تعد شركة ألفابت، الشركة الأم لجوجل والعديد من الشركات التابعة الأخرى، واحدة من أكثر الشركات تأثيراً ونجاحاً في العالم. يرجع صعودها من مشروع متواضع لمحرك بحث إلى عملاق التكنولوجيا العالمي إلى الابتكار والاستحواذات الاستراتيجية والقيادة الجريئة. تستعرض هذه المقالة التاريخ الكامل لنجاح ألفابت، مع تفصيل الأحداث الرئيسية والقرارات والشخصيات التي شكلت رحلتها.
ولادة جوجل: الأساس الذي قامت عليه ألفابت

تبدأ قصة شركة ألفابت مع جوجل، التي أسسها في عام 1998 كل من لاري بيدج وسيرجي برين، وهما طالبا دكتوراه في جامعة ستانفورد. كانت مهمتهما بسيطة لكنها ثورية: تنظيم معلومات العالم وجعلها متاحة للجميع. طوّر الثنائي خوارزمية بحث تسمى PageRank، والتي تقوم بترتيب صفحات الويب بناءً على أهميتها وعدد الروابط التي تشير إليها—وهو تحسن كبير مقارنة بمحركات البحث الموجودة آنذاك.
في البداية، كانت جوجل تعمل من مرآب في مينلو بارك بكاليفورنيا، لكنها سرعان ما اكتسبت شعبية بسبب نتائج البحث المتفوقة التي تقدمها. بحلول عام 1999، حصلت الشركة على تمويل بقيمة 25 مليون دولار من مستثمرين كبار مثل كلاينر بيركنز وسيكويا كابيتال، مما سمح لها بالتوسع بسرعة. جذبت الصفحة الرئيسية البسيطة لجوجل وسرعة تحميل النتائج وغياب الإعلانات (في الأيام الأولى) الكثير من المستخدمين.
طفرة الدوت كوم والنمو المبكر لجوجل

كانت أواخر التسعينيات وأوائل الألفية فترة مضطربة لشركات التكنولوجيا، خاصة بعد انفجار فقاعة الدوت كوم في عام 2000. ومع ذلك، لم تنجو جوجل فحسب، بل ازدهرت. وكانت نقطة التحول الرئيسية هي إطلاق نظام Google AdWords في عام 2000، وهو نظام إعلاني يسمح للشركات بوضع إعلانات مستهدفة بجانب نتائج البحث. أصبح هذا النظام المصدر الرئيسي للإيرادات، محولاً جوجل من مجرد محرك بحث إلى شركة مربحة.
في عام 2001، اتخذ لاري بيدج وسيرجي برين قراراً مهماً آخر: تعيين إريك شميت كرئيس تنفيذي. جاء شميت، وهو تنفيذي مخضرم من شركة نوفيل، بخبرة إدارية كانت الشركة الشابة في أمس الحاجة إليها. تحت قيادته، وسعت جوجل قوتها العاملة وحسّنت بنيتها التحتية واستعدت لإدراجها في البورصة.
الطرح العام وتوسع شركة ألفابت في أسواق جديدة

