في 19 غشت 2017 , في داكار عاصمة السينغال وأمام حشد من الناس قام ناشط من البنين اسمه كيمي سيبا بإحراق عملة ورقية من فئة 5000 فرانك إفريقي وهي ورقة نقدية تعادل 7.6 يورو , خلال احتجاج سلمي ضد أكبر فضيحة مالية وعملية نصب دولية بطلتها فرنسا وضحيتها 14 دولة إفريقية ومازالت مستمرة الى اليوم وهي “Francafrique”
في نفس اليوم تم القبض على كيمي سيبا بعد شكوى قدمها البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO) بتهمة “إتلاف ورقة نقدية” وتم احتجازه على ذمة المحاكمة ، ليطالب المدعي العام السنغالي بسجنه 3 أشهر وترحيله الى فرنسا حيث ولد .
وقبل هذه الحادثة بست سنوات وبالضبط في نوفمبر2011 ، أُلقي القبض على ثلاثة صحفيين يعملون في صحيفة نوتغ فوا في كوت ديفوار، وهم سيزار إيتو وديدييه ديبري وبوجا سيفوري ، في العاصمة أبيدجان ووجهت إليهم تهمة “محاولة التعدي على اقتصاد الدولة”. ماذا كانت جريمتهم ؟ الجريمة هي نشر مفادها أن فرنسا كانت على وشك خفض قيمة الفرنك الأفريقي ،الامر الذي أثار حالة من الذعر والهلع في وسط وغرب أفريقيا , ليثبت لاحقا أن تلك الأشاعة كانت مجرد كذبة وتمت تبرئة الصحفيين الثلاثة .
لم يتوقف الامر هنا ففي يونيو 2018، أصدرت مجموعة من الموسيقيين من غرب أفريقيا أغنية راب بعنوان، “سبع دقائق ضد الفرنك المالي” ، كانت كلمات الاغني تصف عملة cfa بأنها أداة للقمع في عصر الحرية ,وفي يناير
في يناير 2019 ، أشعل نائبة رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو الجدل وحرك زوبعة من النقاشات بعدما ألقى باللوم على فرنسا في إفقار إفريقيا وتشجيع الهجرة إلى أوروبا . لويجي اتهم فرنسا بصريح العابرة بالتلاعب باقتصادات دول افريقية عن طريق عملتها القذرة Francafrique وقال دي مايو بالحرف : “فرنسا هي إحدى تلك الدول التي من خلال طباعة النقود لـ 14 دولة أفريقية، تمنع تنميتها الاقتصادية وتساهم في مغادرة اللاجئين ثم يموتون في البحر أو يصلون إلى سواحلنا”.
كل هذه الاحداث وغيرها العشرات كان محركها هو عملة Francafrique أو كمى تسمى سي اف ايه , العملة الاكثر اثارة للجدل في العالم والتي بقيت تابو يحرم الحديث عنه وتم حجبها عن الاعلام لعشرات السنين , الحديث هنا عن أكبر فضيحة مالية في العالم فما هي قصة هذه العملة ولماذا يتم التكتم عنها في الاعلام . اربطو الحزام فهذه الحلقة ستكون دسمة للغاية
أفريقيا تعاقب على احتلالها عدة دول وامبراطوريات منها إيطاليا واسبانيا والرومان والانجليز ومن بين هؤلاء لم يذكر التاريخ احتلال أشر من فرنسا , كل تلك القوى غادرت افريقيا وتركت ورائها صراعات قبلية وحدود تعسفية , وأنشأت دول لم تكن موجودة على حساب اراضي دول أخرى , ومحت ثقافة شعوب ولغاتها وتركت ورائها مجتمعات من المستوطنين البيض العنصرين , لكن كل هذا الظلم لم يكن كافيا بالنسبة للفرنسيين . بل حرصت على عدم تقديم الاستقلال لغالبية تلك الدول حتى تضمن أمن كل مصالحها ، ولكي لا تفقد فرنسا السيطرة على مستعمراتها وتتركها غنيمة لمحتل اخر غيرها لاستنزاف ثرواتها ابتكرت طريقة لتكبل هذه الدول بسلاسل واغلال وتربطها بها للأبد وبطريقة جهنمية حتى ابليس لم تخطر على باله وهي اختراع عملة اسمها الفرنك الأفريقي واجبار تلك المستعمرات على استعمالها وبالقوة
