ألم تلاحظوا شيء غريب جدا , لا يوجد مناطيد عملاقة تنقل المسافرين في رحلات جوية بين الدول والقارات على الرغم من أنها كانت قمة التطور التكنولوجي في مجال الطيران في بداية القرن العشرين , لماذا اختفت فجأة ولم يعد لها وجود , السبب هو حادثة أو كارثة جوية حولت حياة من شاهدها لكابوس يسميها البعض ب رعب الهيدروجين ومن عاش تلك التجربة أعمارهم الان فاقت الـ80 سنة ومازالو يتذكرونها .
بداية عصر المناطيد
في بداية أوائل القرن العشرين ، تم اختراع المنطاد واصبح واحد من أكثر وسائل التنقل في الجو ، وسيطر خيال الجمهور باعتبارها وسيلة نقل فاخرة وستحكم المستقبل . اخترعت المانيا منطاد سمته منطاد هيندنبورغ نسبة ل للمشير بول فون هيندنبورغ ، الذي كان رئيسًا لألمانيا بين سنتي 1925 حتى 1934 ، بلغ طوله 804 قدم ومليء بغاز الهيدروجين الغاز الذي يعتبر أكثر سرعة في الاشتعال من غاز البوتان والبنزين بل وفيه ميزة اخرى وهو أنه خفيف . منطاد هيندنبورغ في ذلك الوقت كان يعتبر ذروة التصميم والتكنولوجيا في مجال الطيران اعتبر رمزًا للرفاهية والابتكار ، الامر كأن تقرانه بأفخم طائرة بوينغ او ايرباص في عصرنا .
بعد أكثر من 30 عامًا من اختراع المنطاد وسفر عشرات الآلاف من الركاب في أكثر من مليون ميل ، على متن أكثر من 2000 رحلة ، بدون أن تحدث إصابة واحدة – ولكن في حادثة مدتها 40 ثانية بالتحديد انتهى عصر المنطاد .
كان هيندنبورغ آخر طائرة ركاب في أول شركة طيران في العالم – ولسخرية القدر كان مضيفها الرئيسي هو أول مضيفة طيران في التاريخ – وكان أسرع وسيلة لعبور المحيط الأطلسي في تلك الايام .
رحلات هيندنبورغ العظيمة
كان بإمكان ركاب هيندنبورغ السفر من أوروبا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية في نصف الوقت الذي تقضيه أسرع سفينة في المحيط ، كان الركاب داخل المنطاد يشعرون وكأنهم في قصر فاخر يطير في السماء فقد تم تجهيز هذا القصر الطائر بأرقى معايير التصميم الحديثة . لم يكن بمقدور أي احد السفر في هذا المنطاد الا أصحاب الطبقة الراقية والاثرياء , استمتع استمتع الركاب بوجبات الطعام الفاخرة في غرفة طعام أنيقة جدا ، واستمعوا إلى موسيقى جميلة في صالة حديثة ، حتى أن كابينة النوم كانت أشبه بفندق فاخر 7 نجوم , لم يكن أغلب أولائك الركاب على علم بأن تلم الوجبات الفاخرة هي مثل اخر وجبة للمحكوم بالاعدام
قام المنطاد هيندنبورغ بعدة رحلات منتظمة عبر المحيط الأطلسي بدون أي حوادث ؛ جاءت رحلتها المصيرية إلى نيوجيرسي في نهاية رحلة استغرقت ثلاثة أيام من لندن . يُظهر هذا الفيديو منطاد هيندنبورغ وهو فوق ناطحات السحاب في مانهاتن بالولايات المتحدة الامريكية , ليس هذا فقط بل وسافر إلى أماكن أبعد ، ففي هذه الصورة يظهر المنطاد وهو فوق سماء ريو دي جانيرو في البرازيل ، مع جبل شوغرلوف في الخلفية
في 1937 قررت ألمانيا إطلاق رحلة جنونية أخرى لاثبات قوة هذا المنطاد وهذا الاختراع وكانت الرحلة هي عبور الاطلسي بعظمته من المانيا نحو محطة ليكهورست في اميركا والتي اعتبرت نقطة تحول مهمة في تاريخ طيران المنطاد بل ومجال الطيران بأكمله ، بدأت الرحلة في مدينة فرانكفورت ألمانية ، في 3 مايو 1937 . وكانت وجهة المنطاد نحو : محطة ليكهورست البحرية الجوية في نيو جيرسي الامريكية ، واستغرقت الرحلة 97 ساعة أي أكثر من ثلاثة أيام حتى وصولها للمكان المحدد .
