بين 7 أبريل و19 يوليو 1994 ارتكبت الابادة الجماعية في رواندا واحدة من أكثر عمليات القتل الجماعي وحشيةً ومنهجيةً في القرن العشرين ، بجانب الابادة الجماعية في سربرينيتسا وارمينيا وكمبوديا . في غضون 100 يوم فقط قتل في هذه المذبحة قُتل ما بين 500,000 و1,000,000 رواندي من عرقيتي التوتسي والهوتو و التوا , استعملت فيها شتى انواع الاسلحة النارية والسكاكين والسواطير والسيوف , في تلك الفترة كانت الشوارع والمنازل والمزارع مليئة بالجثث البشرية المشوهة , كان رائحة الموت تنبعث من شوارع رواندا وكأنها قبر مفتوح بل كانت كذلك بالفعل لم تكن مجرد عمليات قتل عشوائية بل حملةً مُخططًا لها بعناية ، دبرتها الحكومة الرواندية وبقيادة فصائل متطرفة من الهوتو داخل الجهاز العسكري في رواندا وبتآمرعن سبق اصرار وترصد من الدولة الفرنسية التي اعتبرت انذاك ابليس الذي ينفخ في النار . تميزت عمليات القتل بسرعتها وحجمها الكبير ومشاركة المواطنين العاديين ، الذين حُرضوا بواسطة بروباغاندا مدروسة بدقة .
السياق التاريخي لـ لإبادة الجماعية الرواندية
حتى نفهم سبب اندلاع الحرب الاهلية والسبب الذي دفع الروانديين لتقطيع رقاب بعضهم البعض يجب أن نسرد الخلفية التاريخية لتتضح الصورة , المجتمع الرواندي مثله مثل الكثير من المجتمعات مقسم الى عرقيات مختلفة وان اهتمت في اللون فهي تختلف في العادات والتقاليد والدين واللغة ، غير ان عرقيتي الهوتو-والتوتسي هما اكبر عرقيتين للمجتمع ، كانو يعيشون بسلام نسبيا للالاف السنين , الى ان اتى المستعمر الاوروبي وزرع بذرة الكراهية كما هي عادته . كان الهوتو، الذين شكلوا حوالي 85% من السكان ، مزارعين تقليديين، بينما كان التوتسي، الذين يمثلون نحو 14%، رعاة مواشٍ لهم امتيازات اجتماعية واقتصادية عن بقية العرقيات . أما التوا، فهم عرقية مميزة بقصر قامتها الاقزام ويشكلون أقل من 1% .
مقال أخر: أسوأ أساليب التعذيب في تاريخ البشرية

لم تكن تلك الفروقات والامتيازات ذات اثر كبير على المجتمع و مع الزواج المختلط والتقارب الاجتماعي كانت تلك الفواق العرقية تطمس ، كانت جميع المجموعات تتحدث لغة الكينيارواندا وتتشارك ف العادات والتقاليد . غير ان الحياة انقلبت راسا على عقب مع قدوم المحتل الألماني الذي حكم بين (1897-1916) ثم الإدارة البلجيكية التي تلته مباشرة بين (1916-1962) . أتى الاوروبيون بفرضيات علمية عنصرية مستمدة من الداروينية الاجتماعية . حيث اعتقد المستعمرون وامنوا بناء على التسلسل الهرمي لنظرية التطور أن عرقية التوتسي، بسبب قاماتهم الطويلة وبشرتهم الفاتحة نسبيًا ، كانوا “أكثر تطورًا” أو أقرب إلى الأوروبيين مقارنة بعرقية الهوتو، الذين كانو ينظرون لهم كمزارعين سود البشرة “أقل تطورًا” .