في 25 ديسمبر سنة 1945 أصدرت فرنسا على يد جنرلها ورئيسها شارل دي غول ووزير ماليته رينيه بليفين، ووزير المستعمرات جاك سوس تال مرسومًا بإنشاء «نظام مصرفي خاص» تحت مسمى «منطقة فرنك» في مستعمرات فرنسا الإفريقية ، وإنشاء عملة افريقية موحدة خاصة بهذا النظام قيمتها 2 فرنك فرنسي ويتم ربطها مباشرة بالفرنك الفرنسي ، بهدف ربط تلك المستعمرات بفرنسا ربطًا أبديًا . فقد قال ميشيل دوبريه رئيس وزراء فرنسا في بداية الستينيات بالحرف “لقد منحناهم استقلالهم ولكن بشروط تلزمهم بتنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة بيننا، بحيث لا يمكنهم الحصول على واحدة دون الأخرى”.*
هذا المرسوم الشيطاني أمر بإصدار عملتين ،العملة الاولى لمستعمرات فرنسا على المحيط الهادئ ، والثانية هي فرنك عملة CFA لمستعمرات فرنسا بإفريقيا . وما يحدد قيمة هذه العملة ليس قوة الاقتصاد كما في العالم بأكملة لا أبدا ، بل عملة CFA تنخفض وترتفع أمام العملات الاجنبية مثل اليورو والدولار بنفس مقدار ارتفاع/انخفاض الفرنك الفرنسي أمام هذه العملات
وكان مطلوب من هذه الدول الافريقية إيداع كامل احتياطاتها من النقد الأجنبي لدى وزارة الخزانة الفرنسية ، التي كانت هي من تقرر وتملي السياسة النقدية وتحدد متى وكيف يمكن للحكومات الوصول إلى الأموال ،ثم خفضت تلك النسبة إلى 50% خلال العقد الأول من الألفية الجديدة . بل وكانت كانت فرنسا هي الوحيدة القادرة على تحديد سعر صرف هذه العملة متى ما شائت .
ولكي أقرب لكم الفكرة تخيل أنك وضعت مليون دولار في بنك فرنسي فاذا بهذا البنك في اليوم الموالي يقول لك والله مليون دولار الخاصة بك انخفضت قيمته واصبحت قيمته فقط نصف مليون وبعد يومين يتصل بك البنك مجددا ويخبرك ولله النصف مليون الان اصبح قيمته ربع مليون هذا هو السوق , الكارثة والمصيبة أن حتى تلك الأموال الخاصة بك ذلك البنك هو من طبعها لك وهو من يحدد قيمتها , أي أنه بالبلدي يتم سرقة أموالك عيني عينك والمصيبة الثانية هي أنه لا يمكنك سحب أموالك متى ما أردت اما المصيبة الثالثة هي أنك ترى وتسمع عملية السرقة ولكن لا يمكنك فعل أي شيئ بل أنت مجبر على العمل وضخ كل أموالك في هذا البنك الى الابد
بقي الحال كما هو عليه الى سنة 1958 ، ومع تزايد مشاعر الكراهية تجاه فرنسا بين شعوب مستعمراتها الافريقية واحساسها بأن الاستقلال في إفريقيا أصبح مصيرا لا رجعة فيه ، قام الجنرال الفرنسي شارل ديغول بتنظيم استفتاءً لتلك الدول الافريقية ، والاستفتاء كان كالتالي : هل تقبل بالاستقلال بسلام لكن بشروط اقتصادية – سياسية . اغلبية الدول قبلت ووقعت على الوثيقة التي ستجعل فرنسا تملك رقابهم لسنوات
منطقة نفوذ تتغلغل في 15 دولة افريقية بمجموع سكان يبلغ أكثر من 187 مليون نسمة ، تنقسم منطقة نفوذ الفرنك الى إلى ثلاثة اتحادات نقدية ؛ الأول الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا UEMOA، مكون من ثماني دول وهي هي بنين، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار، وغينيا-بيساو، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوجو، والاتحاد الثاني هو الاتحاد النقدي لوسط إفريقيا CEMAC ، ويضم ست دول؛ وهي الكاميرون، والكونجو، والجابون، وغينيا الإستوائية، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، والاتحاد الثالث هو الاتحاد النقدي لجزر القمر .
