منصب في نفس الوقت وبمهارة عالية وثقة كبيرة في النفس. وكان حريصًا على مدارات الحاجب المصحفي رئيس الوزراء. يطلب النصح منه في كل الأمور ما جعله محط ثقة الحكم والحاجب المصحفي. فلما مات الحكم وتولى هشام المؤيد بالله الحكم جعل الأمويون عليه وصاةً هم الوزير المصحفي وقائد الجيش غالب الناصري وقائد الشرطة محمد بن أبي عامر.
وقد تمكّن الوزير المصحفي مع محمد بن أبي عامر وحزبهما من القضاء على فتنة الصقالبة. وتذكر الكتب أن علاقة حب توطدت بين ابن أبي عامر وصبح البشكنجية التي تعدّ إحدى شخصيات القصر القوية. وهو ما ساعده على البقاء في دائرة الحكم، فالبشكنجية يهمها بقاء ولدها هشام المؤيد في الحكم. وهو ما يهم ابن أبي عامر الذي تولى رعاية هشام الصغير طفلًا في حياة والده.

سمع نصارى الأندلس في الشمال بموت الحكم المستنصر، فنقضوا عهودهم مع المسلمين، واستغلوا حالة الاضطراب مع ردة الفعل المفاجئة من قبل الحاجب المصحفي الذي تردد في صدّ هجمات النصارى آمرًا أهل الثغور بتنفيذ خططٍ دفاعية لا تتناسب مع قوة الجيش الكبير الذي تركه المستنصر قبل وفاته، فنهض ابن أبي عامر للدفاع عن الأندلس، وطلب المال لتجهيز الجيش، ثم انطلق في غزوته الأولى، فاستعاد الحامّة وربضة، وعاد مثقلًا بالغنائم.
توليه منصب الحاجب
ففرح بإنجازه المسلمون في الأندلس، وقرر متابعة الغزوات، فاتجه إلى قشتالة، وعاد منها بنصر عظيم أصدر على إثره هشام المؤيد بالله أمرًا بعزل المصحفي عن الحجابة؛ ليتولى محمد بن أبي عامر الحجابة في قرطبة التي عانت في فترة المصحفي من الاضطراب، فضبط محمد بن أبي عامر الأمور فيها، وضرب على يد كل فاسد فيها من الجند كان أم من عامة الناس، فاصطلح حال المدينة، وبدأت أمور الأندلس بالعودة إلى ما كانت عليه من قوة ومنعة.
اضغط هنا: غربة الياسمين رواية تحكي عن العنصرية اتجاه المسلمين في فرنسا
تولي الحكم
والتفّ الناس حول ابن أبي عامر، وأطلقوا عليه لقب الحاجب المنصور، وعرف القاصي والداني مدى قوته، فتوقفوا عن اعتراض طريقه، ولاسيما حين استطاع التخلّص من المصحفي ووالد زوجته غالب الذي حاول قتله ليستأثر بالحكم، ولم يبقَ للحاجب المنصور سوى الخليفة الصغير هشام المؤيد، فأقنع الناس بأن الخليفة قد فوضه أمر البلاد وانقطع للعبادة، وبهذا يكون الحاجب المنصور قد انفرد بالحكم.
قضى الحاجب المنصور على ثورة الحسن بن كنون في المغرب، ثم قضى على ثورة زيري بن عطية في المغرب أيضًا، والذي كاد يحقق النصر على جيش الحاجب المنصور لولا الخيانة التي تعرض لها، ثم ندم زيري، وأظهر الولاء والانضواء تحت حكم الحاجب المنصور، فقَبِل منه المنصور ذلك، وفوضه أمر تلك البلاد.
غزوات الحاجب المنصور في الشمال
أما في الشمال؛ فقد تعددت حملات الحاجب المنصور ضدّ الممالك المسيحيّة، فكان يخرج في حملة صيفية وحملة شتوية، فاستعاد لُك وشلمنقة وشقوبية وآبلة وسمورة، وغزا مملكة نافارا وبرشلونة التي تمكن من دخولها عنوة، وقتل حاميتها، ثم انتصر في معركة حصن روطة على تحالف الممالك المسيحية، وأذعن عدد من الممالك له، ودفعوا له الجزية، واستنصروه على بعضهم، فنصر بعضهم مستغلًا الفرقة التي وقعت فيما بينهم.
ثم استعاد الحاجب المنصور جليقية في واحدة من أكبر غزواته، وتقدّم باتجاه شنت ياقب، فحازها بعد أن هرب أهلها، وانتصر الحاجب المنصور بعد ذلك على تحالف البشكنس مع قشتالة وملك ليون عند صخرة جربيرة، وقد غزا الحاجب المنصور أكثر من 50 غزوة انتصر بها جميعًا .

وفاته التي فرح لها كل أوروبا وبلاد الفرنج
توفي الحاجب المنصور في 27 رمضان 392 هـ في مدينة سالم وهو عائد من إحدى غزواته على برغش. التي أصيب فيها بجروح، وكان قد أوصى بأن يدفن حيث مات، ومازال ضريحه موجودا ويعرف بضريح الحاجب المنصور. كان يشتكي علة النقرس. وقد بلغت غزواته التي غزاها بنفسه 57 غزوة لم يهزم في أحدها قط.
حين مات القائد الحاجب المنصور فرحت بموته كل أوروبا وبلاد الفرنج حتى جاء القائد أرفونسو الى قبره ونصب على قبره خيمة كبيره فيها سرير من الذهب، جلس عليه ومعه زوجته .
وقال : أما ترون اني اليوم قد ملكت بلاد المسلمين والعرب، وجلست على قبر أكبر قادتهم .
فقال أحد الموجودين :والله لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا واحداً على قيد الحياة ولا استقر لنا قرار.
فغضب الفونسو وقام يسحب سيفه على المتحدث حتى مسكت زوجته ذراعه
وقالت :صدق المتحدث .. أيفخر مثلنا بالنوم فوق قبره !! والله إن هذا ليزيده شرفاً حتى بموته لا نستطيع هزيمته، والتاريخ يسجل انتصاراً آخر له وهو ميت، فقبحًا لما صنعنا وهنيئًا له النوم تحت عرش الملوك .
اقرا أيضا : رجال حكموا دول في سن المراهقة