نظرية التطور والتفوق العرقي للتوتسي
هذه النظرة لم تكن مبنية على علم بيولوجي حقيقي ، بل على افتراضات زائفة دعمتها نظريات عنصرية شائعة في أوروبا آنذاك مستمدة من فلسفة نيتشه ونظرية داروين للتطور والتي تبناها هتلر لنشر أفكاره القومية . ونتيجة لذلك، فضل البلجيكيون التعامل مع التوتسي مانحين إياهم امتياز في مناصب حساسة كالتعليم والطب والمناصب الإدارية بل وصل بهم الفجور لدرجة اصدار بطاقات هوية إلزاميًة في 1932 لتصنيف السكان عرقيًا ، لتطفوا الفروقات بين الهوتو والتوتسي التي كانت مطموسة في الماضي . هذا التصنيف العنصري لم يكن مجرد إدارة للاحتلال فقط ، بل عزز ورسخ فكرة أن التوتسي “عرق متفوق” وهو المفضل لدى المحتل ، مما أثار غضب واستياء الهوتو وزرع بذور الكراهية والحقد والانقسام .
مقال اخرى : وحش فلورنسا : قصة لغز أشهر سفاح إيطالي الذي لم تعرف هويته الى اليوم

بعد الحرب العالمية الثانية، ومع اقتراب استقلال رواندا ، انقلبت سياسة بلجيكا بشكل مفاجئ وغريب لدعم أغلبية الهوتو، بل وشجعت “ثورة الهوتو” في 1959 التي أطاحت بالملكية التوتسية وقتلت حوالي 20,000 من التوتسي، ودفعت أكثر من 150,000 إلى النزوح في دول مجاورة مثل أوغندا وبوروندي وزائير (الكونغو الديمقراطية الآن). حصلت رواندا على الاستقلال في 1962 تحت قيادة الهوتو، لكن عوض ايقاف التصنيف العرقي الذي وضعه البلجيكيون استمر و لم يتوقف
التوترات بعد استقلال رواندا وصعود قوة الهوتو
شهدت السنوات التالية للاستقلال حكم رواندا من قبل أنظمة هوتو فرضت التمييز ضد أقلية التوتسي . لدرجة أن الرئيس غريغوار كاييباندا كان يشرف شخصيا على هجمات ومذابح ممنهجة ضد التوتسي في 1963 و1967، الذين كان بعضهم يحاولون استعادة السلطة . وكما هي عادة افريقيا من يستيقظ مبكرا يحكم في 1973 استولى خليفته ، جوفينال هابياريمانا، على السلطة في انقلاب عسكري . وخفف في البداية من السياسات العنصرية ، غير نظامه سرعان ما اتجه نحو ترسيخ القومية الهوتو لتعزيز الدعم الشعبي . همشت حكومة هابياريمانا التوتسي من الأدوار السياسية والعسكرية، وصوّرتهم الدعاية الحكومية بأنهم خطر وتهديد دائم . في تلك الأثناء، نظم التوتسي انفسهم في المنفى ، مشكلين الجبهة الوطنية الرواندية (RPF)

في 1987 تحت قيادة فريد رويغيما وبول كاغامي ، الذين كانا من المقاتلين في حرب الأدغال في أوغندا إلى جانب يوري موسيفيني . في 1 أكتوبر 1990، شنت الجبهة الوطنية الرواندية هجومًا مركزا من أوغندا، مشعلة حربًا أهلية كشفت عن ضعف الرئيس المنقلب هابياريمانا . أدت الحرب التي توفي وشرد فيها الآلاف إلى زيادة الانقسام والكراهية العرقية ، حيث اتهم المتشددون من الهوتو التوتسي بالتواطؤ مع المتمردين ، لتكون بذلك الطريق قد مهدت للإبادة الجماعية.
اتفاقيات أروشا ومحفز 6 أبريل 1994
أجبرت انتصارات الجبهة الوطنية الرواندية العسكرية هابياريمانا على التفاوض على السلام ، فتم توقيع اتفاقيات أروشا في غشت عام 1993 في تنزانيا . كان من بنود الاتفاقية بناء حكومة يتم فيها تقاسم السلطة ، ودمج الجبهة الوطنية الرواندية في الجيش الرواندي ، وعودة اللاجئين التوتسي من الشتات , لتثير هذه شروط غضب متطرفي الهوتو داخل دائرة الرئيس جوفينال ، الذين رأو فيها خنوع وبداية لفقدانهم الحكم . بدأ هؤلاء المتشددون، بمن فيهم أعضاء “الأكازو” – وهي مجموعة غير رسمية من نخب الهوتو مرتبطة ب أغاث زوجة الرئيس هابياريمانا ، – التخطيط لـ”حل نهائي” للقضاء على تهديد التوتسي لكرسي الحكم .

