كتاب الحرب” لبوب وودوارد , لربما سيكون هو الكتاب الاكثر مبيعا لهذه السنة رغم انه لم يصدر الا مؤخرا هذا الكتاب خلق زوبعة وجدل وصراع عالمي كبير . كتاب الحرب ألفه واحد من أكثر الصحفيين اثارة للجدل في أمريكا بل وكان بطل فضيحة سياسية كبيرة تلقب ب”فضيحة وتر غايت ” هذا الكتاب يتعمق في الطرق التي تعاملت بها أمريكا عسكريا وسياسيا في أفغانستان والعراق والشرق الأوسط الأوسع . لكن هذا النوع من الكتب في الغالب لا يحرك شيئا في الشارع العربي رغم أن هناك ما هو أخطر منه ، فمن هو بوب وودوارد وما هي قصة كتاب الحرب ؟ وما هو السر الخطير الموجود فيه الذي جعله يتصدر الواجهة ؟
من هو بوب وودوارد مؤلف كتاب الحرب
بوب وودورد (Bob Woodward) هو أحد اشهر الصحفيين الاستقصائيين الأمريكييين وكاتب في صحيفة *واشنطن بوست* منذ عام 1971 . بوب قد يكون من أكثر الشخصيات الذي أثرت مؤلفاتهم في الاجيال الجديدة من الصحفيين . وُلد في 26 مارس 1943، واشتهر بتحقيقاته الجريئة والخطيرة التي كشفت فضائح سياسية ثقيلة ، مثل فضيحة “ووترجيت” التي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1974.
مقالة أخرى : أكثر دول العالم في معدلات الانتحار الأسباب والتداعيات
بوب وودوارد لم يكن مجرد صحفي عادي فقد كانت يده طويلة جدا وأطول من يد لوفي ، فقد كانت له القدرة على الوصول إلى كبار المسؤولين وساعدته مهاراته في وضع يده على مصادر سرية وحساسة جدا داخل الحكومة الأمريكية ومؤسسات الدولة كالجيش ، مما جعل لمؤلفاته وتحقيقاته نسبة من المصداقية والتأثير بين الناس وصناع القرار .
أجرى مقابلات حصرية مع لاعبين رئيسيين، بما في ذلك كبار المسؤولين العسكريين وضباط الاستخبارات والقادة السياسيين . على مر السنين، ألف العديد من الكتب الأكثر مبيعًا التي تتعمق في كواليس عمل السياسة الأمريكية، مع التركيز على العديد من الرؤساء الأمريكيين والجيش ، ومن تلك الكتب من ركزت على شخصيات بعينها مثل جورج بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب .
في كتابه “الحرب”، تولى وودوارد مهمة التحقيق في السياسة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ، وتقديم نظرة عن قرب للحروب الجارية وعمليات صنع القرار وراءها . وما جعل الناس يتلهفون لكتبه هو أسلوبه السردي التفصيلي والنقل الحي للمواقف السياسية ، ما يجعله من أبرز كتاب التحقيقات الاستقصائية في العصر الحديث.
قصة الحرب: الاستراتيجية والصراعات والأسرار
في جوهره، يروي كتاب الحرب القرارات الاستراتيجية التي اتخذتها الولايات المتحدة لمكافحة ما يسميه بالإرهاب وتحقيق الاستقرار في مناطق مثل أفغانستان والعراق سواء قبل او بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، والتي سرعان ما تحولت محاربة الارهاب إلى أهداف أوسع بما في ذلك إعادة تشكيل الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط وهو ما حدث في الربيع العربي .
