عرفت البشرية عبر تاريخها العديد من الأوبئة الفيروسية التي خلّفت آثارًا كارثية على المجتمعات وأدت إلى وفاة ملايين البشر. وقد كان لهذه الفيروسات تأثيرات تتجاوز الصحة، لتشمل الاقتصاد، والسياسة. والتغيرات الاجتماعية والثقافية. ومن الضروري فهم هذه الفيروسات والتعلم من التاريخ حتى نتمكن من مواجهتها في المستقبل. في هذه المقالة، سنستعرض أخطر الفيروسات التي أثّرت في تاريخ البشرية من حيث مدى انتشارها. وأسباب تفشيها، وتأثيراتها على البشرية.
1. الطاعون الأسود (الطاعون الدبلي)
يعتبر الطاعون الأسود واحدًا من أخطر الأوبئة في التاريخ. انتشر هذا الطاعون في القرن الرابع عشر، تحديدًا بين عامي 1347 و1351. وكان يسببه بكتيريا تسمى اليرسينيا الطاعونية التي تنتقل بواسطة البراغيث الموجودة على الفئران المصابة. وأدى هذا الوباء إلى وفاة ما يقرب من 25 إلى 30 مليون شخص في أوروبا وحدها، أي حوالي ثلث سكان أوروبا في ذلك الوقت.
وكانت أعراض الطاعون مرعبة، حيث تبدأ بارتفاع في درجة الحرارة والتهاب في العقد اللمفاوية التي تتورم بشكل مؤلم. كما تؤدي إلى ظهور بقع سوداء على الجلد نتيجة النزيف الداخلي. وانتشر الطاعون بسرعة بسبب قلة النظافة وكثافة السكان في المدن التي كانت تُعاني من بنية تحتية متدهورة، بالإضافة إلى الحروب التي ساعدت على انتشار الوباء.
2. الجدري
فيروس الجدري هو واحد من أقدم وأخطر الفيروسات التي عرفها الإنسان. يُعتقد أن هذا المرض ظهر منذ أكثر من 3000 سنة. وكان ينتقل من شخص لآخر عن طريق السعال والعطس. يتميز الجدري بظهور طفح جلدي وبثور مملوءة بالقيح، وكان يؤدي إلى الوفاة بنسبة تصل إلى 30% من الحالات. وتسبب الجدري في وفاة ملايين البشر حول العالم، وأدى إلى تشوهات دائمة في الناجين منه.
وبالرغم من أن الجدري كان مرضًا قاتلًا، إلا أن البشرية تمكنت أخيرًا من القضاء عليه بفضل حملة تطعيم عالمية بدأت في القرن العشرين. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميًا القضاء على الجدري في عام 1980، ليصبح أول مرض فيروسي يتم القضاء عليه بالكامل من على وجه الأرض.
3. الإنفلونزا الإسبانية
اجتاحت الإنفلونزا الإسبانية العالم بين عامي 1918 و1919، في فترة نهاية الحرب العالمية الأولى. وتُعتبر من أسوأ الأوبئة في التاريخ الحديث. وقد أصابت هذه الإنفلونزا ثلث سكان العالم تقريبًا. وتسببت في وفاة ما يقدر بين 50 و100 مليون شخص. وكانت أعراضها تشبه أعراض الإنفلونزا الموسمية، لكنّها كانت أكثر شدة وأشد فتكًا.
يُعتقد أن هذا الوباء انتشر بسبب الظروف السيئة التي عاشها الناس بعد الحرب. بما في ذلك تدهور الأوضاع الصحية ونقص الغذاء والدواء. وتسبب الفيروس في تدمير أنظمة مناعة قوية لدى الشباب. في ظاهرة تُعرف بالعاصفة السيتوكينية، حيث يبالغ الجهاز المناعي في ردة فعله. مما يؤدي إلى أضرار جسيمة. وظهرت الإنفلونزا الإسبانية بشكل مفاجئ وانتشرت بسرعة. مما جعل من الصعب السيطرة عليها في ذلك الوقت.
4. الإيدز (فيروس نقص المناعة البشرية – HIV)
ظهر فيروس نقص المناعة البشرية المعروف بفيروس الإيدز في أواخر سبعينيات القرن العشرين، وانتشر بشكل واسع في الثمانينيات، وأدى إلى وفاة أكثر من 32 مليون شخص حتى الآن. يهاجم هذا الفيروس الجهاز المناعي للإنسان، ويجعل الجسم عاجزًا عن مقاومة الأمراض. مما يجعله عرضة للإصابة بأمراض أخرى خطيرة. وينتقل فيروس الإيدز بشكل أساسي عبر الدم والاتصال الجنسي غير المحمي، ومن الأم إلى الطفل أثناء الولادة أو الرضاعة الطبيعية.
وبالرغم من التقدم الكبير في علاج الإيدز من خلال الأدوية المضادة للفيروسات، إلا أنه لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ لهذا المرض. وتشير الإحصائيات إلى أن ملايين الأشخاص يعيشون اليوم مع فيروس نقص المناعة البشرية، مما يوضح مدى خطورة هذا الفيروس وتأثيره المستمر على البشرية.