ولكي تحس بالشر في الكائن الفرنسي فكل هذه الدول الافريقية صكت لها فرنسا عملة خاصة وأُجبرتها على الارتباط بعملة الفرنك الفرنسي وبسعر صرف ثابت ، بل وتخضع لمعايير نقدية موحدة تحددها باريس
بعد موجة الاستقلال في افريقيا في الستينيات ، الكثير من الدول اتجهت نحو صك عملتها الخاصة ورسم سياسات نقدية وطنية للتحرر من التبعية المالية لفرنسا ، مثل تونس والجزائر والمغرب ، في حين بقيت الدول الأفريقية الأخرى مرتبطة بالفرنك الفرنسي ، حتى بعد أن غيرت فرنسا عملتها من الفرنك لليورو وهذا قمة الاذلال والاستعباد من دولة شعارها حرية عدالة اخوة
هناك 4 مبادئ أساسية تسير علاقة فرنسا مع دول سي ايف ايه ، أولا تضمن وزارة الخزانة الفرنسية بلا حدود قابلية تحويل الفرنك الأفريقي “ثانياً، الفرنك الأفريقي قابل للتحويل في سعر الصرف الثابت إلى الفرنك الفرنسي (الآن اليورو) . ومن الممكن أن يتغير سعر الصرف الثابت هذا ، ولكن بموافقة فرنسا فقط . ثالثًا، لا توجد ضوابط قانونية على تحركات رأس المال داخل منطقة
(CFA) . ورابعاً، يتعين على تلك الدول تجميع ما لا يقل عن 65% من احتياطياتهم النقدية في حساب للخزانة الفرنسية “.
ولعل هذه النقطة الأخيرة هي الأكثر إثارة للجدل : فمن خلال إيداع مثل هذا القسم الضخم من احتياطياتها الأجنبية في حساب تديره فرنسا ، تفقد تلك البلدان الافريقية المسكينة السيطرة على سياستها النقدية . بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لأعضاء CFA استخدام هذه الأموال كضمان للحصول على الائتمان لأن الاحتياطيات في الأساس محفوظة باسم فرنسا وأين في الخزينة الفرنسية .
ﻓمنذ ﻋﺎﻡ 1947 ﺇﻟﻰ 1975 ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻭﻝ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﻚ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ملزمة ولعقود من الزمن بوضع كامل ﺃﺻﻮﻟﻬﺎ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ في ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ . وبين ﻋﺎمي 1976 و2007 ﺗﻢ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ 64%، ﻭﻣﻦ 2007 ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺗﻘﻮﻡ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺈﻳﺪﺍﻉ 50% ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻟﻬﺎ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ في ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ، أي ما يقارب 600 مليار دولار , هل هذا يكفي جشع مصاص الدماء فرنسا لا طبعا , فهي تقوم باستثمار تلك الاموال الضخمة من جديد وكل الأرباح والفوائد الناتجة عن الاستثمار بأموال الافريقيين المودعة في خزائنها كلها تذهب لجيوب فرنسا ,
المأساة لا تتوقف هنا , فالفرنك الإفريقي لا يطبع في افريقيا بل يتم طباعته في مدينة شاماليير أين في فرنسا ، بحيث يضمن البنك المركزي الفرنسي سيولة العملة مقابل ضريبةٍ تقدر بمليارات الدولارات تدفعها تدفعها حكومات هذه الدول من جيوب شعوبها ، أي أن تشبيه فرنسا بمصاص الدم هو في الحقيقة تشبيه هين مقابل كل هذا الشر الذي تقوم به .
فالاتفاقية الموقعة بين فرنسا والجمهوريات الأعضاء للاتحاد النقدي للفرنك التي هي طبعا كمن يوقع وعلى رأسه كلاشينكوف فرضت التدخل المباشر لفرنسا في الإدارة ، حيث تنص المادة العاشرة من الاتفاقية الملعونة على تعيين عضوين فرنسيين في المجلس الإداري للبنك المركزي لدول غرب إفريقيا الذي اسسته فرنسا اصلا . وعلى هذا الأساس، ووفق المادة 81 من النظام الأساسي للبنك ، فإن لهذين العضوين من بين 16 عضوًا للمجلس حق الفيتو علي أي تصويت تتخذه إدارة المجلس ، وبالتالي فأي قرار يعارض مصالح فرنسا الاقتصادية يستحيل التصديق عليه من المجلس الإداري لهذا البنك ومع وجود ممثلين فرنسيين في مجالس إدارة كلا البنكين المركزيين، فإنهم يعتمدون بشكل شبه كامل على الموافقة الفرنسية لتحديد أسعار الفائدة الخاصة بهم ، أو التحكم في كمية الأموال داخل اقتصاداتهم.
