بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول خدمة في إسرائيل، كان شخصية مثيرة للجدال على الصعيدين المحلي والدولي. وفي حين يُنسب إليه إنجازات سياسية واقتصادية مختلفة، فإن تورطه في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أدى إلى اتهامات بارتكاب جرائم حرب من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المختلفة والحكومات والنقاد. في هذه المقالة، سوف نستكشف بالتفصيل الرحلة التي أدت إلى تصنيف نتنياهو كمجرم حرب، والتعمق في السياق التاريخي والقرارات العسكرية والاستراتيجيات السياسية والادعاءات التي تحيط بإرثه.
صعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة
بدأ بنيامين نتنياهو رحلته السياسية في أواخر الثمانينيات، لكنه لم يترك بصمة حقيقية على المشهد السياسي الإسرائيلي إلا في التسعينيات. انتخب رئيسًا للوزراء في عام 1996، وتميزت ولايته الأولى بموقف متشدد تجاه الفلسطينيين. شهدت هذه الحقبة تصاعد التوترات، وخاصة فيما يتعلق باتفاقيات أوسلو، وهي اتفاقية سلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كان نتنياهو ينتقد اتفاقيات أوسلو، وعكست سياسات حكومته تحولاً بعيدًا عن مفاوضات السلام نحو موقف عسكري أكثر عدوانية.
تزامن صعود نتنياهو إلى السلطة مع نمو المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي المناطق التي ادعى الفلسطينيون أنها جزء من دولتهم المستقبلية. أصبحت هذه المستوطنات، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، نقطة خلاف مهمة وغذت لاحقًا اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
حربه الارهابية على غزة 2008
وقع أحد الصراعات المبكرة التي ساهمت في سمعة بنيامين نتنياهو الدولية في عام 2008، أثناء حرب غزة (المعروفة أيضًا باسم عملية الرصاص المصبوب). على الرغم من أن إيهود أولمرت كان رئيسًا للوزراء في ذلك الوقت، إلا أن نتنياهو أيد صراحة العملية العسكرية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني، بما في ذلك مئات المدنيين، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان. وزعم الجيش الإسرائيلي أن الهجوم كان يهدف إلى وقف الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس، الجماعة الإسلامية التي تحكم غزة.
وأدانت المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ارتفاع عدد القتلى المدنيين واستخدام إسرائيل للقوة غير المتناسبة. وفي حين لم يكن نتنياهو مسؤولاً بشكل مباشر عن هذه الحرب، فإن دعمه لمثل هذه التكتيكات العدوانية أرسى الأساس لسياساته المستقبلية كرئيس للوزراء وتأييده المستمر للعمل العسكري في غزة.
عملية الجرف الصامد (2014)
خلال فترة ولاية بنيامين نتنياهو الثالثة كرئيس للوزراء، اندلعت واحدة من أهم الصراعات: عملية الجرف الصامد في عام 2014. وقد شن هذا الهجوم العسكري ضد غزة رداً على اختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين من قبل عناصر حماس، فضلاً عن زيادة إطلاق الصواريخ من غزة إلى إسرائيل. واستمرت الحرب 50 يوماً وتميزت بالقصف العنيف ونيران المدفعية والغزو البري لغزة.
ووفقاً للأمم المتحدة، قُتل أكثر من 2200 فلسطيني، منهم حوالي 1500 مدني، بما في ذلك أكثر من 500 طفل. لقد خسر الجانب الإسرائيلي 73 شخصاً، منهم 67 جندياً. ودافع نتنياهو وحكومته عن العملية باعتبارها رداً ضرورياً لحماية المواطنين الإسرائيليين من هجمات حماس.
ومع ذلك، اتهمت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إسرائيل بارتكاب جرائم حرب أثناء الصراع. وتركزت هذه الاتهامات على استخدام إسرائيل للقصف العشوائي في المناطق المدنية المكتظة بالسكان، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات، واستخدام المدفعية في البيئات الحضرية. وأطلق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقاً في الحرب، وانتقد تقريره اللاحق كلاً من إسرائيل وحماس، لكنه ألقى باللوم على الإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
ونفى نتنياهو وحكومته هذه الاتهامات، زاعمين أن حماس كانت تستخدم المدنيين كدروع بشرية وأن إسرائيل كانت تتخذ كل الاحتياطات اللازمة لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين. ومع ذلك، فإن حجم الدمار الهائل وعدد القتلى المدنيين المرتفع أدى إلى إدانة واسعة النطاق لأفعال نتنياهو، مما أدى إلى دعوات متزايدة لمحاسبته على جرائم الحرب.
توسيع المستوطنات الغير قانونية
ومن القضايا الرئيسية الأخرى التي ساهمت في تصور بنيامين نتنياهو كمجرم حرب التوسع العدواني للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. فمنذ عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية، وتحت قيادة نتنياهو، تسارعت وتيرة بناء المستوطنات. وهذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها.
لقد دعم نتنياهو علناً توسيع هذه المستوطنات، بحجة أنها ضرورية لأمن إسرائيل وأن اليهود لديهم الحق التاريخي في العيش في هذه المناطق. ومع ذلك، فإن التوسع المستمر للمستوطنات كان موضع إدانة واسعة النطاق من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من منظمات حقوق الإنسان.
لم تؤد المستوطنات إلى زيادة التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل أدت أيضًا إلى اشتباكات متكررة، حيث غالبًا ما يُتهم المستوطنون الإسرائيليون بالعنف ضد المدنيين الفلسطينيين. وعلاوة على ذلك، اتُهم الجيش الإسرائيلي باستخدام القوة المفرطة لحماية المستوطنين وفرض الاحتلال، مما أدى إلى المزيد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب.