قاموا بتخزين الأسلحة، وتدريب ميليشيات مثل “الإنتراهاموي” وترجمتها “الذين يهاجمون معًا” و”إمبوزاموغامبي” (أي “الذين لهم هدف واحد”)، وكثفوا من حملات الكراهية ونشر البروباغاندا عبر الراديو وتلفزيون حيث وصف التوتسي بـ”الصراصير” والخونة . في ذلك الوقت كان الجميع يحس بأن شيئا ما خطير سيحدث فتم نشر بعثة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا بقيادة الجنرال الكندي روميو دالير، في أكتوبر 1993 للإشراف على الاتفاقيات التي تم توقيعها ، لكن قواتها البالغة 2500 جندي كانت ضعيفة وتعاني نقص التمويل ومحدودة الصلاحيات التي تركزت في المراقبة فقط .
في 11 يناير 1994 أي قبل ثلاثة أشهر من بدء الإبادة في رواندا ، أرسل دالير راسلة الى “فاكس الإبادة” إلى مقر الأمم المتحدة ، محذرًا من معلومات سرية وصلت اليهم عن طريق احد المخبرين تكشف عن معلومات تجهيز ميليشيات الهوتو لارتكاب ابادة جماعية ، لكن طلبه للتعزيزات قوبل بالرفض سميت هذه الرسالة تاريخيا ب “فاكس الإبادة” Genocide Fax

القشة التي كسرت ظهر العجل كانت في 6 أبريل 1994، حيث أُسقطت طائرة تقل الرئيس هابياريمانا ورئيس بوروندي سيبريان نتارياميرا فوق العاصمة الرواندية كيغالي بصاروخين أرض-جو , توفي في الحادث عدة شخصيات ثقيلة منها رئيس رواندا جوفينال هابياريمانا ورئيس بوروندي سيبريان نتارياميرا و رئيس أركان الجيش الرواندي وزير الدفاع ووزير التجارة و المتحدث الرسمي باسم الرئاسة . كانت الحادثة هي الشمعة التي أشعلت برميل البارود الجاهز للانفجار , لم تتبنى اي جهة الهجوم ولم يعرف الجناة الحقيقيين – اتهم البعض الجبهة الوطنية الرواندية في حين البعض اتهم متطرفي الهوتو الذين كانو اساسا في حالة غليان ويبحثون عن ذريعة و خلال ساعات قليلة من اسقاط الطائرة ، استولى المتشددون من الهوتو على السلطة ليطلق العنان للإبادة .
100 يوم من الذبح: الآليات والفظائع

في اليوم الموالي 7 أبريل 1994 بدأت الإبادة الجماعية بدقة مروعة . قاد متطرفو الهوتو، مثل العقيد تيونيست باجوسورا ، الذي تولى السيطرة الفعلية بعد مقتل هابياريمانا، ميليشيات مسلحة مثل الإنتراهاموي وإمبوزاموغامبي والقوات المسلحة الرواندية (FAR) وحتى المدنيين . أُقيمت حواجز على الطرق في العاصمة كيغالي، حيث تم تحديد التوتسي من خلال بطاقات الهوية وبدون اي مقدمات تم قتلهم وتقطيعهم بالمناجلوالسيوف والسواطير التي استُوردت بكميات هائلة من الصين في الأشهر السابقة استعدادا للحرب . كانت اذاعات الراديو من قبيل RTLM تبث أسماء وعناوين التوتسي

