لماذا تفشل الأمم : أصول القوة والازدهار والفقر ، هو كتاب للخبير الاقتصادي دارون أسيموجلو وعالم السياسة جيمس أ. روبنسون، الكتاب يتعمق في واحد من أكثر الأسئلة جوهرية التي واجهت المجتمعات البشرية وهو : لماذا تنجح بعض الأمم اقتصاديًا وسياسيًا في حين تفشل الأخرى ؟ . مؤلفو كتاب *لماذا تفشل الأمم* يتبنى الكتاب اطروحة مفادها أن نجاح أو فشل الأمم يمكن أن يُعزى إلى حد كبير إلى طبيعة مؤسساتها السياسية والاقتصادية . ويقسمان هذه المؤسسات إلى فئتين : المؤسسات *الشاملة* و المؤسسات *الاستخراجية*.
المؤسسات الشاملة و المؤسسات الاستخراجية
المؤسسات الشاملة ، هي المؤسسات التي تعزز المشاركة الواسعة للشعب في الاقتصاد وتوفر حكم عادل يكون فيه الناس سواسية اما القانون وتحمي حقوق الملكية والحريات الفردية . المؤسسات الشاملة تنبني على التوزيع العادل للثروة وأهم شيء دعم الابتكار والبحث العلمي , ومن أقوى الامثلة على هذه المؤسسات الدول الاسكندنافية كالسويد والنرويج والدنمارك وفنلندا بفضل هذه السياسات، تتمتع الدول الإسكندنافية بمستويات عالية من الرفاهية والتعليم الجيد وطول عمر اكبر من بقية الشعوب ، وتعتبر من بين الأعلى في مؤشرات المساواة السعادة وجودة الحياة .
المؤسسات الاستخراجية العكس تماما ، فهي المؤسسات التي تحتكر السلطة والثروة، وتعمل على استغلال الموارد الاقتصادية والسياسية لصالح فئة قليلة على حساب باقي أفراد المجتمع . هذه المؤسسات تهدف بشكل أساسي إلى استخراج أكبر قدر من الفوائد والموارد لفئة محددة، سواء كانت نخبة حاكمة أو طبقة اقتصادية معينة، وتركيز الثروة كلها في يدها ورمي الفتات للبقية . وهذه الطبقة الحاكمة لا تملك أي حافز لإصلاح النظام ، لأنها تستفيد من الوضع الراهن .
إقرأ أيضا : لماذا اليابان ليس لها جيش؟
يقول كتاب لماذا تفشل الأمم أن الدول التي تتمتع بمؤسسات شاملة تنمو وتتقدم بشكل أكثر ثراءً واستقرار ، في حين أن الدول التي تمتلك فقط مؤسسات استخراجية هي الاكثر أكثر عرضة للركود الاقتصادي والفقر وعدم الاستقرار . والسبب هو أن المؤسسات الشاملة تشجع المواطنين على الاستثمار والابتكار بل وأخذ المجازفات في بناء المشاريع . من جهة أخرى، المؤسسات الاستخراجية تبني بيئة احتكارية حيث يستفيد قِلة مختارة فقط من الثروة التي تولدها الأمة ، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفساد وعدم المساواة بل الاخطر هو قتل الابداع في فنوس الافراد .
فرضيات الجغرافيا والثقافة والجهل
أحد الجوانب الرئيسية لكتاب * لماذا تفشل الأمم * هو تحديه للنظريات التقليدية التي تحاول تفسير سبب ازدهار بعض الأمم بينما تتعثر أخرى . ينتقد أسيموجلو وروبنسون ثلاثة تفسيرات رئيسية : الجغرافيا والثقافة والجهل. :
فرضية الجغرافيا
تفترض أن الدول الواقعة في المناطق المعتدلة مناخيا ، والتي غالبًا ما تكون أقل عرضة لأمراض مثل الملاريا ولديها المزيد من الأراضي الصالحة للزراعة ، يكون تطورها الاقتصادي أفضل .المؤلف أسيموجلو وروبنسون يعارض هذه الفكرة ويرى بانها غير صحيحة على ارض الواقع فهناك عدة أمثلة لبلدان لها نفس الجغرافيا ونفس العرق ولكن بسبب اختلاف النظام السياسي نجد الفرق بين بعضهما كالفرق بين السالب والموجب .