حصار غزة والأزمة الإنسانية
تحت قيادة نتنياهو، اشتد الحصار الإسرائيلي على غزة، مما أدى إلى عواقب إنسانية وخيمة على مليوني فلسطيني يعيشون في المنطقة. تم تنفيذ الحصار، الذي يقيد حركة البضائع والأشخاص داخل وخارج غزة، في عام 2007 بعد استيلاء حماس على المنطقة.
أبقى نتنياهو الحصار، مستشهداً بالمخاوف الأمنية والحاجة إلى منع الأسلحة من الوصول إلى حماس. ومع ذلك، يزعم المنتقدون أن الحصار خلق كارثة إنسانية، مع انتشار الفقر والبطالة وانعدام الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء والإمدادات الطبية. ووصفت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا الوضع في غزة بأنه غير مستدام وحذرت من أنه قد يصبح غير صالح للسكن إذا استمر الحصار.
اتهمت جماعات حقوق الإنسان إسرائيل بمعاقبة السكان المدنيين في غزة بشكل جماعي، وهو ما يشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي. كما ساهم دور نتنياهو في الحفاظ على الحصار في اتهامات بارتكاب جرائم حرب، حيث تدهورت الظروف في غزة بمرور الوقت، مما أدى إلى زيادة المعاناة بين السكان المدنيين.
عدوان غزة 2021 (عملية حارس الجدران)
وقع أحدث صراع عسكري كبير تحت قيادة نتنياهو في مايو 2021 خلال ما يُعرف بعملية حارس الجدران. بدأ الصراع بعد أسابيع من تصاعد التوترات في القدس الشرقية، بما في ذلك الاشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمحتجين الفلسطينيين في مجمع المسجد الأقصى، أحد أقدس المواقع الإسلامية.
بدأت حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل رداً على تصرفات الشرطة الإسرائيلية، مما دفع إسرائيل إلى الرد العسكري الهائل. ونفذت القوات الجوية الإسرائيلية مئات الغارات الجوية على غزة، مستهدفة البنية التحتية لحماس ولكنها ضربت أيضاً المباني المدنية، بما في ذلك الأبراج السكنية والمكاتب الإعلامية والمدارس.
وأسفر الصراع عن مقتل أكثر من 250 فلسطينياً، بينهم 66 طفلاً، بينما قُتل 12 إسرائيلياً. وكما حدث في الصراعات السابقة، دافع نتنياهو عن العملية العسكرية باعتبارها استجابة ضرورية لحماية المدنيين الإسرائيليين من نيران صواريخ حماس. ومع ذلك، اتهمت منظمات حقوق الإنسان إسرائيل مرة أخرى بارتكاب جرائم حرب، مستشهدة بالاستخدام غير المتناسب للقوة واستهداف البنية التحتية المدنية.
فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في الصراع، مع التركيز على جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها كل من إسرائيل وحماس. وانتقد نتنياهو قرار المحكمة الجنائية الدولية، متهماً إياها بالتحيز ضد إسرائيل. ومع ذلك، يمثل التحقيق خطوة مهمة نحو محاسبة نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين على أفعالهم أثناء الصراعات العسكرية.
جرائم الحرب والاستجابة الدولية
على مر السنين، واجه نتنياهو العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وخاصة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية. وتستند هذه الاتهامات إلى القانون الدولي، وتحديدًا اتفاقيات جنيف وغيرها من المعاهدات التي تحكم إدارة الحرب ومعاملة المدنيين في مناطق الصراع.
بعض جرائم الحرب المحددة التي اتُهم بها نتنياهو تشمل:
- القصف العشوائي: تعرضت الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق المدنية المكتظة بالسكان، وخاصة في غزة، لانتقادات بسبب فشلها في التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين.
- العقاب الجماعي: وُصف الحصار المستمر لغزة بأنه عقاب جماعي، لأنه يؤثر على السكان المدنيين بالكامل وليس فقط على مقاتلي حماس.
- المستوطنات غير القانونية: يُعتبر توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية انتهاكًا للقانون الدولي، لأنه ينطوي على نقل المدنيين الإسرائيليين إلى الأراضي المحتلة.
على الرغم من هذه الاتهامات، دافع نتنياهو باستمرار عن أفعاله، مدعيا أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وأن جيشها يتخذ خطوات كبيرة لتقليل الخسائر بين المدنيين. كما اتهم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية بالتحيز ضد إسرائيل والفشل في محاسبة حماس على أفعالها.
تميزت مسيرة بنيامين نتنياهو السياسية بسلسلة من العمليات الارهابية ضد المدنيين والصراعات العسكرية، والسياسات المثيرة للجدل، والانتقادات الدولية. وقد أدى دوره في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخاصة تعامله مع غزة والضفة الغربية، إلى العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. وفي حين يزعم نتنياهو وأنصاره أن أفعاله كانت ضرورية لحماية المواطنين الإسرائيليين من الإرهاب، يشير المنتقدون إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية، وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة كدليل على مسؤوليته.
ومع استمرار المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها في الإجراءات العسكرية الإسرائيلية، فمن المرجح أن يتم تحديد إرث نتنياهو من خلال هذه الاتهامات. وسواء تمت محاسبته في نهاية المطاف على جرائم الحرب أم لا، فإن تأثير سياساته على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوف يكون محسوسًا لسنوات قادمة.
مقالة أخرى: مخدر الأفيون: من أين يأتي , وكيف تم اكتشفه ؟