كان الضحايا الأوائل من قادة الهوتو المعتدلين مثل رئيسة الوزراء أغاث أويلينجييمانا، التي قُتلت مع 10 من جنود حفظ السلام البلجيكيين التابعين لـ UNAMIR الذين يحرسونها، مما دفع بلجيكا لسحب قواتها على الفور . انتشرت عمليات القتل بدأ من العاصمة كيغالي إلى المناطق الريفية ، ما يميز هذه البادة الجماعية أن مستوى الكراهية فيها كان أكثر من أي حرب أو مذبحة درسها في حياتي الى اليوم فقد بلغت مستوى ان الجيران الذين عاشو لسنين جنبا الى جنب مع بدأ الابادة انهقلبوا على بعضه ، وقتل الأزواج الهوتو زوجاتهم التوتسي ، بل بلغ مستوى الفجور والحقد أن خان الكهنة والراهبات من لجأوا إلى الكنائس طلبا للحماية فقتلوهم بأيديهم او بلغوا الاخرين عن مكانهم مثل كنيسة نياماتا، التي ذُبح فيها 5000 شخص كما تذبح الخرفان يوم العيد .
صمت المجتمع الدولي أمام الابادة في رواندا

بجانب العنف الدموي كالقتل كان العنف الجنسي والاغتصاب منتشر في الابادة الجماعية في روندا ، حيث تعرضت ما بين 250,000 و500,000 امرأة للاغتصاب وأصيب العديد من الناجين بفيروس الايدز HIV وكانت هذه العمليات هي من جعلت رواندا من بين أكثر الدول في العالم التي يتنشر فيها فيروس الايدز. كان حجم المذبحة مخيف كانت بحق الجحيم في الدنيا فبحلول منتصف ماي ذات السنة ، قُتل أكثر من 500,000 ذبحا وتقطيعا ، بمعدل قتل يفوق ذروة الهولوكوست النازي بأربع مرات لدرجة أن 70% من سكان التوتسي في رواندا ابيدوا عن بكرة ابيهم . استأنفت الجبهة الوطنية الرواندية هجومها ولم تترك لهم اي مجال للهرب او الفرار ، وسيطرت على كيغالي بحلول 4 يوليو وعلى كل رواندا بحلول 19 يوليو ، لتنتهي الإبادة رسميا
شاهد العالم الإبادة الجماعية في رواندا في لامبالاة وصمت القبور . كانت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا (UNAMIR) عاجزة تمامًا ؛ تم رفض طلبات الجنرال دالير للحصول على تفويض أقوى من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، حيث عارضت الولايات المتحدة التدخل خصوصا انها كانت لا تزال على وقعة صدمة حادثة “بلاك هوك داون” في الصومال .

في 21 أبريل، صوت مجلس الامن على تقليص قوات بعثة الامم المتحدة بدلاً من زيادة عناصرها ، رغم شلال التقارير الإعلامية اليومية عن المذابح . في ذات الوقت انظمت فرنسا لعملية التطهير العرقي ، حيث أنشأت “منطقة آمنة” في جنوب غرب رواندا لانقاذ الناس . ما قيل ولكن نحن نعلم أن فرنسا والكذب مثل تيمون وبومبا فقد كان لفرنسا دور قذر في هذه الماساة وكانت متورطة فيها لاخمص قدميها لكن كيف حدث ذلك ؟
تورط فرنسا في الابادة الجماعية بـ رواندا
قبل الإبادة، كانت فرنسا حليفً وثيقًا لحكومة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، وهو من الهوتو . وبين 1990 و1993، واجه هابياريمانا تمردًا من جبهة الوطنيين الروانديين (RPF)، وهي حركة بقيادة التوتسي تهدف إلى إنهاء التمييز القائم ضدهم . فرنسا رأت في هذا التمرد “مؤامرة أنجلوفونية” بقيادة أوغندا والولايات المتحدة وهي بثابة تهديدًا لنفوذها في إفريقيا الناطقة بالفرنسية ، خصوصا أن الجبهة كانت مدعومة من أوغندا الناطقة بالإنجليزية وفرنسا وبريطانيا مثل باتمان والجوكر . الرئيس فرانسوا ميتران، الذي قاد فرنسا آنذاك، اعتبر رواندا جزءًا من الاراضي الجيوسياسية التابعة له ، وكان يخشى أن يؤدي انتصار الجبهة إلى تقوية النفوذ الإنجليزي في المنطقة.

