الأطباء في العادة يلقبون بملائكة الرحمة , فهم من يسحبون الانسان من عالم الموت لعالم الحياة , ولكن أن يجتمع الطب والإجرام في إنسان واحد فمؤكد أنه سيتحول لملاك الموت , وهذا ما حدث في قصة أشهر طبيب في العالم , هذا الطبيب لم يشتهر بمساعدة مرضاه أو اكتشاف طبي , بل أدخله لقائمة اشهر السفاحين المتسلسلين بعدما قتل 250 ضحية خلال 24 عاماً من عمله وطريقة قتلهم كانت أقل ما يقال عنها أنها إبليسية لأبعد الحدود
وُلد هارولد شيبمان في الـ14 من شهر يناير 1946، في مقاطعة Leeds الانجليزية || و بالرغم من كون طفولته غير قاسية جسديًا عليه إلا أنها كانت صعبة نفسيًا )) فلم يتعرض ذلك الطفل للضرب مثلًا، لكنه رأى بأم عينيه والدته المتسلطة وهي تُهين وتضرب والده في كل مساء, وهو الذي كان رمزًا للرجولة او البطل الخارق بالنسبة له كطفل بريء ||
في بدايات الستينات أصيبت أمه بسرطان الرئة، وفي أثناء علاجها في المستشفى، لاحظ شيبمان كيف استخدم الأطباء عقار المورفين للتخفيف من معاناة أمة وآلامها || هذه اللحظة بالتحديد هي ما قال عنها الخبراء النفسيون لاحقاً في موقع All That’s Interesting الأمريكي. انها كانت نقطة الصفر التي ولد فيها شيطانه, و حفَّزت نوازع القتل لديه, واستلهم منها طريقته الساديَّة في القتل
لكن رغم ذلك كان طالباً جيدا طوال فترة دراسته، فالتحق بكلية الطب لدراسة الطب العام || فتحرج وبدأ العمل سنة 1970 كطبيب في أحد المستشفيات العامة || ولكن شخصيته المنعزلة الخجولة والغير اجتماعية أثرت في نفسيته، اضافة الى غرابة أطواره وسلوكياته, أسهم كل هذا بشكل كبير في تكوين شخصية من عالم الجحيم لا يعلم بها أي أحد ||
(( بحلول منتصف السبعينات كان شيبمان مدمنا لمخدر المورفين ومشتقاته من مسكنات الأمراض المزمنة || فبحكم عمله لم يكن صعبا عليه الحصول على هذه المواد الطبية )) ولكن كعادة الإدمان كونه يفضح صاحبه, لاحظ زملاؤه في المستشفى آثاره عليه || فكان لا بد من الإبلاغ عنه. وفصله من عمله, ثم إجباره على الالتحاق بأحد برامج علاج الإدمان ||
بنهاية السبعينات استطاع هارولد شيبمان أن يراجع نفسه ويفوز على إدمانه, وبعد ذلك حصل على منصب آخر كطبيب ممارس في مركز دوني بروك الطبي في مقاطعة هايد || و استطاع بكفاءته العالية, والتزامه القوي, وشخصيته الودودة والخجولة, أن يستعيد ثقة المحيطين به من جديد || وعلى مدى 24 عاماً لم تثر عليه أي شكوك أو سلوكات غربية ||
الى هنا كل شيء جيدا, لكن في عام 1998 لاحظ بعض العاملين في مستودع الأموات بالمدينة شيئا غريبا ومثيرا لشكوك : وهو ارتفاعاً غريب في أعداد الموتى من مرضى الدكتور شيبمان و الذين يأتون من جناحه لإعدادهم للدفن || طبعا في البداية لم يتجرأ احد ان يسأل في الامر, الى حين ازدياد الشكوك وانتشار شائعات بين العاملين هناك, أن شيبمان يخفي أمرا ما || الشيء الذي أجبر إدارة المركز الطبي لتنبيه السلطات, فأرسلت رجال الشرطة ليتبينوا ويحققوا في هذه الشكاوى || إلا أن شيبمان كان على علم مسبق بقدومهم, ولم يبقي على أي دليل يمكن ان يستعملوه ضده || وبالفعل نجح في نهاية الأمر في تبديد شكوكهم ولم يجدوا اي شي ||
(( المفاجئة ان شيبمان كان يقوم بإختيار ضحاياه بعناية شديدة, فقد كان يحقن كبار السن من النساء اللواتي يأتين عنده من أجل المعاينة والمتابعة الطبية, و يحقنهم بجرعة عالية من مخدر المورفين, ليموت في الحال وبدون اي نقطة دم أو مقاومة )) كان يقوم بعملية القتل هذه بمعدل مرة او مرتين في الشهر تقريبا طيلة الـ 24 سنة من عمله هناك || والسبب الذي كان يدفعه للإقدام على هذا الفعل الشيطاني, لن يخطر على بال احد مهما تفنن في ايجاد الاسباب والدوافع, وهو ما ستعرفه بعد قليل بالتفاصيل ||