الانهيار المأساوي
في نيويورك يوم 6 مايو 1937 ، اليوم المشؤوم هيندنبورغ قبل وقوع الكارثة , تأخر المنطاد عم موعدة بضع ساعات بسبب العواصف الرعدية . مر المنطاد فوق سماء منهاتن ، مما دفع الناس للخروج من منازلهم ومكاتبهم إلى الشارع لمشاهدة المنطاد . بعد أن هدأت العواصف ، توجه المنطاد إلى ليكهورست حيث كان جيش من الصحفيين والمراسلين كل يوجه كامرته نحو السماء للالتقاط المنظر التاريخي
عندما اقترب منطاد هيندنبورغ من ليكهورست في نيوجيرسي ، وبدون سابق انذار وبينما الناس ينظرون للسماء ومنتظرين نزول المنطاد على الارض وتحية المسافرين وامام الكامرات ووسائل الاعلام والصحف . في غمضة عين ، أشتعل غاز الهيدروجين في المنطاد ، وتحول كل المنطاد الى كرة لهب مخيفة اشتعل المنطاد في اجزاء من الثانية بكل ما فيه حتى المسافرين وسقط على الارض والناس لا يعلمون هل هو حلم ام حقيقة في جزء من الثانية انقلب كل شيء من كان يضحك وسعيد أصبح يبكي ويجري مرعوبا لينجوا بحياته ،
مع احتراق هيندنبورغ ، انكشف المشهد أمام المتفرجين المذعورين ، سواء على الأرض أو من خلال التغطيات الإخبارية والإذاعية . تفكك هيكل المنطاد بسرعة وتحول لرماد ، مع انهيار أقسام والذيل الضخم على الأرض . وأودى الحادث بحياة 36 فردًا ، من بينهم أفراد الطاقم والركاب ، وإصابة عدد آخر بجروح . تأثير هذا الحادث بقي عالقا في أذهان الجميع فيما سمي ب كارثة هيندنبورغ وفي حين سماها الكثيرون برعب الهيدروجين وساشرح لكم لماذا .
بعد الحادث المروع ، أجريت تحقيقات مكثفة لتحديد الأسباب والتعلم من المأساة . ركز التحقيق على المتهم الاول في الحادثة وبطل صناعة المناطيد وهو غاز الهيدروجين شديد الاشتعال والذي كان يعتبر الوقود الاساسي للمنطاد .
يمكنك متابعة الحلقة على اليوتيوب :
نهاية سفر المنطاد
بعد الحادث هيندنبورغ مباشرة . بدأت صناعة المنطاد بالانخفاض الا ان توقفت كليا , فقد الناس ثقتهم في المناطيد نهائيا بل وأصبحت في أعينهم كابوس ووسيلة نقل ستوصلك للمقبرة ، تم قتل حلم السفر بالمنطاد التجاري على نطاق واسع وهو في المهد . وانتهى عصر المناطيد بعظمتها وأناقتها بشكل مفاجئ . غير أن هذا الكابوس بقي في قلوب الناس الى اليوم بل وتحولت الحادثة وتبعاتها النفسية الى متلازمة سميت بمتلازمة هيندنبورغ
طوال السنين ومنذ بداية القرن العشرين الى اليوم تقريبا لا يتم استعمال وقود الهيدروجين في الصناعة ولا الطيران ولا أي شيئ يخص الحياة البشرية بمثل قوة استعمال البترول والغاز والفحم , وكل انواع الطاقة , الهيدروجين هو مثل ذلك الشخص المصاب بالجرب وكل الناس يتفادونه ويبتعدون عنه قدر الامكان , السؤال هو لماذا على الرغم من أن الهيدروجين هو من أكثر وقود وفرة على كوكب الارض والاكثر نقاءا لأنه يأتي من الماء والماء ملء البحر , لماذا لا نستعمله وننهي أزمة الطاقة والتلوث ما هو السر الذي يخفيه الهيدروجين ؟
- السبب الاول
هو الفرق بين النفط والهيدروجين , النفط تقريبا سهل الاستخراج تحفر بئر ثم تستخرج النفط ونستعمله كطاقة عادي وسهل جدا , لكن الهيدروجين مختلف صحيح أن الماء هو مصدر الهيدروجين وبما أن البحار والمحيطات لا نهاية لها هذا يعني أن الهيدروجين سيكفي البشرية الى يوم القيامة اي وقود ابدي لا ينتهي هذا صحيح , غير أن المشكل هو تكلفة الاستخلاص المرتفعة التي تجعل الشركات يبتعدون منه كون هامش الربح لن يكون كبير والانتاج لن يكون ضخم ليكفي احتياجات الكوكب مثلما يفعل النفط
يتم استخلاص او فصل الهيدروجين من الماء باستخدام الكهرباء وتسمى العملية بالتحليل الكهربائي والتي تتم عن طريق تمرير تيار كهربائي في وسط مائي مغموس فيه قطبان كهربائيان ، أحدهما يسمى “الكاثود” وهو القطب السالب، والآخر يسمى “الأنود” وهو القطب الموجب.
لكن السؤال هو من أين سنأتي بالكهرباء لنستخلص الهيدروجين هذا يعني أننا بحاجة مرة اخرى للغاز الطبيعي والفحم والبترول لتوليد الطاقة الكهربائية والتي بواسطتها سنستخلص الهيدروجين من الماء يعني استعمال وقود قذر لتوليد وقود نظيف شيء مضحك صحيح , لهذا السبب تسمى عالميا ب أزمة الطاقة .
