باريس ليست مدينة الجرذان فقط بل أصبح لها لقب ثاني وهو مدينة الخلاء , بحذف اللام واضافة الراء . بعد اسبوعين من الان ستنطلق الالعاب الاولمبية لسنة 2024 في العاصمة الفرنسية باريس ولهذا السبب رأيتم امرأة فرنسية غير محجبة وبحذاء خرجت تمشي بشعلة من قلب مسجد باريس فشكل مستفز , من بين انواع الرياضات المشاركة السباحة والتي من المقرر ان تكون في نهر السين الذي يمر عبر باريس غير أن هناك مشكلة صغيرة ومثيرة للتقزز هو أن السباحين سيضطرون للسباحة في نهر مليئة بالفضلات البشرية حرفيا , وهذا ما حول فرنسا لمسخرة على الانترنت فما هي القصة ؟
الألعاب الأولمبية هي تقليدً رياضي ثقافي . حيث يعود أول دليل مكتوب على الألعاب الرسمية ل 776 قبل الميلاد ، عندما بدأ الإغريق في قياس الوقت في الألعاب الأولمبية ، أو المدة بين كل نسخة . أقيمت الألعاب الأولمبية الأولى كل أربع سنوات تكريماً لكبير الهة الاغريق زيوس .
في عام 393 م، حظر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول الألعاب الأولمبية مدعيًا أنها تشجع الوثنية . استمر الحظر منذ ذلك الحين حتى عام 1894 حين نظم البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان مؤتمر اولمبي في المدرج الكبير بجامعة السوربون في باريس بمشاركة ألفي شخص من عدة دول اوروبية ، ومع انتهاء المؤتمر في 23 يونيو، عادت الألعاب الأولمبية للحياة بعد منعها لمئات السنين وتم إنشاء اللجنة الأولمبية الدولية والان بعد أكثر من مئة سنة يعود نفس الحدد ولنفس المدينة باريس ، غير أن هذه المرة ستكون مختلفة من عدة جوانب
ما يجعل اقامة الالعاب الاولمبية في باريس لسنة 2024 فضيحة كبيرة وكابوس لفرنسا , هو مشكلة نهر السين والحقيقة أن فرنسا في موقف لا يحسد عليه فما هي قصة هذا النهر
نهر السين هو بمثابة نيل اوروبا وفي مقارنة اخرى هو شقيق نهر الغانغ في الهند والشيء المتشابه بينهما هو الاهمية و القذارة ، يشق طريقه عبر قلب باريس ، غير أنه ليس مجرد نهر مائي عادي . السين هو رمز لتاريخ المدينة وثقافتها ورومانسيتها. على مدى قرون، كان نهر السين شريان الحياة لباريس ، حيث شكل تطورها وعمل كمصدر إلهام للفنانين والكتاب وحتى العشاق
كان نهر السين يُعرف باسم سيكوانا، نسبة إلى إلهة النهر سيكوانا التي يعبدها الغال . واصبح عنصر مهم في تأسيس مدينة باريس ونهضتها الصناعية والتجارية والفكرية ، استقر الرومان على ضفافه حوالي القرن الثالث قبل الميلاد واصبح النهر حاجز دفاع طبيعي ومصدر للمياه , وقام المشاهير والفنانين والبرجوازيين ببناء منازلهم على ضفافه .
تصور رواية “البؤساء” لفكتور هوجو بوضوح دور النهر في حياة الباريسيين، من الشوارع الكبرى إلى المجاري المائية المظلمة المخيفة تحت المدينة .
يعتبر نهر السين واحد من أهم الاماكن السياحية في باريس . حيث يقع برج إيفل وكاتدرائية نوتردام ومتحف اللوفر على طول نهر السين ، مما يجعله جزءً أساسيً من أي زيارة للمدينة. تم تصنيف أرصفة النهر كموقع للتراث العالمي لليونسكو، ولو زرت النهر ستشاهد على طوله قوارب سياحية تقدم رحلات بحرية خلابة ، مما يسمح للزوار بالاستمتاع بمعالم المدينة من نقطة مراقبة فريدة من نوعها
لكن اياك ثم اياك أن تسبح في هذا النهر أو أن تفكر في ذلك , فهناك مشكلة كبيرة جدا تواجه فرنسا بخصوص نهر السين وهو القذارة , ليست قذارة المصانع أو البلاستيك ولكن قذارة الحمام , كل حمامات باريس تصب في نهر السين مما يجعله نهرا مسموما قذ يودي بحياة من يسبح فيه , والمصيبة أن من بين الرياضات المهمة في الاعاب الأولمبية هي السباحة ولذلك السؤال ما العمل ؟
أسفل مدينة باريس يوجد نظام صرف صحي واسع ومعقد حيث تتجمع مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي من المنازل والشركات وحتى المزارع . فأثناء هطول الأمطار الغزيرة، يمكن أن تصبح شبكة المجاري الضخمة والمعقدة تحت المدينة غير قادرة على تحمل الضغط ، مما يؤدي إلى تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو في نهر السين ، ضف عليها أن غالبية المصانع وخصوصا الواقعة بالقرب من النهر ترمي نفايات سائلة تحتوي على مواد كيميائية ومعادن ثقيلة خطيرة والقمامة . أيضا تصيب المياه القادمة من المزارع في النهر . وهذه المياة تحمل معها بقايا الأسمدة والمبيدات الحشرية ونفايات الحيوانات ،
من أجل انقاذ الشرف وماء الوجه وعدت باريس بتنظيف نهر السين من الاف الاطنان من الفضلات والسموم وكل الملوثات من اجل الاولمبياد وتحديدا للاستضافة رياضات الترياتلون، والباراتريثلون، والسباحة الماراثونية .