بل لم يكن بمقدور دول الفرنك الإفريقي الحق في تحويل عملاتها إلى عملات اجنبية خارجية (مثل الدولار واليورو والين )، إلا بإذن من فرنسا وعلى أساس ما تُخصصه فرنسا من ميزانيتها لتمويل عملية التحويل , بل حتى أن الفرنك الإفريقي نفسه لم يكن قابلًا للتحويل إلا داخل الاتحادات النقدية الثلاث الموجودة في منطقة الفرنك ، وفي عام 1993 منعت فرنسا كلا العملتين الاستعماريتين من التداول حتى بين تلك الاتحادات النقدية نفسها .
مثلاً ألزمت فرنسا المُصدرين في البلدان التابعة لها بتحويل 80% من عوائدهم بالعملة الصعبة لصالح البنك المركزي خلال شهر من تلقيهم تلك العوائد . بل ودفعت البنوك المركزية الثلاث الموجودة في منطقة الفرنك لاستثمار الـ 50% المتبقية في حوزتها من احتياطاتها النقدية في السندات الفرنسية ، أو السندات المقومة باليورو، فتصبح بذلك المتحكم الفعلي في الاحتياطات النقدية لتلك الدول .
كانت غينيا واحدة من المستعمرات الفرنسية التي تم طرح فيها استفتاء الاستقلال الصوري من قبل الجنرال شارل دي غول في 28 سبتمبر 1958 ولكن تم رفضه من قبل أحمد سيكو توريه ، الذي كان قائدا افريقيا مناهضا لفرنسا . ورغم ذلك استقلت غينيا في 1958 ، وأصبح أحمد سيكو توريه أول رئيس لغينيا بعد الاستقلال ، بعد سنتين وبالضبط في سنة 1960 ، قرر أحمد إصدار عملة وطنية خاصة بالدولة , لتقوم فرنسا بدعم الجماعات المتمردة ضد سيكو توريه ودعمت عمليت تخريبية وارهابية ، لم يقف الامر عند هذا الحد فقد قامت المخابرات الفرنسية بضخ كمية هائلة من العملات المزورة في الأسواق , الشيئ الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الغيني تماما كما خططت فرنسا , والتي أرادت ايصال رسالة واضحة إلى غينيا ولكل البلدان التي نالت وستنال استقلالها “من سيقرر بدون اذني ويريد أن يكون حرا في قرارته سأحاربه« وإذا كنت تريد البقاء في السلطة، فيجب أن تكون على علاقة جيدة مع ماما فرنسا»
وفي بداية الستينيات حاولت توغو أن تحذو حذو غينيا وتذهب في طريق التحرر من الفرنك الافريقي ، قبلت فرنسا بحق توجو في إنشاء عملتها الوطنية الخاصة مع شرط البقاء في منطقة الفرنك . غير أن توغو اعتقدت أنها أخيرا تحررت ويمكن لها كأي دولة طبيعية أن تنشر علاقات تجارية واقتصادية مع أي دولة تريديها او هكذا تصورت , فتوجهت نحو تكوين شراكة تجارية مع كلٍ من ألمانيا ، والولايات المتحدة ، وفي 12 ديسمبر 1962 ، أعلن ، سيلفانوس أوليمبو ، قانون إنشاء البنك المركزي التوجولي والبدأ في صك عملة وطنية خاصة بتوجو . فرنسا أسست بخطر خروج لوغو عن سيطرتها خصوصا تحت قيادة سيلفانوس لتقوم في الثالث عشر من يناير 1963 باغتياله رميا بالرصاص أمام السفارة الأمريكية في لومي على يد ضباط في الجيش الفرنسي
لتكون بذلك رسالة تحذيرية لأي دولة افريقية من مستعمراتها في حال ما قرروا التمرد عن عملة الفرنك الأفريقية ,
في بادئ الامر وفي سنة 1945 أي نفس سنة اصدار مرسوم شارل دي غول ، كان الفرنك الفرنسي يساوي 0.588 فرنك أفريقي. و في 1948 اي بعد ثلاث سنوات فقط نزلت قيمته الى 0.5 فرنك أفريقي لكل فرنك فرنسي واحد , استمرت العملة الاستعمارية بالانخفاض حتى بلغت عام 1960 0.02 فرنك أفريقي .