يوضح وودوارد بالتفصيل كيف تحولت استراتيجية الولايات المتحدة بمرور الوقت، من مكافحة الإرهاب إلى محاولة بناء الدولة . في مثلا أفغانستان، يقول بوب بأن الجيش الامريكي في البداية ركز على القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان . لكن حين تبين لهم ان هذه المهمة صعبة مثل بلع قطعة صبار ، انتقلت الخطة من محاربة طالبان الى المساعدة في إنشاء حكومة ديمقراطية يمكنها مقاومة النفوذ الإرهابي والتي طبعا ستكون متعاونة مع أمريكا . في العراق تقريبا نفس الشيء ، واجهت الولايات المتحدة بعد النجاحات العسكرية الأولية بعد الغزو تمردات متزايدة وصراعات داخلية وصعود جماعات مثل داعش . ويوضح وودوارد كيف أدت هذه التغييرات إلى طمس أهداف المهمة العسكرية وتوسيع الوجود الأمريكي والذي لم يكن مخططا له .
مقالة مختارة: أفضل 7 روايات أغاثا كريستي : عوالم الجريمة والتشويق
صحفي غارق في دعم الابادة الجماعية
ومع كل سطر تحس بأن بوب وورد بشكل غير مباشر يجمل ويبرر ويحاول اخفاء الجرائم الامريكية في كل من افغانستان والعراق وان لم يستطع فعلى الاقل تزيينها ببعض المصطلحات مثل نشر الديموقراطية ومحاربة الارهاب .
اذا سمعت عن الكتاب وعن الكاتب فقط من خلال ما يقال في وسائل الاعلام سيخيل اليك أن هذا الرجل ارسله الله للناس بالحق المبين وان هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه فقط لانه فضح بعض الحكام العرب ، رغم أن وودوارد صهيوني حتى اخر خلية في جسمه ، خلال قرائتك للكتاب والذي يمكنك انهائه في يومين ، ستجد أن بوب يعمل كطبال للسياسة الامريكية والاسرائيلية من جهة ويعمل كصابون يغسل كل الجرائم التي ارتكبتها امريكا في العراق وافغانستان بل ويبرر ويدافع عن إسرائيل وعن كل ما تفعله من إبادة جماعية وقتل وتهجير في حق الفلسطينيين
أحيانا وأنا أقرأ كتاب الحرب أشعر وكأن الكاتب هو المتحدث الرسمي باسم نتنياهو من شدة الدعم والتبرير لحرب الابادة ، فمثلا يصف الكتاب ما تتعرض له إسرائيل منن تهديد لامنها القومي بسبب وجود حماس في غزة ، ويتحدث عن احداث السابع من اكتوبر على اساس انها عملية ارهابية اجرامية استهدفت مدنيين عزل ، بدون ذكر لاي شيء عن تاريخ القضية الفلسطينية منذ 1948 . وكيف أن حماس هي العقبة الاساسية امام استقرار وازدهار وامن المنطقة كلها , وكأن .
إقرأ أيضا : روايات الجرائم: أشهر 9 كتب و روايات عن الجرائم والغموض
أقوال الحكام العرب في كتاب الحرب
لعل أكثر ما اثار الجدل بشأن كتاب الحرب لبوب وودورد وجهله ينتشر في الاعلام العربي هو فقط ما كان يخص فلسطين وتحديدا تم ذكره من اقتباسات لبعض قادة دول عربية بعد السابع من أكتوبر وأهمهم 5 قادة :
- بلينكن التقى ملك الأردني عبد الله الثاني في 13 أكتوبر 2023، وقال لبلينكن: “حذرنا إسرائيل من حماس، حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل أن تهزم حماس، لكني لا استطيع قول ذلك علنًا”.
- أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قال الأمير لبلينكن في 13 اكتوبر 2023 ، “إن قادة حماس في الدوحة لم يعرفوا أي شيء مسبقًا عن هجمات 7 أكتوبر” من الممكن أن يكون السنوار قد فعل ذلك بمفرده”.