أحد أقوى الأمثلة والأكثر إقناعًا في هذا كتاب لماذا تفشل الأمم هو تقسيم كوريا الشمالية والجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية . كانت الدولتان في الأصل دولة واحدة لهما نفس الشعب نفس الارض نفس الموارد والثقافة ، إلا أنهما مختلفتان كاختلاف الملح والسكر بسبب الاختلاف الجذري للنظام السياسي لكل منهما . احداهما ديموقراطية ذات مؤسسات شاملة واخرى عسكرية دكتاتورية شيوعية ذات مؤسسات استخراجية
مقالة أخرى : أغلى 10 كتب في العالم : أرخصها يبلغ 7.5 مليون دولار
تبنت كوريا الجنوبية مؤسسات شاملة، مع اقتصاد قائم على السوق وحكم ديمقراطي يشجع على الابتكار والاستثمار. واليوم، تعد كوريا الجنوبية واحدة من أغنى الدول وأكثرها تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم . في حين كوريا الشمالية دولة منبوذة عالميا الكل يتفاداها كالكلب المسعور , دولة تعيش في منتصف القرن العشرين ولو سافرت اليها ستحس بأنك سافرت عبر الزمن للماضي , دولة ينهشها الفقر والفساد والجهل
وعلى النقيض من ذلك، أسست كوريا الشمالية نظاماً يعتمد على المؤسسات الاستخراجية في عهد كيم إيل سونغ، حيث احتكرت الدولة الموارد وكانت الحريات السياسية معدومة تقريباً . تسيطر الحكومة على كل جانب تقريباً من جوانب الحياة الاقتصادية ، وعقاب الراي المخالف كيفما هو الموت . ونتيجة لهذا، كانت ولا تزال وستبقى كوريا الشمالية فقيرة ، ليس فيها ادنى مقومات الحياة الانسانية الكريمة .هذا الاختلاف في النظام العام للدولتين سبب اختلاف رهيب في المستوى لاقتصادي والاجتماعي للشعبين الكوري الجنوبي والكوري الشمالي .
الفرضية الثقافية
يقول كتاب لماذا تفشل الأمم أن بعض السمات الثقافية، مثل أخلاقيات العمل أو المعتقدات الدينية، تؤدي بشكل كبير إلى النجاح الاقتصادي للدولة .رغم ان الكتاب يعترف بأن الثقافة يمكن أن تؤثر على السلوك الفردي في المجتمع ، إلا أنه ليست عامل قطعي وحاسم في تحديد مصير الأمة ككل .
على سبيل المثال العديد من بلدان أمريكا اللاتينية تشترك في تراث ثقافي مشترك ولكنها تظهر مستويات متفاوتة من التنمية الاقتصادية بسبب الاختلافات في مؤسساتها , ففنزويلا مثلا دولة مفلسة تغرق في الفساد والدكتاتورية والفقر في حين البرازيل مثلا هي قوة اقتصادية كبرى بل من بين اقوى 10 اقتصاديات في العالم ولها عدة صناعات مثل صناعة الطيران والسيارات وحتى صناعة الاسلحة .
فرضية الجهل
تقول هذه الفرضية أن الفقر هو نتيجة لعدم معرفة القادة بالسياسات الأفضل للنمو الاقتصادي . لكن المؤلفان أسيموجلو وروبنسون يطعنان في هذه الفكرة بدليل ان معظم قادة الدول الفقيرة هم في الحقيقة ليسوا جاهلين بالسياسات الجيدة لشعوبهم بل هم من يختارون عمداً سياسات سلبية تفيد مصالحهم الشخصية على حساب الشعب . ويستخدم المؤلفان دولة زيمبابوي كمثال، حيث نفذت حكومة روبرت موغابي عن سبق اصرار وترصد سياسات شيطانية أدت إلى إفقار الشعب الى ان بلغ مستوى اكل ورق الشجر في حين أغتنت النخبة الحاكمة ومن يدور في فلكها .