- السبب الثاني
إذا تحدثنا عن لبنة بناء ناطحة سحاب فنحن نتكلم عن الطوب أما لبنة الكائنات الحية فهي البروتين , وحين نتكلم عن اللبنة الاولى للكون كله فهو الهيدروجين , الهيدروجين هو أخف العناصر وأكثرها وفرة في الكون ويشكل حوالي 75٪ من كتلة الكون الأولية . غاز عديم اللون والرائحة والطعم وما يميزه أن شديد التفاعل والاشتعال ، ويعتبر من أهم العناصر في التجارب الكيمائية والفيزيائية .
وقود خالد لا ينفذ
ما يميز الهيدروجين عن أي عنصر أخر هو أنه يتألف من بروتون واحد في نواته وإلكترون واحد في غلافه المداري ، مما يجعله أبسط وأخف عنصر ولهذا السبب فالنار المتوقدة عن احتراق الهيدروجين لا تنتشر على الارض مثل البنزين بل اللهب يصعد للسماء وهذه الخاصية لها دور مهم في حادثة هيندنبورغ ساشرحها لكم بعد قليل . الهيدروجين ناقلً للطاقة . وعندما يتحد الهيدروجين مع الأكسجين في خلية وقود ، يعطي لنا طاقة الكهرباء واما الانبعاثات الناتجة فهي ليست دخان اسود خانق وأنما مجرد بخار ماء منقط تستطيع شربه
الهيدروجين وقود شديد الاشتعال ويمكن أن يشتعل بسهولة . ورغم أننا لا نسمع عنه كثيرا الا انه يستعمل في الكثير من الصناعات حساسة جدا مثل صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات بسبب احتاج هذه الصناعة لطاقة شديدة النضافة وبيئة نقية , الهيدروجين بالخصوص الهيدروجين السائل هو الذي أوصل الصواريخ للفضاء ولولاه لما كان هناك أقمار صناعية تسهل حياة الناس من كل النواحي , هذا في الفضا اما على لأرض يستخدم الهيدروجين في العديد من الصناعات ، مثل تكرير البترول ، وإنتاج الأمونيا للأسمدة ، وتركيب الميثانول والمواد الكيميائية الأخرى .
الهيدروجين مثله مثل الطاقة النووية نسبيا فكلاهما طاقة نظيفة بشرط أن تكون احتياطات السلامة على اعلى مستوى , غير ان الفرق بين الطاقة النووية تخلف نفايات مشعة والهيدروجين يخلف ماء مقطر صالح للشرب .
تبعات الحادثة المأساوية
بعد حادثة هيندنبرغ لم يستطع أي أحد أن يتكلم مجددا عن استعمال وقود الهيدروجين أصبح الامر وكأنه تابو وتكون لدى الكثير منن الناس فوبيا الهيدروجين , على الرغم أنه لم تكن تلك الحادثة هي اول حادثة تحطم منطاد بل سبقتها حوادث كثيرة بالاحصائيات الرسمية للحادث المروع نفسه الهيدروجين بريئ من هذه التهمة , بدليل أن أغلب الحوادث الجوية من النادر أن ينجو منها أحد تكون نسبة الوفيات أقرب ل 100 في المئة , لكن حادثة هيندنبرغ أكثر من 60 في المئة من الركاب نجوا بالرغم من الاحتراق كان شامل فقد جول المنطاد الى رماد وشعلة في السماء في غضون ثواني , لكن الخاصية التي ينفرد بها وقود الهيدروجين وهو خفته تجعل الشعلة واللهب تتجه للاعلى للسماء أي بعيد عن الركاب في حين لو كان الوقود الاحفوري لكان الجميع قد شوي وتحول لرماد لان الوقود الاحفوري كالبنزين ينتشر ويحرق كل ما في طريقه , أي أنه منطقيا وقود الهيدروجين هو الذي أنقذ أولائك الناس .
لكن الشيء الذي نشر الخوف في قلوب الناس من الهيدروجين هو أن الحادثة تم تصويرها وكانت على الهواء مباشرة , اغلب تلك الحوادث الاخرى كانو فقط يسمعو بها في الاخبار والصحف , لكن منطاد هيندنبرغ كان الجميع ينظر اليه وكأنهم يشاهدون فيلم غير أنه كان واقعي الى ابعد درجة , كلنا نسمع حوادث الطيران في الوثائقيات والاخبار ولكن هل احساسنا يكون نفس احساس وشعور الذي يكون في الطائرة ويعيش تلك التجربة لا طبعا ,
الاهتمام بالهيدروجين الان اصبح يتزايد اكثر فاكثر رغم العوائق , فمثلا تعتزم اليابان تجديد جميع حافلات النقل العام في العاصمة طوكيو ، لتعمل بالهيدروجين السائل بحلول عام 2030 . المغرب أيضا في الشهور الماضية أثار الحديث مجددا في العالم عن هذا الوقود بعد اختراع سيارة تعمل بالهيدروجين والتي تم الكشف عنها في القصر الملكي بالمغرب , عمان ايضا تخطط لا تصبح إحدى الدول الرائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم ، حيث حددت هدفها بإنتاج ما لا يقل عن مليون طن سنويا الهيدروجين بحلول العام 2030 و 8 ملايين طن من الهيدروجين في عام 2050 .