كنا مجرد أطفال في ذلك الوقت نسبب المتاعب , قائل هذه الجملة هو هذا الشخص في الصورة وهو البريطاني كين جامبل ذو 15 سنة ، قد يبدوا لك مراهقا عادي والمتاعب التي يتكلم عنها لربما شجار في الحي أو ازعاج الجيران بالليل , لكن القصة أخطر وأكبر من ذلك بكثير , وراء هذه الملامح يختبئ الهاكر المشهور باسم “كراكا” والذي تمكن من اخترق أقوى جهاز استخبارات في العالم بل كان نائما في فراش مدير وكالة المخابرات المركزية السابق جون برينان ويعلم كل تفاصيل حياته بدون أن يدري هذه , بل واستطاع الوصول واختراق حساب الإنترنت المنزلي لمدير الاستخبارات الوطنية، بالإضافة إلى العديد من بوابات وأدوات الحكومة الأمريكية .

في ذلك الوقت، كان جامبل يبلغ من العمر 15 عامًا فقط . وفي سنة 2015 ، تحول الى ترند عالمي اصبحت صورته على كل قناة تلفزيونية وكل صحيفة ومجلة وشكل الصدمة كبيرة لمجتمع الاستخبارات وسلط الضوء على نقاط الضعف الكامنة حتى في أكثر الأنظمة أمانًا في العالم , لكن ما الذي فعله كين جامبل وما الذي جعله خطيرا الى هذه الدرجة من قبل السي اي ايه
ولد كين جامبل في كولفيل، وهي بلدة صغيرة في ليسترشاير، إنجلترا. وُصِف بأنه مراهق خجول ومنطوٍ على نفسه، وقد وجد العزاء والشعور بالانتماء في العالم الإلكتروني. بدأ اهتمام جامبل بالقرصنة في سن المراهقة المبكرة، مدفوعًا بفتنة بالتكنولوجيا ورغبة في فهم الأنظمة الرقمية والتلاعب بها. كان إلى حد كبير متعلمًا ذاتيًا، حيث تعلم تعقيدات القرصنة من المنتديات عبر الإنترنت والبرامج التعليمية والمجتمعات.
سنة 2015، وفي سن الخامسة عشرة، شارك جامبل في تأسيس مجموعة القرصنة “Crackas With Attitude” (CWA) مع شبان اخرين يحملون نفس الافكار التمردية والخطيرة . ولقبت هذه المجموعة با ابناء انونيموس , اكتسبت مجموعة الهاكرز المراهقين شهرة بسرعة بسبب عمليات القرصنة والتي كانت دوافعها سياسية وفقط ، هؤلاء الهاكز استهدفو شخصيات ومنظمات بارزة داخل حكومة الولايات المتحدة . على عكس غالبية الهاكرز في العالم الذين يكون لديهم هدفين اساسين الاول هو المال والثاني هو المال ايضا , كانت تصرفات مجموعة Crackas With Attitude مدفوعة بمزيج كيميائي غريب يجمع ما بين الرغبة في كشف الظلم والنفاق داخل حكومة الولايات المتحدة . أي هاكرز بدوافع أخلاقية اكثر منها مادية

لم يكن قراصنة CWA هم الأكثر مهارة والاخطر في العالم فهم نسبيا مجرد هواة مقارنة بهاكرز أكثر خطورة وظلو على لائحة اكثر المطلوبين في العالم لسنوات ، لكنهم كانوا مزعجين للغاية . تماما مثل تلك الناموسة صغيرة ويمكنك سحقها بسهولة ولكنها قادرة على منعك من النوم ليلا ، ,لم يكن الأمر يتعلق بالاختراق بقدر ما كان يتعلق بالضجيج والازعاج الذي أحدثوه .
أصبح جون برينان ، مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك ، أحد الأهداف الرئيسية لـ مجموعة CWA . اعتبر جامبل مع رفاقه في المجموعة أن برينان هو رمزًا ورأس لجهاز الاستخبارات الأمريكي ، ومن خلال البيانات التي جمعوها والابحاث التي قاموا بها اعتقدوا أنه منخرط في افعال غير أخلاقية مثل مراقبة حسابات الناس وحياتهم الشخصية وتوغله في عمليات سرية . كان جون برينان بالنسبة لهم كبش الاضحية الذي من خلال استهدافهم له سيلفتون الانتباه إلى كل تلك القضايا الغير الاخلاقية بل والتسبب في إحراج لمجتمع الاستخبارات .