في 19 أغسطس 2004، طرحت جوجل أسهمها للاكتتاب العام في واحدة من أكثر عمليات الطرح إثارة للاهتمام في التاريخ. عرضت الشركة الأسهم بسعر 85 دولاراً للسهم، وجمعت 1.67 مليار دولار، محققة تقييماً سوقياً قدره 23 مليار دولار. كان الاكتتاب فريداً لأنه استخدم نظام المزاد الهولندي، مما سمح للمستثمرين الصغار بالمشاركة إلى جانب المشترين المؤسسيين.
بفضل رأس المال الجديد، بدأت جوجل في تنويع منتجاتها. في عام 2004، أطلقت Gmail، وهي خدمة بريد إلكتروني مجانية توفر سعة تخزين غير مسبوقة (1 جيجابايت عند الإطلاق، مقارنةً بالعروض الضئيلة التي قدمها المنافسون). وعلى الرغم من أنها كانت في البداية متاحة فقط بدعوة، سرعان ما أصبحت جيميل لاعباً رئيسياً في خدمات البريد الإلكتروني.
شهدت منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين توسعاً عدوانياً من جوجل عبر عمليات الاستحواذ:
- 2005: شراء Android Inc. – استحوذت جوجل على هذا المطور الصغير لنظام تشغيل الهواتف المحمولة، مما وضع الأساس لما سيصبح نظام تشغيل الهواتف الذكية الأكثر شعبية في العالم.
- 2006: شراء YouTube – تم شراؤه مقابل 1.65 مليار دولار، وأصبح المنصة الرائدة لمشاركة الفيديوهات، مولّداً مليارات الدولارات من عائدات الإعلانات.
- 2007: شراء DoubleClick – عملية استحواذ بقيمة 3.1 مليار دولار عززت تقنية الإعلانات لدى جوجل.
هذه الخطوات وضعت جوجل كشركة ليست مجرد محرك بحث، بل كشركة رائدة في مجال الهواتف المحمولة والفيديوهات والإعلانات الرقمية.
صعود نظام أندرويد والهيمنة على سوق الهواتف
كان أحد أكثر القرارات تحولاً في تاريخ جوجل هو الاستثمار في نظام أندرويد. في عام 2008، تم إطلاق أول هاتف يعمل بنظام أندرويد، وهو HTC Dream (المعروف أيضاً باسم T-Mobile G1). وعلى عكس نظام iOS المغلق من آبل، كان أندرويد مفتوح المصدر، مما سمح لعدة شركات تصنيع باستخدامه. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها—بحلول أوائل عام 2010، تجاوز أندرويد نظام iOS في الحصة السوقية العالمية.
كما أطلقت جوجل سلسلة هواتفها الذكية تحت علامة Nexus (ولاحقاً Pixel)، لكن قوتها الحقيقية ظلت في ترخيص أندرويد لشركات مثل سامسونج وهواوي. اليوم، يعمل أندرويد على أكثر من 70% من هواتف العالم، مما يجعله أحد أهم أصول ألفابت.
إنشاء شركة ألفابت : هيكل شركي جديد

بحلول أوائل عام 2010، أصبحت جوجل شركة عملاقة متعددة المجالات، تشمل البحث والإعلانات والهواتف والحوسبة السحابية وحتى المشاريع المستقبلية مثل السيارات ذاتية القيادة. لإدارة هذا التعقيد، أعلن لاري بيدج وسيرجي برين في أغسطس 2015 عن إعادة هيكلة كبرى للشركة، وتأسيس ألفابت كشركة قابضة.
تحت هذا الهيكل الجديد:
- أصبحت جوجل شركة تابعة تركز على المنتجات الأساسية مثل البحث والإعلانات وأندرويد ويوتيوب وكروم.
- تم فصل المشاريع الطموحة الأخرى (المعروفة باسم “Other Bets”) إلى شركات تابعة مستقلة، مثل:
- وايمو (السيارات ذاتية القيادة)
- فيريلي (العلوم الحيوية)
- ديب مايند (أبحاث الذكاء الاصطناعي)
- جوجل إكس (مشاريع طموحة مثل نظارة جوجل ومشروع Loon)
سمحت هذه الهيكلة لألفابت بتبسيط العمليات وتوفير الشفافية للمستثمرين ومنح المزيد من الاستقلالية للأقسام التجريبية.
النجاح المالي لألفابت وهيمنتها على السوق

نمت إيرادات شركة ألفابت بشكل هائل على مر السنين، مدفوعة بشكل أساسي بأعمال الإعلانات التابعة لجوجل. في عام 2023، أعلنت ألفابت عن تحقيق إيرادات سنوية تجاوزت 300 مليار دولار، حيث ساهمت جوجل بالجزء الأكبر منها. ومن أبرز المعالم المالية:
- 2008: أول سنة تتجاوز فيها الإيرادات 10 مليارات دولار.
- 2015: تجاوزت 75 مليار دولار.
- 2021: تجاوزت 250 مليار دولار.
لا تزال أعمال الإعلانات التابعة لجوجل، المدعومة بـبحث جوجل ويوتيوب، الأقوى في العالم. كما نجحت الشركة في التوسع في الحوسبة السحابية عبر جوجل كلاود، التي أصبحت مربحة في السنوات الأخيرة.
الخاتمة
قصة نجاح شركة ألفابت هي قصة الابتكار المستمر والاستحواذات الاستراتيجية والقدرة على التكيف. من مشروع بحثي في ستانفورد إلى شركة تريليون دولار، تعكس رحلتها التطور السريع لعصر الإنترنت. ورغم التحديات التي تواجهها، تظل قدرة ألفابت على إعادة اختراع نفسها ضماناً لاستمرارها كقوة مهيمنة لسنوات قادمة.
اقرا ايضا تسلا : من شركة صغيرة الى أكبر شركة سيارات في العالم