لكن الأمر الغريب في كل هذه الجرائم , كان عدم الشك فيه طيلة هذه السنوات, رغم كثرة الوفيات في جناحه والتي كان يوقعها على انها وفيات بسبب الشيخوخة || لكن في عام 2000 كانت ساعته قد بدأت في الاقتراب, وبدأ هذا المجنون يقترب من نهايته ||
النهاية كانت عندما تُوفيت سيدة (( تدعى كاثلين جراندي، صاحبة الـ 81 عاماً || هذه العجوز كانت مثلها مثل بقية الضحايا, الا أنها كان لها ابنة وحيدة تعمل محامية وتُدعى انجيلا وودروف || والحقيقة أن انجيلا لم ترتح أبدًا لحجة الطبيب شيبمان في موت والدتها )) ولم تصدق شهادة وفاة والدتها التي كانت قبل أن تذهب لطبيبها في صحة جيدة وممتازة || وزارتها بنفسها في منزلها, في صباح نفس اليوم الذي أعلن وفاتها بالشيخوخة || لكن بعد أن انتهت من إجراءات الدفن والعزاء, وجلست مع نفسها وبدأت تسترجع ما حدث, ايقنت ان هناك امر ما قد حدث في الخفاء ||
والذي زاد الطينة بلة, هو عندما علمت بان امها تركت وصية قبل موتها مكتوبة بخط يدها وتوقيعها || وتقول في وصيتها هذه بان تذهب جميع مدخراتها المالية, التي قدرت بـ30 ألف جنيه إسترليني الى حساب طبيبها هارولد شيبمان || هنا لم يبقى اي شك في نفس انجلا, و صار يقينا بأن امها قد قتلت فعلا ||
فرفعت الدنيا ولم تقعدها حتى فتح تحقيق جدي في الشكوك التي قدمتها للشرطة حول احتمالية مقتل امها (( بدأ التحقيق باستخراج الجثة من القبر, و تشريحها لتحديد سبب الوفاة الحقيقي || طبعا شيبمان في هذه الاثناء حاول بكل جهوده أن يثني المحققين عن الاشتباه في الامر || لكنهم لم يعيروه اي اهتمام بل على العكس, زادت الشكوك تدور من حوله أكثر فأكثر ))
بعد تشريح الجثة تم الكشف عن المصيبة المدوية : وهي أن العجوز توفيت بجرعة قاتلة من مادة المورفين || وبتكثيف التحقيق تبين أن شيبمان زوّر الوصية أيضا ليستولي على أموالها, فادرك ان هذه هي نهايته || اعترف في النهاية بقتل أكثر من 15 عجوز من مريضاته، وبين الفينة والأخرى كان يقوم بتزوير الوصايا لضحايا الأغنياء فقط ||
بعد تلقيهم لهذه الصدمة وسعت الشرطة من دائرة التحقيقات, واكتشفوا ان العاملين في مستودع الأموات سبق لهم أن بلغوا عن الأمر لكن الشرطة لم تجد أي شيء || لذلك قاموا بفتح قبور جميع النساء اللواتي توفين على يد, وأعادوا تشريحهم من جديد || فتم الكشف على أن عدد ضحايا شيبمان الحقيقيين الذين توفوا بحقنة المورفين, قارب الـ250 ضحية خلال 24 عاماً ||
(( لكن لعدم وجود أدلة كافية على إدانته في هذه الجرائم كلها, توبع فقط بـ15 جريمة قتل التي اعترف بها, و التي ثبتت بالأدلة الدامغة أنه هو من قام بها || ليحكم عليه في النهاية بالسجن مدى الحياة 15 مرة || وفي عام 2004 عُثر على جثتة منتحراً في زنزانته في أحد سجون إنجلترا شديدة الحراسة التي كان يقبع فيها ))
إلى اليوم لم يعرف السبب الحقيقي لاقدامه على قتل النساء العجائز بالخصوص دون الرجال منهم || ولم تعرف ايضا الاسباب التي جعلته يستعمل حقن المورفين تلك || بعض الخبراء النفسانيين ذهبوا الى انها عقدة ربطت في عقله اللاواعي, عندما كان يرى والدته في المشفى تحقن بهذه المادة لتقلل من آلامها || ففسروا ذلك أنه كان يقوم بمساعدة مريضاته على إنهاء حياتهم بكل هدوء ليرتاحو من الامهم || والبعض الاخر ذهب الى انه كان يتلذذ بقتل العجائز ليحس وكانه اله يعطي الحياة ويأخذها دون اي مقاومة أو اعتراض ||