غير أن الأسوأ لم يأتي بعد . ففي عام 1994 ، قررت باريس ومن جانب واحد وبدون سابق انذار إعادة النظر في مساواة او تكافئ الفرنك الفرنسي مع الفرنك الأفريقي . كان هذا الامر بمثابة كابوس لكل الأفارقة الذين شاهدوا بأم أعينهم رؤساءهم ورؤساء بنوكهم المركزية يوقعون على إعلان داكار ويوافقون على قرار باريس الملعون بتخفيض قيمة الفرنك الأفريقي إلى 50 في المائة من قيمته البالغة 1 فرنك فرنسي ، فنزلت قيمته من 0.588 عام 1945 الى 0.01 فرنك أفريقي عام 1994 . سبب هذا الامر عواقب وخيمة وكارثة انسانية على كل المنطقة الافريقية . وانهارت القوة الشرائية لملايين الأسر وارتفعت تكاليف الاستيراد و أسعار كل شيء إلى عنان السماء .
مع تزايد السخط والغضب الشعبي في الدول الافريقية ضد فرنسا بدأنا نسمع كثيرا عن انقلابات عسكرية اول اهدافها قطع الحبل السري الذي يربط فرنسا بافريقيا واخرها انقلاب ثلاث من أهم دول الساحل والدول التي تعتمد عليها فرنسا بشكل حيوي في الثروات الطبيعية التي تحرك عجلة اقتصادها وهي مالي وبوركينا فاسو والنيجر , ويتوقع أن تتبعها دول أخرى قريبا جدا ،
حاولت فرنسا تدارك المصيبة فقد أحست أن افريقيا بدأ تفلت من يدها بل وأكثر من ذلك هذه الدول بدأت تعقد اتفاقيات مع عدوها اللدود وهي روسيا بارسالها لمرتزقة الفاغنر في كل من مالي النيجر وبوركينافاسو فماذا فعلت ، قام الرئيس الفرنسي ايمانويل ميكروب القيام ببعض الصلاحات اقتصادية مركزة في ثلاث قرارات اساسية ، أولا تغيير اسم العملة الى «الإيكو» وهي اختصار ل للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) والتي انسحبت منها مالي قبل اسبوع من الان ، الثاني الممثلين الفرنسيين لن يجلسوا بعد الآن في هيئات البنوك المركزية المسؤولة عن إصدار الأوراق النقدية ومراقبة حجم العملة والائتمان . الثالث هو إلغاء البند الذي يلزم الدول الافريقية بإيداع 50% من احتياطيات النقد الأجنبي في الخزانة الفرنسية .
غير أن المضحك أن فرنسا يا سبحان الله تعشق الخروج من الباب الامامي والدخول من الباب الخلفي فرغم ما قام به ميكروب من اصلاحات الا ان هذه الدول ملزمة ومجبرة على تقديم تقارير يومية إلى فرنسا لـ«ضمان قابلية التحويل» من العملة الجديدة إلى العملات الصعبة ، وأيضا قبل أن تسحب فرنسا ممثليها في مجالس البنوك المركزية ، قامت أولا بتوقيع اتفاقيات نقدية جديدة تنص على أنه في أي وقت يمكن إعادة الممثلين الفرنسيين .
وهذا الامر يجب أن نعترف به الفرنسيين حقا ماكرين وأشرار بطريقة تجعل ابليس نفسه يقول اللهم اني أبرأ اليك م هؤلاء ، وحتى بالنسبة للعملة لم يكن الامر سوى تغيير اسم فقط بدون أي تغير جذري في السياسة النقدية
دائما أقول لكم بأن فرنسا هي أكثر احتلال شرا في التاريخ فقد فاق الاحتلال الاسرائيلي الدموي والامريكي والبريطاني بسنين ضوئية ، كلما تعمقت أكثر في تاريخ فرنسا خصوصا مع افريقيا سيشيب رأسك مما ستعرفه ، ،إذا كانت هناك نصيحة سأقدمها لكم وستشكرونني عليها هي قراءة كتاب آخر عملة استعمارية في افريقيا : قصة فرنك CFA africas last colonial currency