مقالة مختارة : رواية البؤساء أحد الاعمال الادبية الخالدة والتي تعكس قضايا العدالة والإنسانية
دراسات الحالة التاريخية في كتاب لماذا تفشل الأمم
تتمثل إحدى نقاط قوة كتاب *لماذا تفشل الأمم* في استخدامه المكثف لدراسات الحالة التاريخية لتوضيح كيف يمكن لأنواع مختلفة من المؤسسات أن تشكل مصير الأمم . ويتعمق المؤلفون في أمثلة من العصور القديمة إلى العصور الحديثة، ويقدمون سردًا مفصلاً لكيفية تأثير المؤسسات على النتائج الاقتصادية عبر مناطق وفترات مختلفة.
يدرس أسيموجلو وروبنسون الثورة البريطانية كلحظة فارقة غيرت مؤسسات ومستقبل بريطانيا للأبد بل ومن تلك اللحظة نشأت القوة الاقتصادية العظمى لبريطانيا . قبل الثورة، كان القصر الملكي في بريطانيا يتمتع بسلطة كبيرة على الاقتصاد وكانت في كثير من الاحيان تستغل اقتصاد الامبراطورية لمصالح شخصية ، الامر الذي دفع بالاقتصاد الى الهاوية . بسبب ذلك أدت الثورة البريطانية عام 1688 لوضع قيود دستورية على الملكية وإنشاء برلمان كمؤسسة قوية لحكم البلاد . هذا التحول نحو المؤسسات الشاملة غير حياة الناس حيث تم حماية حقوق الملكية الفردية ، وتم فرض العقود ، وازدهر الاقتصاد بسرعة . هذا التغيير المؤسسي الجذري شكل الأساس للثورة الصناعية البريطانية التي غيرت وجه العالم .
الاحتلال يبني المؤسسات الشاملة
لكن ما يكشفه الكتاب أن دول الغرب الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا حين كانت تقوم باحتلال بلد ما خاصة في أميركا اللاتينية وأفريقيا فهي من تقوم بتأسيس مؤسسات استخراجية على أرضه مؤسسات هدفها الوحيد أولا رشوة الحكام ليبقوا في السلطة ككلاب حراسة لهم وثانيا استغلال موارد البلد وشفطهم ثم ارساله الى بريطانيا وفرنسا والتي في بلدانهم لا وجود أساسا لتلك المؤسسات الاستخراجية .
إقرأ أيضا : كتاب “حياتك الثانية تبدأ حين تدرك أن لديك حياة واحدة” لرافاييل جيوردانو
كثيراً ما أنشأت القوى الاستعمارية الأوروبية أنظمة تستخرج الموارد من هذه المناطق لصالح نخبة الاحتلال المجرم ، بدون أن تكترث نهائيا لحياة المواطنين في تلك المستعمرات فليذهبوا للجحيم , كل ما يهم هو اليورانيوم والذهب والنحاس والبترول . في أميركا اللاتينية مثلا ، أنشأ المحتل الإسباني أنظمة “إنكوميندا” و”هاسيندا”، التي ركزت الأراضي والثروات في أيدي قِلة فاسدة مرتشية من النخبة ، في حين استعبد و أُجبِر السكان الأصليون على العمل الشاق بالسخرة . أدى هذا النظام إلى ترسيخ التفاوت الطبقي والاقتصادي واعدم اي فرص لمشاركة الناس الفعالة في الاقتصاد .
