تخيّل مجموعة من الناس يقفون عرايا تحت سماء الليل، يرقصون حول نار مشتعلة، يرددون تعاليم غريبة عن عودتهم إلى براءة آدم وحواء قبل السقوط. يرفضون الزواج، يعيشون حياة مشتركة بلا قيود، ويؤمنون أنهم تجاوزوا الخطيئة نفسها. هؤلاء هم الأداميون، طائفة غامضة ظهرت عبر التاريخ في أوقات وأماكن مختلفة، تاركة وراءها مزيجًا من الفضول والرعب في قلوب من سمعوا بها. لكن من هم الأداميون حقًا؟ ما الذي دفعهم إلى هذه المعتقدات الجريئة؟ ولماذا أثارت أفكارهم كل هذا الجدل والرفض؟ دعنا نغوص في هذه القصة الغريبة التي تمتد من شمال إفريقيا في القرون المسيحية الأولى إلى أوروبا في العصور الوسطى، لنكتشف لغز هذه الطائفة الغامضة.
البداية: جذور الأداميين في شمال إفريقيا

تعود أولى إشارات الأداميين إلى القرن الثاني الميلادي في شمال إفريقيا، حيث ظهرت جماعة مسيحية مبكرة أطلق عليها لاحقًا اسم “الأداميين” أو “الآدميين” (Adamians). كانوا يؤمنون أنهم استعادوا حالة البراءة الأولية التي عاشها آدم وحواء في جنة عدن قبل الخطيئة الأصلية. وفقًا لكتابات آباء الكنيسة مثل القديس أوغسطينوس وإبيفانيوس من سلاميس، كان الأداميون يمارسون طقوسهم الدينية عرايا تمامًا، ويطلقون على تجمعاتهم اسم “الفردوس”. لماذا؟ لأنهم اعتقدوا أن الملابس والزواج والقوانين الأخلاقية كلها نتاج الخطيئة، وأن التخلي عنها يعيدهم إلى النقاء الأصلي.
لكن من أين جاءت هذه الأفكار؟ يرى البعض أن الأداميين كانوا فرعًا من طائفة الكاربوكراتيين، وهي جماعة غنوصية عرفت بمعتقداتها الجنسية الحرة ورفضها للقوانين الأخلاقية التقليدية. يذكر المؤرخ الديني ثيودوريت أن الأداميين تشابهوا مع هذه الجماعات في تحررهم الشديد، بينما يعتقد آخرون أنهم كانوا زهادًا مضللين سعوا إلى القضاء على الرغبات الجسدية بالعودة إلى حياة أبسط. مهما كان الأصل، لم تدم هذه الطائفة طويلاً في صورتها الأولى، فقد واجهت معارضة شديدة من الكنيسة الناشئة، وسرعان ما تلاشت في ظل صعود المسيحية الرسمية.
إحياء في العصور الوسطى: الأداميون في أوروبا

لم تكن نهاية الأداميين في شمال إفريقيا نهاية قصتهم. في العصور الوسطى، عادت أفكارهم للظهور في أوروبا، كأنها شبح يرفض المغادرة. في القرن الثالث عشر في هولندا، ظهرت جماعة تُعرف بـ”إخوة الروح الحرة” (Brethren of the Free Spirit)، وكثيرًا ما أُطلق عليهم اسم الأداميين بسبب ممارساتهم المشابهة. كانوا يخلعون ملابسهم خلال طقوسهم السرية، مؤمنين أن العودة إلى الحب الكامل الذي عاشه آدم وحواء ستحقق الكمال الروحي.
في القرن الرابع عشر، انتشرت تقارير عن هراطقة يمارسون طقوسًا عارية في ألمانيا، وأُطلق عليهم أحيانًا اسم “البيغارد” (Beghards). لكن الظهور الأكثر شهرة وإثارة للجدل كان في القرن الخامس عشر في بوهيميا (الجمهورية التشيكية الحالية)، حيث ظهرت طائفة الأداميين البوهيميين كفرع متطرف من حركة التaborites، وهي جماعة حسية ثورية عارضت الإمبراطورية الرومانية المقدسة والكنيسة الكاثوليكية.
الأداميون البوهيميون: ثورة عارية