5. فيروس سارس (SARS-CoV)
في عام 2002، ظهر فيروس جديد يُعرف باسم “سارس” أو المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، في الصين وانتشر إلى أكثر من 26 دولة، مما أسفر عن وفاة نحو 774 شخصًا من بين أكثر من 8000 حالة إصابة. وتسبب هذا الفيروس في مرض تنفسي شديد، وكان ينتقل عبر الرذاذ الناتج عن السعال أو العطس.
كان لفيروس سارس تأثير كبير على المجتمعات المصابة، حيث أدّى إلى فرض قيود صارمة على السفر وإغلاق العديد من الأماكن العامة. وتمكنت الدول من احتواء هذا الفيروس بفضل الاستجابة السريعة واتباع إجراءات وقائية صارمة، لكن هذا الوباء كان بمثابة إنذار للعالم حول خطورة الفيروسات التي تنتقل بسرعة وتصيب الجهاز التنفسي.
6. فيروس إنفلونزا الخنازير (H1N1)
في عام 2009، ظهر فيروس إنفلونزا الخنازير الذي تسبب في جائحة عالمية. ويُعتبر هذا الفيروس من فيروسات الإنفلونزا المتحوّرة، وانتشر بسرعة بسبب سهولة انتقاله من شخص لآخر. وقد أصاب الفيروس أكثر من مليار شخص حول العالم، لكنه لم يكن بنفس فتك الإنفلونزا الإسبانية. وتسببت إنفلونزا الخنازير في وفاة ما يقارب 284,000 شخص، وكانت أعراضها مشابهة لأعراض الإنفلونزا الموسمية.
ساعدت اللقاحات في تقليل تأثير هذا الفيروس، وتمكن المجتمع الطبي من تطوير لقاح سريع لمواجهة الوباء. ورغم أنه لم يكن بنفس فتك الأوبئة الأخرى، إلا أن إنفلونزا الخنازير قدّمت للعالم تجربة هامة في كيفية التعامل مع الأوبئة المستقبلية بسرعة وفعالية.
7. فيروس إيبولا
يعتبر فيروس إيبولا من أخطر الفيروسات بسبب معدل الوفيات المرتفع الذي يتجاوز 50% في العديد من الحالات. اكتُشف الفيروس لأول مرة في عام 1976 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسرعان ما تسبب في تفشي المرض عدة مرات في مختلف أنحاء أفريقيا. ينتقل فيروس إيبولا من خلال الاتصال المباشر بالسوائل الجسدية للأشخاص المصابين، ويؤدي إلى حمى شديدة ونزيف داخلي وخارجي، وقد كانت له آثار كارثية على المجتمعات الإفريقية.
تعدّدت محاولات احتواء الفيروس، ونجح الأطباء في تطوير لقاحات فعّالة، لكن ما زال الفيروس يمثل تهديدًا مستمرًا بسبب إمكانية انتشاره في المناطق التي تعاني من ضعف في الأنظمة الصحية، مما يجعل احتوائه تحديًا كبيرًا في بعض الحالات.
8. فيروس كورونا المستجد (COVID-19)
في أواخر عام 2019، ظهر فيروس كورونا المستجد المعروف باسم “كوفيد-19” في مدينة ووهان الصينية، وسرعان ما انتشر حول العالم، مما أدى إلى إعلان حالة جائحة عالمية في مارس 2020. كان فيروس كوفيد-19 من أسرع الفيروسات انتشارًا بسبب قابليته للانتقال عن طريق الرذاذ والتلامس المباشر.
أدى هذا الفيروس إلى وفاة ملايين الأشخاص، بالإضافة إلى تأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي ونظم الصحة والتعليم. وفرضت الدول إجراءات صارمة للحد من انتشار الفيروس، بما في ذلك حظر السفر وفرض الإغلاق التام، وهو ما أدي إلى تغيرات جذرية في الحياة اليومية. وقد توصلت الشركات الطبية إلى تطوير لقاحات فعّالة، مما ساعد في الحد من انتشار الفيروس وتقليل معدلات الوفيات، لكنه لا يزال يمثل تهديدًا مستمرًا في بعض المناطق.
9. فيروس زيكا
ظهر فيروس زيكا لأول مرة في أفريقيا في أربعينيات القرن الماضي، لكنه أصبح مشكلة عالمية عندما انتشر في أمريكا الجنوبية والوسطى في عام 2015. ينتقل الفيروس عن طريق البعوض، وخاصة بعوض الزاعجة المصرية، وقد تسبب في ولادة أطفال يعانون من تشوهات خلقية تعرف بصغر الرأس.
وبالرغم من أن فيروس زيكا ليس قاتلًا بشكل كبير، إلا أنه قد أثار الذعر بسبب تأثيراته على النساء الحوامل وأطفالهن. ولم يُعثر على علاج فعّال للفيروس حتى الآن، لكن السيطرة على انتشار البعوض وتطبيق الإجراءات الوقائية ساعدت في الحد من تأثيره.