ردًا على ذلك، قدمت فرنسا دعمًا عسكريً مباشرًا لحكومة هابياريمانا التي جهزت ونظمت واطلقت العنان للابادة الجماعية . من خلال عملية “نوروا” (Opération Noroît) بين 1990 و1993، لم ترسل فرنسا السلاح والمال فقط بل أرسلت قوات ومستشارين عسكريين على الارض لتدريب الجيش الرواندي والميليشيات الموالية له ، مثل الإنتراهاموي (Interahamwe) والإمبوزاموغامبي (Impuzamugambi) . هذا الدعم استمر ولم يتوقف قبل وبعد الابادة فقد كات كل شيء يحدث أمامها .
في حادث اسقاط طائرة الرئيس هابياريمانا بصاروخ الذي أشعل فتيل عمليات لقتل . لم يكن احد يعرف الجناة الحقيقيين فقد ظلو مجهولين غير أن فرنسا اختارت توجيه الاتهام على الفور لمن للجبهة الوطنية الرواندية مما وضعها كطرف رئيسي في الإبادة الجماعية في رواندا . في الأيام التالية ، بدأت الميليشيات التي دربتها ومولتها فرنسا بمسلسل القتل . وطوال المئة يوم لم تتدخل فرنسا لوقف المجازر بأي طريقة ، رغم علاقاتها القوية بالحكومة المؤقتة التي شكلها متطرفو الهوتو .

في 22 يونيو 1994، وبعد مقتل مئات الآلاف، أطلقت فرنسا “عملية توركواز” (Opération Turquoise) بتفويض من الأمم المتحدة لإنشاء “منطقة آمنة إنسانية” في جنوب غرب رواندا . الهدف الرسمي المعلن كان حماية المدنيين وقدرت إذاعة فرنسا الدولية أن العملية أنقذت حوالي 15,000 شخص . لكن الحقيقة كانت على العكس من ذلك فقد تم اختيار توقيت لعملية بعناية فائقة حيث اتت في وقت كانت الحرب لصالح الجبهة الوطنية الرواندية ضد حليفهم لحكومة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا . فقد كان الهدف الحقيقي للفرنسسين هو حماية حلفائهم الهوتو، بما فيهم المجرمين وليس وقف الابادة .
في الواقع، سمحت المنطقة الآمنة للعديد من قادة الميليشيات والجنود المتورطين في الإبادة بالفرار إلى زائير (الكونغو الديمقراطية الآن)، عبر الحدود التي كانت تحت سيطرة القوات الفرنسية . ففرنسا لم تكن أبدا محايدة، بل ساعدت بشكل غير مباشر في حماية القتلة بدلاً من محاسبتهم .

بعد انتصار الجبهة الوطنية بقيادة بول كاغامي في يوليو 1994، حاولت فرنسا تبرير موقفها امام العالم في ضل الفضيحة الثقيلة التي المت بها . ففي تقرير رواندي لعام 2021 من شركة “ليفي فايرستون ميوز”، اتهمت فرنسا بـشكل “مباشر بتمكين ودعم الإبادة الجماعية . ازدادت الشكوك بعض سنوات من رفض فرنسا لتسليم عدة وثائق مهمة وحساسة للمحققين .
بعدما توقفت الحرب الاهلية ووضعت اوزارها فر أكثر من مليوني شخص من الهوتو، بما فيهم من شاركوا بانفسهم في القتل ، إلى زائير وتنزانيا وبوروندي. تحولت مخيمات اللاجئين، مثل تلك في غوما بزائير، إلى مستنقعات مميتة للامراض خصوصا الكوليرا وتسببت في وفاة عشرات الآلاف ، في ذات الوقت أعادت ميليشيا الإنتراهاموي تنظيم صفوفهم ، حيث اطلقو هجمات واغتيالات منظمة عابرة للحدود .