في حين قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن على حماس فهم أن “لا أحد يقبل ما فعلوه” وهنا يقصد طوفان لاقصى , قال بلينكن للامير ”نحن الان بحاجة لقناة تفاوض مع حماس ولكن بعد الحرب لايجب ان تبقى الامور كما كانت (لايجب ان تبقى حماس في الدوحة) “فاجابه الامير” اعرف ذلك، علاقتنا بامريكا مهمة
- في 14 أكتوبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود : “كان على إسرائيل أن لا تأمن لحماس، وقد حذرنا نتنياهو من ذلك مرارًا، فحماس هي جماعة الإخوان المسلمين”، ثم اضاف الأمير فيصل بعد ذلك “لن ندفع دولارًا واحدًا لتنظيف فوضى نتنياهو”
- رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، قال لبلينكن: “يجب القضاء على حماس، لقد حذرنا إسرائيل مرارًا من أن حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، يمكننا أن نمنح إسرائيل المساحة والوقت للقضاء على حماس، لكن يجب على إسرائيل أن تساعدنا أيضًا من خلال السماح بدخول المساعدات الإنسانية وإنشاء مناطق آمنة للتأكد من عدم قتل المدنيين، بجانب السيطرة على عنف المستوطنين في الضفة الغربية”.
- قبل عودته إلى “إسرائيل”، انتقل بلينكن على القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي لم يكن يهمه سوى شئين فقط : الحفاظ على اتفاقية السلام مع “إسرائيل” ، ورفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى مصر.
- في رسالة من عباس كامل لوزير الخارجية الأمريكي، قال : “يجب على إسرائيل أن لا تدخل غزة بريًا دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها يقطعوا رقابهم” .
تابع القراءة: 4 كتب خطيرة تفضح جرائم إسرائيل في فلسطين
صدمة الشارع العربي من كتاب الحرب
ما جعل الشارع العربي يصدم من هذه تصريحات العرب في كتاب الحرب هو ما يسمعونه في الاعلام مقابل ما يقال في الخلفية , وكيف أن بعض الدول تدعي الوقوف الى جانب القضية الفلسطينية في الاعلام والتصريحات وتتبرأ منها في الخفاء فقط خوفا من ردة فعل شعوبها , وبصراحة هذا ليس ذنب السياسيين لان السياسة فن الخداع والمكر والسياسة مستنقع وسخ , لكن ذنب الشعوب التي يتم خداعها كل مرة وبنفس الطريقة ولم تتعلم بعد , الشعوب العربية شعوب تعشق الخطابات الشعبوية وتعشق من يدغدغ مشاعرها .
هذه الصدمة التي تلقاها الناس هي في الحد ذاتها صدمة لان الامور كلها مكشوفة والناس المساكين لا يقرأون , حين كنت أقول لكم أن الجميع له علاقات مع اسرائيل وهناك فقط من كشفها للعلن والبعض مازال يخفيها تحت الطاولة لم ابالغ ولم ازاييد لانني وصلت لمرحة متقدمة في البحث وانشكفت الصورة امامي من زمان , على سبيل المثال خذ هذا التصريح من وزير الخارجية القطري الذي نشر فقط قبل سنتين واستمع جيدا لكل كلمة وضعها حلقة في اذنك :
لماذا أنت مصدوم من هذا الكلام نعم هذا وزير خارجية قطر يتكلم عن العلاقة الاسرائيلية القطرية والتي لن تسمعها في قنوات الجزيرة , وهذه الازدواجية في الخطاب هي في الحال ذاته ما يسبب صدمة لدى الجمهور
بالنسبة لي كل هذه الامور متوقعة , ولاحقاق الحق لو أنني لم اقرأ الكتاب لكنت سقطت في فخ كبير جدا جدا والحمد لله أنني كلفت نفسي وقرأته , فأثناء تصفحي لتويتر اكتشفت الكثير من الاقتباسات الخطيرة جدا جدا المنسوبة لقادة عرب ومسلمين اخرين التي نشرتها عدة حسابات , غالبية تلك الاقتباسات يا اما محرفة أو أنها أصلا غير موجودة او ان الاقتباس في الاساس ليس للرئيس او ذلك القائد العربي بل هو للكاتب نفسه .
هؤلاء الناس يعلمون أن 99 في المئة من سيقرأون تالك التغريدة لن يطلبوا أبدا لقراءة الكتاب للتأكد من هل اصلا الاقتباس موجود او غير موجود , لكن الخذلان العربي والتامر العربي ضد الشعب الفلسطيني المعزول وشعور الشعوب بغضب تجاه قادتها يجعلونهم يصدقون أي شيء يقال بسبب العواطف المشتعلة .