وبالمثل، في أفريقيا، نفذت القوى الأوروبية المحتلة كفرنسا مثلا مؤسسات استخراجية استغلت ومازال موارد هذه القارة في حين رمت الشعوب للجماعات والتنظيمات المسلحة لقتلها وافقارها . وعندما طالبت هذه الدول باستقلالها ، قبل الفرنسيون بطلبهم في الاستقلال , لكن المحتل دائما مستشاره الشخصي هو ابليس شخصيا , فقد خرجوا من الباب الامامي وعادوا من الباب الخلفي عن طريق الورثة الذين تركوهم في الحكم وهم ابناء تلك البلدان غير أن ولائهم هو لفرنسا , تبقيهم في الحكم ويسمحون لها بسرقة موارد افريقيا بينما تركت الأغلبية فقيرة الى اليوم .
يزعم المؤلفان أسيموجلو وروبنسون أن هذه المؤسسات الاحتلالية كان لها تأثيرمدمر طويل الأمد، وكان الامر أشبه بمسمار جحى , المحتل لا يخرج من أرض الا بعد أن يتأكد أنه لن يقوم لها قائمة وستضل دوما مرتبطة به , ولهذا السبب ما ازلت تلك البلدان لافريقية الى اليوم تحفي الماضي .
الدورات الفاضلة والشريرة للمؤسسات في كتاب لماذا تفشل الأمم
أحد أكثر المفاهيم إقناعًا في الكتاب هو فكرة دائرة الخير والشر التي تخلقها المؤسسات . تميل المؤسسات الشاملة إلى خلق دورات خيرة ، حيث يعزز النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي بعضهما البعض الواحد يكمل الاخر حين يتمتع للفرد بحكم عادل ومساواة ورفاهية يستطيع النجاح والعيش برفاهية ومن ثم يعيد الأفراد الناجحون الاستثمار في مجتمعاتهم وكنتيجة لذلك ستعمل المؤسسات على أكمل وجه وهكذا تستمر الدائرة ويصبح الإبداع والتقدم الاقتصادي مستمر ويتطور ذاتيا . أما الدائرة الشريرة المتكررة فهي على النقيض تماما .
الانتقادات لكتاب ” لماذا تفشل الأمم ”
أعتقد في رايي الشخصي أن قراءة هذا الكتاب يجب أـن يكون الزامي في المدارس بكل صراحة عوض الكتب الفارغة المملة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع التي تجبرنا المدارس على قرائتها بل وتقوم بتضمينها في المناهج التدريسية , هذه هي النوعية من الكتب التي تني شخصية وتفكير ووعي الانسان وتفتح عينيه على ما يحدث في العالم بعيدا عن الاعلام وعن مناهج المدارس المخرب للعقول
كتاب “لماذا تفشل الأمم” لو بحثت عليها في الانترنت باللغة الانجيلزية ستجد أن تقييماته من قبل القراء عالية جدا , واستطيع فهم ذلك بعد قرائتي للكتاب حيث أن روايته مقنعة وأبحاثه الاقتصادية مكثفة ، بل وحتى السهولة والسلاسة في طريقة تقديم الكتاب للمعلومات والابحاث للقارئ , حيث سيكون القدرة للاكاديمي والمتخصص والتى القارئ الطبيعي الفهم والسهل للافكار , لكن رغم ذلك واجه الكتاب الكثير من انتقادات. حيث يزعم البعض أن الكتاب يبسط بشكل مفرط العوامل المعقدة التي تساهم في فشل او نجاح أمة .
كتاب “لماذا تفشل الأمم” يقدم صورة واضحة ودليل حول التحديات التي ستواجه أي دولة تسعى إلى الانتقال من الفقر إلى الرخاء . وبالنسبة للدول النامية ، يقترح الكتاب أن بناء وتعزيز المؤسسات الشاملة هو المفتاح الوحيد . لكن العقبة , او الجبل الكبير امام هذه العلمية هي النخب الفاسدة التي تتحكم في مفاصل الدولة سواء النخب السياسية او لاقتصادية والتي تستفيد من بقاء المؤسسات الاستخراجية وهي التي تقاوم التغيير ، مما يجعل الإصلاح المؤسسي صعب جدا بل وخطير في كثير من الأحيان .