بدأت حركة التaborites عام 1419 كجزء من الثورة الحسية التي أشعلها إعدام يان هوس، المنتقد الشرس للكنيسة الكاثوليكية. لكن داخل هذه الحركة، انفصلت جماعة صغيرة عرفت بالأداميين البوهيميين، بقيادة رجل يُدعى بيتر كانيس في بعض الروايات. هؤلاء الأداميون لم يكتفوا برفض السلطة الدينية والدنيوية، بل ذهبوا أبعد من ذلك: تخلوا عن الملابس، عاشوا حياة مشتركة على جزيرة في نهر نيزاكا، ورفضوا الزواج معتبرين إياه خطيئة. المؤرخ نورمان كوهن يصف ممارساتهم قائلاً: “بينما كان التaborites متزمتين في الزواج الأحادي، بدا الحب الحر هو القاعدة عند الأداميين. كانوا يعلنون أن الأطهار لا يستحقون دخول المملكة المسيحانية، وكانوا يمارسون رقصات طقسية عارية حول النار.”
على هذه الجزيرة، عاش الأداميون حياة شبه بدائية، يتجاهلون الحر والبرد، ويؤمنون أنهم في حالة براءة آدم وحواء. لم يكتفوا بذلك، بل هاجموا القرى المجاورة، مما جعلهم أعداءً ليس فقط للكنيسة، بل حتى للتaborites أنفسهم. في عام 1421، قاد زعيم التaborites، يان زيزكا، حملة عسكرية ضدهم، فقتل معظمهم أو أعدمهم حرقًا، منهيًا بذلك وجودهم الرسمي تقريبًا. لكن هل انتهت قصتهم حقًا؟ يبدو أن بعضهم نجا وعاش في السر، حيث ظهرت تقارير لاحقة عن بقاياهم في بوهيميا ومورافيا.
لماذا كانوا مرعبين ومثيرين للجدل؟

ما يجعل الأداميين مرعبين في نظر معاصريهم ليس فقط عريهم أو رفضهم للزواج، بل اعتقادهم بأنهم تجاوزوا الخطيئة والقانون. كانوا يرفضون الأسرار المقدسة مثل القربان والكهنوت، معتبرين أنفسهم “القديسين في الأيام الأخيرة” الذين يسكنهم الله نفسه. هذا التحرر الجذري جعلهم يبدون كتهديد للنظام الاجتماعي والديني القائم. بالنسبة للكنيسة، كانوا هراطقة ينكرون العقائد الأساسية مثل الخطيئة الأصلية والحاجة إلى الفداء عبر المسيح.
لكن هناك جانب آخر: هل كانوا مجرد متمردين أم حالمين برؤية مختلفة للعالم؟ بعض المؤرخين يرون أن الأداميين كانوا يسعون إلى عالم مثالي خالٍ من القيود، عالم يعكس الحرية المطلقة التي تخيلوها في جنة عدن. لكن هذا الحلم اصطدم بواقع قاسٍ من المعارضة والاضطهاد.
عودة متقطعة ونهاية محتملة

لم تقتصر قصة الأداميين على العصور الوسطى. في القرن السابع عشر، أثناء حروب الممالك الثلاث في إنجلترا، ظهرت تقارير عن جماعات أدامية جديدة ضمن الفوضى الدينية التي أعقبت انشقاق البروتستانت. وفي بوهيميا، بعد إصدار مرسوم التسامح الديني عام 1781 من الإمبراطور يوسف الثاني، عادت الطائفة للظهور لفترة قصيرة، لكن الحكومة الأسترالية قمعتها بالقوة عام 1849، فيما يُعتقد أنه النهاية النهائية للأداميين.
الأداميون في عيون التاريخ والثقافة
الأداميون لم يكونوا مجرد طائفة دينية، بل رمزًا للتمرد على القيود الاجتماعية والدينية. في العصر الحديث، ألهموا الفنانين والكتاب، من السرياليين مثل سلفادور دالي الذين رأوا في بوش—الرسام الذي ربما تأثر بأفكار مشابهة—سلفًا لهم، إلى ألعاب الفيديو مثل Crusader Kings التي تضمنت شخصيات أدامية كنوع من التسلية التاريخية.
لكن السؤال يبقى: هل كانوا مجانين أم عباقرة؟ هل كانوا يبحثون عن الحرية أم يهربون من الواقع؟ ربما لا نعرف الإجابة أبدًا، لكن قصتهم تظل شاهدة على قدرة الإنسان على تخيل عالم مختلف، حتى لو كان ذلك العالم مرعبًا أو مستحيلاً. ما رأيك؟ هل سمعت عنهم من قبل؟ شاركني أفكارك!
مقالة أخرى : قصة العالمة روزاليند فرانكلين: الرائدة في اكتشاف الحمض النووي