قتلت الجبهة الوطنية الرواندية، التي تولت السلطة بقيادة بول كاغامي، آلاف المدنيين من الهوتو في هجمات انتقامية – تتراوح تقديراتها بين 25,000 و100,000 . انطلقت عملية واسعة للبحث والقبض على كل المتهمين في الابادة واحيان كان يتم القبض على الناس بشكل عشوائي , امتلأت السجون عن اخرها بل وتم انشاء بدون جديدة هي اقرب للجحيم . وفي ظل كل ذلك كان العالم في انتظار محاكمات عادلة لكل من تورطوا في الابادة الجماعية , غير أن النظام القضائي الرواندي واجه مهمة مستحيلة : محاكمة أكثر من 120,000 مشتبه بهم .
أُسست المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) في 1994 في أروشا، تنزانيا، وحاكمت 93 من كبار الجناة، تم ادانة 61 منهم، بما في ذلك جان كامباندا، رئيس الوزراء المؤقت، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة . لجأت المحاكم الرواندية إلى “الجاكاكا”، وهي محاكم مجتمعية تقليدية عالجت بين 2001 و2012 حوالي 1.2 مليون قضية، وكان ترطيزها ينصب حول الاعتراف والمصالحة بدلاً من تطبيق العقوبة .

لمنع اعادة هذه المأساة الانسانية الدموية مستقبلا , قامت حكومة كاغامي بحظر التصنيفات العرقية وتمكين هوية “رواندية” موحدة . تم سن عدة قوانين اجتماعية سياسية واقتصادية استطاعت تغيير واقع ومستقبل رواندا في خلال سنوات قليلة , حيث كان الاقتصاد الرواندي ينموا بمتوسط 8% سنويًا منذ سنة 2000 وتحولت البلاد الى قطب اقتصادي كبير في افريقيا وغيرت حياة الناس بشكل كبير . والان بعد ثلاثين عامًا من الابادة الجماعية الرواندية يعتبر نهوض رواندا من الرماد احد المعجزات الكبرى في العالم بجانب المعجزة السنغافورية واليابانية
يتضمن إحياء ذكرى 7 أبريل، المعروف بـ”كويبوكا” (أي “لنتذكر”)، فعاليات وتعليمًا لمنع التكرار، لكن النقاش العام حول العرقية يظل تحت سيطرة مشددة، مما يثير تساؤلات حول المصالحة الحقيقية. تمتد ندوب الإبادة عبر منطقة البحيرات العظمى، حيث تستمر ميليشيات الهوتو مثل FDLR في الكونغو الديمقراطية، وتغذي تدخلات رواندا التوترات . على الصعيد الدولي، حفز الفشل مبدأ “المسؤولية عن الحماية” في 2005، لكن تطبيقه لا يزال غير متسق، كما يتضح في سوريا وميانمار. تتحدى قصة رواندا الروايات المبسطة عن الكراهية العرقية، كاشفة كيف يمكن للإرث الاستعماري والانتهازية السياسية واللامبالاة العالمية أن تتلاقى في كارثة. رؤية كاغامي – الاستقرار والتقدم بتكلفة الحرية – تقسم المراقبين: يراها البعض معجزة صمود، ويحذر آخرون من برميل بارود. تطالب الإبادة الجماعية في رواندا، بفظائعها وتداعياتها، بالتأمل في قدرة الإنسان على الشر واللامبالاة – والأمل الهش في الخلاص.
هذه بعض الصور الاضافية عن الابادة الجماعية الرواندية :






تابع مقال أخر: خريطة جوجل تحل بالصدفة لغز جريمة قتل في اسبانيا