تعد قضية الجزر الإماراتية المحتلة من أبرز النزاعات الإقليمية في منطقة الخليج العربي، وهي مسألة سيادية تتعلق بثلاث جزر: طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبوموسى. تقع هذه الجزر في الخليج العربي بالقرب من مدخل مضيق هرمز، مما يجعلها موقعًا استراتيجيًا هامًا. تعود ملكية هذه الجزر تاريخيًا إلى إمارة رأس الخيمة وإمارة الشارقة، وهما جزء من دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن منذ عام 1971، استولت عليها إيران وفرضت سيطرتها عليها، مما أثار نزاعًا لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
الجزر الإماراتية المحتلة
تقع الجزر الثلاث على بعد مسافة قصيرة من السواحل الإماراتية، وهي جزر صغيرة في المساحة، إلا أن موقعها الجغرافي يكسبها أهمية استراتيجية كبيرة؛ حيث تسيطر هذه الجزر على مدخل مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية في العالم لنقل النفط، مما يجعل من الجزر نقطة ذات بعد استراتيجي حيوي لكل من إيران والإمارات. يمر عبر مضيق هرمز جزء كبير من صادرات النفط العالمية، لذا فإن من يتحكم في هذا المضيق يملك تأثيرًا غير مباشر على حركة نقل النفط، وبالتالي على اقتصادات الدول المستوردة له.
الخلفية التاريخية للملكية الإماراتية للجزر
تاريخيًا، كانت الجزر الثلاث تتبع لإمارات الساحل المتصالح، وهي مجموعة الإمارات التي شكلت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة. وتحديدًا، تعود ملكية جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى إلى إمارة رأس الخيمة، في حين تعود ملكية جزيرة أبو موسى إلى إمارة الشارقة. تشير الوثائق التاريخية إلى أن سكان هذه الجزر كانوا إماراتيين، وقد تمتعوا بصلات اجتماعية وثقافية مع سكان المناطق الإماراتية الأخرى.
كانت بريطانيا، القوة الاستعمارية المسيطرة على منطقة الخليج في ذلك الوقت، تعترف بالسيادة الإماراتية على هذه الجزر. وتؤكد الوثائق التاريخية البريطانية أن الجزر كانت جزءًا من الأراضي الإماراتية، وأن حكام رأس الخيمة والشارقة كانوا يمارسون سيادتهم عليها بشكل رسمي.
الطموحات الإيرانية في الخليج العربي
بدأ النزاع بين الإمارات وإيران حول الجزر بشكل فعلي في الستينيات، حين بدأت إيران تسعى لتوسيع نفوذها في الخليج العربي تحت قيادة الشاه محمد رضا بهلوي. وقد بدأت إيران حينها بالمطالبة بملكية الجزر الثلاث، معتبرة أن هذه الجزر تشكل امتدادًا لأراضيها وأنها ضرورية لأمنها القومي. تزامن هذا مع انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج في أواخر الستينيات، مما أتاح لإيران فرصة لمحاولة بسط نفوذها على بعض المناطق المتنازع عليها.
حين أعلنت بريطانيا نيتها سحب قواتها من منطقة الخليج بحلول عام 1971، كثفت إيران محاولاتها للسيطرة على الجزر. حاولت الإمارات التفاوض مع إيران لمنع حدوث أي تصعيد عسكري، ولكن الشاه الإيراني رفض الحلول السلمية، مصممًا على فرض سيطرته بالقوة.
الاحتلال الإيراني للجزر
في 30 نوفمبر 1971، وقبل يومين فقط من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، قامت القوات الإيرانية باحتلال جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأبو موسى. فدخلت القوات الإيرانية الجزر وسيطرت عليها بالقوة، مما أدى إلى سقوط ضحايا من سكان الجزر، كما تم تهجير الكثير من السكان الإماراتيين الذين كانوا يعيشون على الجزر.
الاحتلال الإيراني تم بصورة مفاجئة وبدون أي إنذار مسبق، حيث اقتحمت القوات الإيرانية الجزر فجراً، وتم فرض السيطرة الكاملة على المرافق والمنشآت هناك. ورغم المحاولات الإماراتية للضغط على إيران دبلوماسيًا للتراجع، استمرت طهران في إحكام قبضتها على الجزر، ولم تظهر أي نية للانسحاب. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الجزر تحت السيطرة الإيرانية، وهو الوضع الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم.
الموقف الإماراتي بعد الاحتلال
بعد الاحتلال الإيراني للجزر، بدأت الإمارات حملة دبلوماسية على مستوى العالم لحشد التأييد الدولي لقضيتها والمطالبة باستعادة جزرها المحتلة. وفي كل مناسبة دولية، تجدد الإمارات مطالبها بإعادة الجزر إلى سيادتها، مؤكدة أنها تعتبر الجزر جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
كما لجأت الإمارات إلى تقديم شكاوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث أكدت في العديد من المحافل الدولية أن إيران انتهكت القوانين الدولية واحتلت أراضي تابعة لدولة ذات سيادة. وقد أثارت القضية انتباه المجتمع الدولي، إلا أن القوى الكبرى لم تتخذ خطوات حاسمة للضغط على إيران بسبب تعقيدات الوضع الإقليمي والعلاقات الدولية المتشابكة.
