تعد قضية احتلال الأهواز واحدة من أهم قضايا الوطن العربي والإسلامي التي شهدها القرن العشرين، لما لها من تبعات تاريخية وثقافية وسياسية عميقة على المنطقة وشعبها. منطقة الأهواز، المعروفة أيضًا باسم عربستان، تقع في الجزء الجنوبي الغربي من إيران. وتمتد على مساحة تُقدر بحوالي 375 ألف كيلومتر مربع. تشتهر الاهواز بتنوعها الثقافي وثرواتها الطبيعية، وخصوصًا النفطية. إضافة إلى تركيبتها السكانية ذات الأغلبية العربية التي تعيش هناك منذ مئات السنين.
الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية للأهواز
تقع الأهواز بمحاذاة الخليج العربي، وتحدها من الشمال إيران، ومن الغرب العراق، ومن الجنوب الخليج العربي. مما يعطيها أهمية استراتيجية كبيرة. تُعد هذه المنطقة واحدة من أغنى مناطق العالم بالنفط والغاز. حيث يُستخرج منها أكثر من 85% من النفط الإيراني، مما يجعلها بمثابة القلب الاقتصادي لإيران. إضافة إلى النفط، تمتاز الأراضي الأهوازية بخصوبتها ووفرة مصادر المياه. حيث يجري نهر كارون الذي يُعتبر أطول وأكبر نهر في إيران، ويُستخدم لري الأراضي الزراعية ولتوفير الماء لمناطق واسعة في إيران.
تاريخيًا، كانت الأهواز تمتلك سيادةً واستقلالاً، حيث كانت تُعرف بإمارة عربستان تحت حكم سلالة عربية، إلا أن الأطماع الإيرانية سرعان ما تكشفت مع دخول القرن العشرين. حينما بدأت إيران بتوسيع نفوذها على المنطقة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.
الأهواز قبل الاحتلال
قبل الاحتلال، كانت الاهواز مملكة شبه مستقلة، يحكمها شيخ من قبيلة بني كعب العربية. وكان الشعب العربي يعيش بحرية في ظل نظام شبه إقطاعي. كانت المنطقة جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى بداية القرن العشرين، حيث تمتعت بحكم ذاتي تحت مظلة الدولة العثمانية. حكمها عدد من الشيوخ العرب الذين أسسوا روابط قوية مع القبائل العربية المجاورة، كما عملوا على بناء علاقات تجارية ودبلوماسية قوية، مما جعل الأهواز مركزاً تجارياً مزدهراً.
في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ البريطانيون باكتشاف موارد النفط الهائلة في منطقة الأهواز، وبذلك زادت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للدول العظمى. ما جعلها محط أنظار القوى العالمية آنذاك. بدأ البريطانيون يتدخلون بشكل تدريجي في شؤون المنطقة، وقاموا بعقد صفقات مع شيوخ عربستان. إلا أن العلاقات لم تكن دائمًا ودية، حيث حاول البريطانيون تعزيز نفوذهم الاقتصادي عبر احتكار النفط. بينما كانت سلالة بني كعب تحاول الحفاظ على استقلال المنطقة.
بداية الاحتلال الإيراني للأهواز
في عام 1925، ومع تزايد الأطماع الإيرانية في المنطقة، استغلت إيران الظروف السياسية العالمية. ولا سيما الضعف الذي كانت تعاني منه الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. قامت إيران بقيادة الشاه رضا بهلوي بحملة عسكرية احتلت من خلالها الأهواز، وألقت القبض على الشيخ خزعل الكعبي. آخر حكام عربستان. هذا الحادث يعتبر نقطة تحول في تاريخ الأهواز. حيث بدأت عملية إيرانية ممنهجة لضم المنطقة وإلحاقها بالدولة الإيرانية. وبدأت السلطات الإيرانية بالتضييق على العرب ومحاولة تغيير الهوية العربية للمنطقة.
التغيرات الديموغرافية والسياسات الإيرانية تجاه الشعب العربي
بعد احتلال الاهواز، بدأت السلطات الإيرانية بفرض سياسات تغيير ديموغرافي ممنهجة. تهدف إلى تقليص نسبة العرب في المنطقة وإحلال الإيرانيين محلهم. عملت السلطات على تهجير العرب إلى مناطق أخرى من إيران، واستقدام الإيرانيين من الأقاليم الفارسية لتوطينهم في الأهواز. كما قامت إيران بتغيير أسماء المدن والقرى العربية إلى أسماء فارسية. حيث تم استبدال اسم مدينة “الأهواز” بـ”أهواز” وتحولت “عبادان” إلى “آبادان” وغيرها من المدن والقرى.
لم تقتصر السياسات الإيرانية على التغيير الديموغرافي، بل شملت أيضًا محاولات لطمس الهوية العربية في المنطقة. حيث فرضت السلطات قيودًا صارمة على تعليم اللغة العربية ومنعت تدريسها في المدارس. كما منعت استخدام اللغة العربية في الدوائر الحكومية ووسائل الإعلام. وفرضت اللغة الفارسية كلغة رسمية وحيدة. هذه السياسات كانت تهدف إلى طمس الهوية الثقافية واللغوية للشعب العربي في الأهواز.