أثناء وضعه لخطة الولوج لبيانات جون برينان واختراقه بشكل كامل نهج جامبل سياسة الهندسة الاجتماعية . والهندسة الاجتماعية هي تقريبا القاعدة التي يبنى عليها مجال الاختراق , فهي ببساطة تمكنك من التلاعب بأي شخص ودفعهم من تلقاء نفسهم للكشف عن معلومات سرية بدون قصد أو منح وصول غير مصرح به إلى نظام كيفما كان . وفي حالة برينان ، استخدم جامبل مجموعة من التكتيكات البسيطة والذكية لجمع بيانات سرية لاختراق كل حساباته . وتمثلت تلك التكتيكات في ثلاث خطوات رئيسية
الخطوة 1: جمع المعلومات الشخصية
بدأ جامبل بالبحث في الإنترنت عن معلومات عامة حول برينان وعائلته سواء التي نشرها الناس حوله او التي سمح هو بنها في حساباته مثل تاريخ ميلاد برينان وعنوانه وأرقام هواتفه . كما بحث في جهات اتصالاته وحتى انتماءاته الدينية والسياسية والأيدولوجية ، والتي يمكن استغلالها ضده .
الخطوة 2 : انتحال شخصية برينان
قام جامبل ومسلحً بهذه المعلومات الثمنية التي جمعها ، بانتحال شخصية برينان في المكالمات الهاتفية مع العديد من مقدمي الخدمات . فمثلا اتصل بشركة فيريزون ، مزود الاتصالات الخاص ببرينان ، وتمكن من إقناع ممثلي خدمة العملاء بأنه فعلا برينان . ومن خلال الإجابة على أسئلة الأمان وتقديم تفاصيل شخصية ، استطاع جامبل الوصول لحساب برينان الخاص في شركة فيريزون .
الخطوة 3 والاخيرة : البريد الإلكتروني وحساباته عبر الإنترنت
الان اصبح لجامبل التحكم الكامل في رقم هاتف برينان ، ولعلمكم امتلاك الرقم الهاتفي للضحية هو مفتاح اختراقه , وبالتاليتمكن جامبل من إعادة تعيين كلمات المرور بكل سهولة وتجاوز كل طرق الامان للبريد الإلكتروني لمدير وكالة الاستخبارات المركزية ونجح في الوصول لحساب بريده الإلكتروني الشخصي على بوابة ويب وموفر خدمة عبر الإنترنت AOL ، وهنا الكارثة حيث أن هذا الحساب احتوى على مستندات واتصالات وبيانات حساسة وخطيرة جدا .

بمجرد دخول جامبل إلى حساب بريد برينان الإلكتروني، وجد مجموعة من المعلومات الحساسة ، كطلبات الحصول على تصاريح أمنية ، وقوائم جهات اتصال لكبار المسؤولين الاستخباراتيين في الولايات المتحدة الامريكية ، وايضا عثر على مراسلات مع مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى كوزراء وسيناتورز ومحافظين . سرب جامبل وزملاؤه بعض هذه المعلومات عبر الإنترنت، مما تسبب في إحراج كبير لوكالة المخابرات المركزية وأثار مخاوف جدية بشأن أمن الحسابات الشخصية التي يستخدمها كبار المسؤولين. , وبعد عملية الخارق هذه قام جامبل في النهاية بالاتصال ببرينان
سأل مدير الاستخبارات لامريكية في المكالمة المراهق جامبل لماذا تفعل هذا , كان جوابه بسيطا نريدك أن تتوقف عن القاء القنابل على دول الشرق الأوسط ولا أعلم اذا كان يقصد كامبل من بين هذه الدول فلسطين المحتلة من اسرائيل حليفة امريكا , لكن فقط من خلال هذا الجواب تستطيع رؤية نوايا جامبل ورفاقه في مجموعة CWA الذين استعملوا مهاراتهم في الهاكينغ لاجل اهداف اخلاقية وهذا ما يطلق عليه ب ethical hacking

اختراق ايميلات وحسابات برينان مدير اقوى جهاز مخابرات في العالم من طرف مراهق عمره 15 سنة شكل زوبعة اعلامية و ردود فعل فورية من وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي يعيش فيها جامبل . أطلق مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الخدمة السرية الأمريكي تحقيقات موسعة في هذه العلمية
في فبراير 2017 ، ألقت السلطات البريطانية القبض على جامبل في منزله في مدينة كولفيل بمقاطعة ستيفينز في الولايات المتحدة الامريكية . وفي السادس من اكتوبر نفس السنة ، أقر جامبل أمام محكمة ليستر كراون بالذنب في ثماني تهم تتعلق بنية تأمين وصول غير مصرح به إلى أجهزة الكمبيوتر ، وتهمتين تتعلقان بتعديل غير مصرح به لمواد الكمبيوتر .
وفي ابريل 2018 ، مثل جامبل أمام المحكمة الجنائية المركزية لإنجلترا وويلز في لندن ليتم الحكم عليه . حيث قال ممثلو الادعاء للمحكمة إن جامبل انتحل شخصية ضحاياه، وخدع مراكز الاتصال التي تديرها كومكاست وفيريزون والحكومة الأمريكية للحصول على إمكانية الوصول إلى الحسابات الشخصية للأفراد بالإضافة إلى معلومات شخصية سرية وتفاصيل العمليات العسكرية والاستخباراتية شديدة الحساسية في أفغانستان والعراق
ضحايا جامبل شملوا جيمس كلابر، المدير السابق للمخابرات الوطنية الأمريكية ، بالإضافة إلى اثنين من المسؤولين الآخرين في إدارة أوباما وهما – أفريل هاينز وجون هولدرن – والعميلة الخاصة لمكتب التحقيقات الفيدرالي إيمي هيس . ونائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي مارك جوليانو ؛ ووزير الأمن الداخلي جيه جونسون ، الذي تم اختراق جهاز التلفزيون الخاص به الذي كتب عليه “أنا أمتلكك” وتلقت زوجته رسالة تهديد صوتية على بريدها الالكتروني .