مقالة أخرى: كتب محظورة : خمس كتب تم حظرها حول العالم
اصبح الامر مثلما حدث اثناء وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حين كان منافقون واصحاب المصالح يخترعون أحاديث نبوية وينسبونها للنبي صلى الله عليه وسلم اما لتشويه الاسلام او لمصالح سياسية او اقتصادية . وطبعا بما أنه حديث للنبي فلن يعترض
كتاب الحرب ليس موجه للقارء العربي
ومن الضروري أن نفهم أن هذا النوع من الكتب لا يتم توجيهه أبدا الى القراء العرب , القارئ والمشاهد العربي لا يعطونه في الغرب اي قيمة وهو اصلا ليس مدرج ضمن قائمة الاهتمامات , ولعل أكثر مقولة تفسر هذا الامر هي مقولة للمجرم وزير الدفاع لاسرائيلي موشي ديان العرب لا يقرأون واذا قرأو لا يفهمون وقصة هذه المقولة ستشرح لكم الصورة بكاملها .
قصة موشي ديان ومقولته عن العرب
في الستينيات صحفي هندي شهير اسمه كارانجيا قام بزيارة الى اسرائيل للقاء وزير الدفاع الاسرائيلي انذاك موشي ديان ومدراء لقاء صحفي معه , اثناء ذلك اللقاء شرك موشي ديان للصحفي الهندي الخطة الاسرائيلية بالتفصيل حيث قال له بأن اسرائيل ستدمر الاسطول الجوي المصري بأكلمه ليصبحوا هم اسياد السماء وستنتهي الحرب لصالح اسرائيل
تابع القراءة : فيلم Transcendence : هل يمكن نقل وعي إنسان إلى كمبيوتر
غير لأن الصحفي كارانجيا صدم مما سمعه ولم يتخيل أن وزير الدفاع سيقول هذا الكلام في لقاء صحفي فسأله باستغراب : كيف تكشفون خططكم العسكرية لخصومكم بهذه الطريقة ؟ فأجابه موشي بكل هدوء : “إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون”
وبناء على هذه المقابلة الصحفية قام الكاتب الهندي كارانجيا بتأليف كتابه بعنوان “خنجر إسرائيل” روى فيه تفاصل المقابلة وما دار بينه وبين موشي ديان قبل أن تقع حرب عام 1967 بفترة طويلة ، الصادم في الموضوع أنه حين بدأت الحجرة قامت اسرائيل بتطبيق ما قاله موشي ديان بالحرف أثناء مقابلته مع كارانجيا , لتنتهي الحرب بهزيمة مذلة للعرب وفوز ساحق لاسرائيل في ستة ايام ومنذ ذلك اليوم اطلق على الجيش الاسرائيلي الجيش الذي لا يقهر , فأثبت أن كلامه صحيح لان احدا من العرب لم يقرأ كلامه وحتى ان قرأوه لم يعيروه اي اهتمام ..
مقالة مختارة: 7 أفلام خيال علمي تحولت إلى حقيقة
ومن هنا أريد لأن اصل لنقطة وهي هذا الكتاب ليس موجه لنا بل موجه للقارئ الغربي وما ذكر فيه ليس بالضرورة أن يكون صحيحا مثل الكثير من الكتب التي يكون هدفها تلميع صورة وجرائم اسرائيل تحت غطاء العمل الصحفي الاستقصائي , فمن المعروف عن إسرائيل وعن الصحفيين المساندين لها الكذب , ولعل السابع من أكتوبر عرى الكثير من الاكاذيب الصهيونية التي اذا اردت عدها ستحتاج الى الة حاسبة كمية .
الكتاب يستحق القراءة ولكن القراءة المتأنية مع الاخذ بعين الاعتبار أن كاتب الكتاب هو في الحد ذاته عدو داعم لاسرائيل ومجازرها لحد النخاع ولا يرى فلسطين ولو بنظرة انسانية واحدة , حتى تكون على علم وبالتالي قادر على تحليل ما ستقرأه