قليلون هم المجرمون الذين تسببت جرائمهم في صدمة وهلع كما فعل جافيد إقبال، القاتل المتسلسل الباكستاني الذي اعترف بقتل 100 طفل في لاهور خلال أواخر التسعينيات. لم تكن جرائمه مجرد أعمال عنف عشوائية، بل كانت مدروسة ومُنفَّذة بوحشية ممنهجة، تاركةً جرحًا غائرًا في تاريخ الجريمة في باكستان. على عكس العديد من القتلة المتسلسلين الذين يعملون في الخفاء، تميزت قضية إقبال بافتخاره الشنيع بجرائمه، حيث قام بتوثيقها بدقة، بل وأرسل رسالة إلى الشرطة يصف فيها أفعاله قبل أن يسلم نفسه.
ما جعل جافيد إقبال أكثر وحشية هو ليس فقط عدد ضحاياه، بل الطريقة البشعة التي تخلص بها من جثثهم، حيث كان يخنق الأطفال، ثم يحلّل أجسادهم في الأحماض قبل أن يلقي بالبقايا في النهر. كانت جرائمه صادمة لدرجة أنها كشفت عن إخفاقات نظامية عميقة في إنفاذ القانون وحماية الأطفال، خاصةً أولئك المنتمين إلى الفئات المهمشة، مثل أطفال الشوارع الذين لم يلاحظ أحد اختفاءهم.
تستعرض هذه المقالة حياة جافيد إقبال، وجرائمه، والقبض عليه، والمحاكمة، وما إذا كان قد نال حقًا العقاب الذي يستحقه.
الجرائم: حكم الإرهاب المنظم

بين عامي 1998 و1999، اجتاحت موجة من الخوف مدينة لاهور مع اختفاء عشرات الأطفال—معظمهم من أطفال الشوارع أو المتسولين أو الهاربين من منازلهم. في البداية، لم تُبلغ عن حالات الاختفاء بشكل واسع، نظرًا لأن الضحايا جاءوا من خلفيات فقيرة، فإما افترض ذووهم أنهم هربوا أو لم يكن لديهم القدرة على مطالبة الشرطة بالتحقيق.
كانت طريقة إقبال في القتل مروعة ومنظمة. كان يغوي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و16 عامًا بالوعد بإطعامهم أو إعطائهم مالًا أو وظيفة. وبمجرد دخولهم شقته، كان يعتدي عليهم جنسيًا، ثم يخنقهم حتى الموت، قبل أن يقوم بتقطيع جثثهم. اعترف لاحقًا بأنه كان يحلل بعض الجثث في الأحماض لتدمير الأدلة بالكامل.
الأمر الأكثر إثارة للرعب هو أن إقبال كان يحتفظ بسجلات دقيقة لجرائمه. فقد أعد دفترًا يسجل فيه أسماء الضحايا وأعمارهم وتواريخ قتلهم. كما احتفظ بملابسهم كـ”تذكارات”، حيث علقها على جدران شقته. وعندما داهمت الشرطة منزله، عثرت على هذا الدفتر، بالإضافة إلى أدوات القتل وممتلكات الأطفال.
لا يزال العدد الحقيقي للضحايا محل جدل. فبينما اعترف إقبال بقتل 100 طفل، لم تتمكن السلطات من تأكيد سوى حوالي 30 حالة بسبب عدم وجود جثث. ومع ذلك، حتى هذا العدد يجعله أحد أكثر القتلة المتسلسلين دموية في التاريخ.
الاعتراف والاعتقال: افتخار القاتل بجرائمه

في ديسمبر 1999، أرسل جافيد إقبال رسالة إلى صحيفة محلية وإلى الشرطة، يصف فيها جرائمه ويعلن عن نيته تسليم نفسه. كانت الرسالة مكتوبة ببرود مروع، وكأنه يسرد معاملات تجارية وليس جرائم قتل. بل وطالب بإعدامه بنفس الطريقة التي قتل بها ضحاياه: الخنق، ثم تقطيع جثته إلى 100 قطعة.
عندما قبضت عليه الشرطة، لم يبدِ أي ندم. بل قام باصطحاب المحققين إلى شقته وأراهم أماكن الجرائم وكيفية التخلص من الجثث. برود أعصابه أصاب المحققين القدامى بالرعب.
أصبحت القضية حديث وسائل الإعلام، حيث أطلق عليه الصحفيون لقب “قاتل لاهور”. ووصل الغضب الشعبي إلى ذروته، مع مطالبات بإعدامه فورًا. ومع ذلك، كان لا بد من اتباع الإجراءات القانونية، حيث حُوكم في قضية هزت النظام القضائي الباكستاني.
المحاكمة والموت الغامض

كانت محاكمة جافيد إقبال سريعة نظرًا لقوة الأدلة ضده. ففي عام 2000، حُكم عليه بالإعدام. كما أمر القاضي بأن يُنفذ الحكم بنفس طريقة قتله لضحاياه—الخنق ثم التقطيع—لكن هذا الجزء من الحكم لم يُنفذ لأسباب قانونية وأخلاقية.
لكن قبل تنفيذ الإعدام، وُجد إقبال ميتًا في زنزانته في أكتوبر 2001، حيث قيل إنه انتحر شنقًا هو وز inmate آخر. رغم أن الوفاة سُجلت رسميًا كانتحار، إلا أن الكثيرين يشككون في هذه الرواية، ويعتقدون أنه ربما قُتل على يد سجناء آخرين أو حتى من قبل السلطات لتجنب فضيحة أكبر.
لا تزال نظريات المؤامرة موجودة حتى اليوم. فالبعض يعتقد أن شخصيات نافذة مرتبطة بإقبال قد تكون دبرت موته لمنعه من كشف المزيد. بينما يعتقد آخرون أن النظام السجني فشل في حمايته من “عدالة السجناء”.
ما بعد الجريمة
تركت قضية جافيد إقبال آثارًا عميقة في المجتمع الباكستاني. فقد كشفت عن مدى ضعف أطفال الشوارع، وعن تقصير الشرطة في تحقيقات المفقودين، وعن مخاطر تجاهل العلامات المبكرة للإجرام. بعد القبض عليه، شهدت باكستان تشديدًا في قوانين حماية الأطفال، لكن المشكلات النظامية ما زالت قائمة.
ألهمت قصة إقبال العديد من الكتب والأفلام الوثائقية، بل وفيلمًا روائيًا مثيرًا للجدل بعنوان “جافيد إقبال: القصة غير المروية لقاتل متسلسل”، الذي واجه انتقادات بسبب تصويره العنيف للجرائم.
في النهاية، يبقى اسم جافيد إقبال مرادفًا للشر المطلق في باكستان. كانت جرائمه من الفظاعة بحيث يصعب استيعابها، وإرثه يذكرنا بوحشية البشر عندما يتحررون من كل القيود الأخلاقية. ورغم أنه تجنب الإعدام الرسمي، إلا أن سمعته كوحش ستظل خالدة—ليس كأسطورة، بل كتحذير من الشر الذي يمكن أن يفعله الإنسان.
اقرا ايضا قصة السفاح تيد بندي: أكثر القتلة المتسلسلين شهرة في أمريكا