موقف إيران من النزاع وادعاءاتها التاريخية
من جهة أخرى، ظلت إيران تصر على أن الجزر جزء من أراضيها، مستندة إلى حجج تاريخية وجغرافية لتبرير احتلالها. وتدعي إيران أن هذه الجزر كانت جزءًا من الإمبراطورية الفارسية قبل وصول البريطانيين إلى المنطقة، وأنها ضرورية لأمنها القومي، خاصةً وأنها تقع في نقطة استراتيجية قريبة من حدودها المائية.
ورغم أن معظم الوثائق التاريخية تشير إلى أن الجزر كانت تحت سيادة الإمارات، إلا أن إيران تتمسك بروايتها وتستخدمها لتبرير سيطرتها. وقد عرضت إيران في فترات معينة تقديم تنازلات شكلية، مثل اقتراحات الحكم المشترك، إلا أن الإمارات رفضت هذه العروض، مؤكدة أن الحل الوحيد المقبول هو استعادة الجزر بشكل كامل.
المحاولات السلمية لحل النزاع
رغم حساسية القضية، فإن الإمارات سعت في عدة مناسبات إلى حل النزاع عبر المفاوضات السلمية، متجنبةً التصعيد العسكري. وقد اقترحت الإمارات اللجوء إلى التحكيم الدولي أو عرض القضية على محكمة العدل الدولية، إلا أن إيران رفضت هذه المقترحات بشكل قاطع، متمسكةً بموقفها الرافض لأي نوع من التحكيم الخارجي.
وفي عدة مناسبات، توسطت بعض الدول في محاولة للتقريب بين الطرفين، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب رفض إيران لأي حلول تتضمن التنازل عن سيادتها على الجزر.
موقف المجتمع الدولي
حظيت قضية الجزر الإماراتية المحتلة باهتمام دولي كبير، حيث دعمت معظم الدول العربية موقف الإمارات، مؤكدةً على ضرورة حل النزاع بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي. كما أبدت بعض الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، تأييدها لإيجاد حل سلمي للنزاع، إلا أن هذه المواقف لم تصل إلى حد الضغط الفعلي على إيران لتسليم الجزر.
من جهة أخرى، تسعى الإمارات بشكل مستمر لحشد التأييد العالمي لقضيتها، وتستغل جميع المناسبات الدولية لتجديد مطالبها، إلا أن تعقيدات العلاقات الدولية والملفات الشائكة في المنطقة، مثل النزاع النووي الإيراني، تجعل من الصعب الحصول على موقف دولي موحد يدعم انسحاب إيران من الجزر.
تطورات القضية بعد 2000
مع دخول القرن الحادي والعشرين، استمرت الإمارات في التمسك بموقفها المطالب بإعادة الجزر، وواصلت رفع القضية على الساحة الدولية. وقد أبدت الإمارات استعدادها الكامل للتفاوض السلمي، في مقابل تمسك إيران بموقفها الرافض لأي نوع من التفاوض أو التحكيم.
وفي ظل الأحداث الإقليمية المتصاعدة، مثل الصراعات في العراق وسوريا واليمن، باتت القضية جزءًا من الصورة الأوسع للتوترات بين إيران وجيرانها في الخليج العربي، مما جعلها أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية للنزاع
إلى جانب الأبعاد التاريخية والسياسية للنزاع، تبرز الأهمية الاقتصادية للجزر كعامل مهم، خاصةً مع اكتشافات النفط والغاز في المنطقة، إضافة إلى الأهمية البحرية للجزر من ناحية الصيد والملاحة البحرية. ورغم أن الجزر غير مأهولة إلى حد كبير، إلا أنها تتمتع بموارد طبيعية ذات أهمية، مما يجعلها محل اهتمام من الناحية الاقتصادية أيضًا.
الحلول المستقبلية والتحديات
إن قضية الجزر الإماراتية المحتلة تظل واحدة من القضايا المعقدة التي تمثل رمزًا للصراع بين إيران والإمارات، بل وبين إيران وجيرانها الخليجيين بشكل عام. ورغم مرور عقود على احتلال الجزر، فإن الإمارات لا تزال تتمسك بمطالبها باستعادة سيادتها، مدعومة بالدعم العربي والدولي.
إن مستقبل القضية يعتمد بشكل كبير على المتغيرات الإقليمية والدولية، وعلى طبيعة العلاقات بين إيران ودول الخليج. وفي ظل استمرار التوترات السياسية في المنطقة، يبدو أن الحلول السلمية قد تبقى بعيدة المنال، إلا أن الإمارات تؤكد أنها لن تتخلى عن حقها، وستواصل السعي لاستعادة أراضيها بالطرق السلمية والدبلوماسية.
اقرا ايضا: أغرب 7 أمراض نفسية عبر التاريخ: قصص وظواهر غير مألوفة في عالم الطب النفسي