وعليه ، شرع المسؤولون في باريس في مشروع بنية تحتية جديدة بقيمة 1.5 مليار دولار لإنشاء خزان تحت الأرض ونظام نفق مصمم لاحتجاز مياه الصرف الصحي الزائدة أثناء هطول الأمطار الغزيرة . وسيتم إجراء اختبارات جودة المياه يوميًا قبل الألعاب الأولمبية.
هذه المشكلة العويصة جعلت السباحة في نهر السين أمر محظور سواء على السياح وحتى المواطنين لحوالي 100 عام أي قرن من الزمن ومازال محظور السباحة فيه الى اليوم ، والسبب الجوهري هو مياه الصرف الصحي التي تصب في النهر تحمل نسب عالية جدا من البكتيريا الإشريكية القولونية ، وهذه البكتيريا موجودة في أمعاء البشر والحيوانات ذوات الدم الحار وتتركز في برازها . وفي حال ما وجد مختبر هذه البكتيريا في عينة مياه فهذا قطعا يدل على تلوث برازي حديث ، الامر الذي قد يسبب امراض خطيرًا جدا قد تسبب الوفاة لدى البعض .
الغريب أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة بلدية باريس آن هيدالغو ،ولكي يلفتوا الانتباه تعهدوا امام الجمهور أنهم سيقومون بالسباحة في نهر السين وسيكونان أول من يغطس فيه في محاولة لتعزيز ثقة الجمهور وثقة الرياضيين المشاركين في الاولمبياد . فاذا سبح رئيس الدولة فيه فهذا سيلغي كل مشاعر القلق والتخوف بل وحتى التقزز ،
وهذه الحركة ذكرتني بالهند ، يوجد نهر مقدس في الهند يسمى نهر الغانج وقصته غريبة وعجيبة . نهر الغانج هو مصدرً مياه لملايين الهنود ، لكن من جانب اخر يعتبر هذا النهر احد اكثر الانهار تلوثا في العالم حيث يتم تصريف أكثر من مليار لتر من مياه الصرف الصحي في النهر كل يوم بالاضافة لملايين الاطنان من الملوثات المختلفة .
نهر الغانج مقدس عند الهندوس باعتباره إلهة هندوسية وعلى ضفافه يؤدي ملايين الهنود طقوسًهم الدينية ، كالاستحمام لتطهير خطاياهم وحرق جثث الموتى والرماد المتبقي يتم القائه في النهر . حيث يُقدَّر عدد الجثث التي تُحرق بنحو 30 ألف جثة سنويًا ويترسب رماد الجثث المحروقة في النهر لدرجة ان لونه يتحول الى الاسود من درجة التلوث المياه الملوثة مثل نهر الغانج هي السبب الرئيسي لامراض قاتلة مثل الكوليرا والزحار والتهاب الكبد ، والتي تسبب وفاة أكثر من 300.000 طفل سنويًا في الهند
الكارثة ان هذا النهر عند الهندوس هو رمز للنقاء رئيس وزراء ولاية البنجاب الهندية بهاجوانت مان ولكي يثبت للناس قدسية هذا النهر ونظافته وأنه فعلا نهر الالهة قرر التطوع شخصيا والنزول للنهر محاطا بالكامرات والصحافة ورجال ، وغرف كوبًا من ماء النهر المقدس وشربه ، الصدمة أنه بعد يومين فقط من شربه للماء في محاولة لاثبات قدسيته ونظافته ، تم نقله للمستشفى بسبب تعرضه لالم شديد في المعدة .
ويبدوا أن الرئيس الفرنسي ميكروب وعمدة مدينة باريس ان هيدالوغو العلمانيين على خطى الافكار الهندوسية , وصراحة سأكون سعيد جدا جدا لو تطوعا للشرب من نهر السين انا واثق ان طعم المياه لذيذ ومليء بالمعادن الصحية
الخطة التي ستطبقها باريس هي إجراء اختبارات جودة المياه بشكل يومي قبل الألعاب الأولمبية . و إجراء اختبارات نقاء المياه 48 ساعة قبل كل منافسة لضمان سلامة الاعبين . لان هناك احتمال كبير ان يبتلع احد الاعبين مياه النهر واذا كانت ملوثة ولو بقدر صغير سيكون مصيرهم المستشفى او المقبرة .