أصدر القاضي تشارلز هادون كيف حكماً على جامبل بالسجن لمدة عامين ، ومصادرة جميع أجهزة الكمبيوتر التي يمتلكها . وهو ما يعني أن الحكم كان بهدف لإرسال رسالة إلى أي شخص آخر قد يفكر في السير على خطى جامل مستقبلا , وقال القاضي إن المتهم “استمتع” بهجماته حيث كانت هذه الحملة شريرة للغاية من الإرهاب الإلكتروني بدوافع سياسية . وكان الضحايا ليشعروا بانتهاك خطير.
اعترف جامبل بأنه كان وراء سرقة معلومات اتصال خاصة بتسعة آلاف موظف في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية وعشرين ألف موظف في مكتب التحقيقات الفيدرالي لايف بي اي ، والتي تم تسريبها عبر الإنترنت مع رسالة تضمنت : “هذا من أجل فلسطين” . وبعد التحقيقات المعمقة تبين ان جامبل يدير حسابا على تويتر اسم المستخدم الخاص به هو @DotGovs واكتشف المحققون عدة منشورات تنتهي بهاشتاغات مثل “FreePalestine” و”FreeGaza” و”Anonymous” .

جامبل رغم أن ما فعله قانونيا يعتبر جريمة الا أن دافعه هو انساني واخلاقي بحث ضد الظلم الامريكي الذي ينضاف للظلم الذي يرتكبه الاسرائيليون بحق الفلسطيينين والغريب أن عملية الاختراق الخطيرة هذه تمت بعد سنة تقريبا من حرب همجية اسرائيلية على غزة أي في في السابع من يوليو 2014 وكانت تلك “الحرب”، هي الثالثة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، واستمرت “51” يوما، انتهت في 26 عشت 2014 . مخلفة ورائها استشهاد 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً (أعمارهم من شهر إلى 16 عاما) ، و489 امرأةً (20-40)، و102 مسنًا (50-80) في حين الجرحى بلغ عددهم (10870 , وارتكبت إسرائيل في هذه الحرب مجازر بحق 144 عائلة
في أبريل 2018، حُكم على جامبل بالسجن لمدة عامين في منشأة احتجاز الأحداث. أقر القاضي بصغر سن جامبل وحقيقة أنه أبدى ندمه لكنه لم يرتكب أي خطأ.

أثبت اختراق جامبل الناجح لحسابات شخصيات ذات مناصب حساسة وخطيرة جدا في الولايات المتحدة فعالية الهندسة الاجتماعية كتقنية اختراق قوية . وبالرغم من وجود دفاعات تقنية متطورة لدى المخابرات الامريكية وهم أيضا لديهم هاكرز متخصصين فقط في الحماية الدفاعية ضد مخترقين اخرين الا أن جامبل كالاخطبوط فبكل سلاسة وليونة تمكن من استغلال نقاط الضعف البشرية البسيطة التي قد يغفل عنها أي شخص للوصول إلى معلومات شديدة الحساسية .
قضية جامبل سببت الذعر لدى الكثير من الحكومات والاجهزة الاستخباراتية في العالم خصوصا من الطريقة التي استعملها في جمع المعلومات , فقد تبين لهم أن التكنولوجيا أحيانا ليست سوى بيت عنكبوت أمام شخص يفكر خارج الصندوق ، ومجال الهاكينغ يعتمد على ذكاء وفطنة وموهبة الشخص وطريقة تفكيره المختلفة عن بقية الناس أكثر من الاجهزة التي يمتلكها .

بعدما حكم عليه بسنتين سجن زعم محامي جامبل ، ويليام هارباغ، أمام المحكمة أن جامبل يجب أن يُحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ ،كونه لم يقصد أبدًا “إيذاء وإصابة أشخاص على أساس فردي” وأنه كان من المقرر أن يجلس لامتحانات القبول بالجامعة في ويريد متابعة دراسات علوم الكمبيوتر ومهنة “مفيدة” . والاكثر من ذلك أبلغ المحكمة أن جامبل مصاب بالتوحد
الى حدود الساعة تعتبر عملية اختراق كين جامبل لمدير المخابرات المركزية الامريكية جون برينان أحد أكثر حوادث القرصنة جرأة في التاريخ الحديث . وسبب آثار عميقة و بعيدة المدى على الأمن السيبراني وإنفاذ القانون عبر الحدود بين الدول .