الثورة الإيرانية 1979 وتفاقم الأوضاع
عندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979، بقيادة الخميني، ظن الشعب العربي في الأهواز أن هذه الثورة ستفتح صفحة جديدة من العدل والمساواة. وأنها ستعيد للأهواز بعض حقوقها. لكن سرعان ما خابت هذه الآمال، حيث اتضح أن النظام الجديد استمر على نفس النهج القمعي. بل وازداد قسوةً على الشعب العربي. استمرت السلطات الإيرانية بعد الثورة في قمع التظاهرات التي كانت تطالب بالحقوق العربية. وأُطلقت حملات اعتقال واسعة ضد الناشطين والشخصيات التي طالبت باستعادة حقوق العرب.
المقاومة الأهوازية والانتفاضات الشعبية
رغم القمع الشديد، شهدت الاهواز سلسلة من الانتفاضات والمقاومات الشعبية ضد الاحتلال الإيراني. بدأت المقاومة منذ اللحظة الأولى للاحتلال. حيث تصدى الشعب العربي للقوات الإيرانية، وأقام عدد من الحركات السياسية والأحزاب التي كانت تطالب بالحقوق والاستقلال. من أبرز هذه الانتفاضات كانت “انتفاضة نيسان” عام 2005، التي شهدت تظاهرات واسعة في مختلف المدن الأهوازية، وقد جوبهت بالقمع العنيف من قبل السلطات الإيرانية، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى واعتقال المئات من المشاركين.
كما شهدت الأهواز موجات من الاحتجاجات في أعوام 2011 و2015 و2019، كانت تطالب بحقوق العرب في الحصول على العمل والعيش بكرامة، ومحاربة السياسات التمييزية التي تنتهجها السلطات الإيرانية. ورغم محاولات السلطات الإيرانية إخماد هذه الاحتجاجات بالعنف، إلا أن صوت المقاومة الأهوازية ظل مستمرًا، وتمكنت القضية الأهوازية من لفت الأنظار العالمية نحو ما يجري في هذه المنطقة.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأهواز اليوم
يعاني الشعب العربي في الاهواز من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث تعاني المنطقة من الفقر والبطالة والتهميش، رغم أنها من أغنى المناطق في إيران من حيث الموارد الطبيعية. فالنفط والغاز يُستخرج من أراضي الأهواز، لكن الشعب العربي لا يستفيد من هذه الثروات، إذ تذهب عائدات النفط إلى الحكومة المركزية في طهران. كما يعاني الأهوازيون من تلوث بيئي شديد نتيجة عمليات استخراج النفط وعدم الاهتمام بالبنية التحتية، حيث تلوثت مصادر المياه وازداد تلوث الهواء، مما أثر على صحة السكان.
بالإضافة إلى ذلك، تُعاني الأهواز من قلة فرص العمل، إذ تُفضّل الحكومة الإيرانية تعيين الإيرانيين في الوظائف الكبرى في شركات النفط والصناعات الكبرى، مما يُفاقم البطالة بين الشباب العرب. كما تُعاني المنطقة من نقص في الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب التنمية المستدامة، مما يجعلها واحدة من أفقر المناطق في إيران رغم غناها بالموارد الطبيعية.
الهوية العربية والنضال الثقافي في الأهواز
رغم كل محاولات إيران لطمس الهوية العربية في الأهواز، إلا أن الشعب العربي في المنطقة ما زال متمسكًا بلغته وثقافته. هناك جهود مستمرة لإحياء الثقافة العربية في الأهواز، حيث ينظم الأهوازيون احتفالات ثقافية ودينية، ويقومون بتعليم أبنائهم اللغة العربية في المنازل والجمعيات. كما يُعتبر الشعر العربي والموسيقى جزءاً مهماً من الثقافة الأهوازية، حيث يستخدمه الأهوازيون كوسيلة للتعبير عن هويتهم ومقاومتهم للاحتلال الإيراني.
يعمل المثقفون والنشطاء الأهوازيون على نشر الوعي بقضية الأهواز على الصعيد الدولي، وقد بدأت القضية الأهوازية تجد طريقها إلى المنظمات الدولية ووسائل الإعلام العالمية، حيث يتم تسليط الضوء على المعاناة التي يواجهها الشعب العربي في الأهواز والممارسات القمعية التي يتعرضون لها.
التطلعات المستقبلية لشعب الأهواز
إن النضال المستمر للشعب العربي في الاهواز يعكس تطلعاته للحرية والكرامة والعيش بسلام في أرضه. يسعى الشعب الأهوازي لاستعادة حقوقه، سواء عبر الحركات السلمية أو عبر الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها النشطاء في الخارج. تطمح الأهواز إلى نيل حقوقها في الحكم الذاتي، وحماية ثقافتها العربية، واستثمار مواردها لخدمة شعبها.
الخاتمة
إن قصة احتلال الأهواز ليست مجرد قضية إقليمية، بل هي جزء من نضال طويل للشعوب في الحصول على حقوقها، وصمودهم أمام محاولات الطمس الثقافي والاضطهاد. الشعب العربي في الأهواز لا يزال يقاوم، ويستمر في التمسك بهويته وثقافته أمام محاولات الاحتلال الإيراني.
اقرا ايضا: قصة الجزر الإماراتية المحتلة: تاريخٌ من النزاع والمطالبات