سأقدم لكم في هذه المقالة ملخصً عن كتاب لماذا تفشل الأمم للكاتبين دارون عجم أوغلو وجيمس روبنسون، حيث يتناول الكتاب مفهوم المؤسسات الاقتصادية والسياسية وتأثيرها على نجاح الأمم أو فشلها .
لماذا تفشل الأمم : أصول السلطة والازدهار والفقر هو كتاب اقتصادي تاريخي يسعى للإجابة على سؤال محوري: لماذا تحقق بعض الأمم النجاح والازدهار بينما تظل أمم أخرى غارقة في الفقر؟ يُجيب المؤلفان، دارون عجم أوغلو وجيمس روبنسون، بأن السبب يعود إلى طبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية في هذه الدول. ويقدمان حجة قوية تركز على المؤسسات بدلًا من النظريات التقليدية الأخرى التي تعزو الفشل إلى الثقافة أو الجغرافيا أو حتى السياسات الاقتصادية فقط.
الأطروحة الرئيسية لكتاب “ لماذا تفشل الأمم ”
تدور الفكرة الأساسية لكتاب لماذا تفشل الأمم حول المؤسسات السياسية والاقتصادية التي يتبناها كل مجتمع. ويصنف الكتاب المؤسسات إلى نوعين رئيسيين:
1. المؤسسات الشاملة (Inclusive Institutions): وهي المؤسسات التي تعزز المشاركة الاقتصادية والسياسية لجميع أفراد المجتمع. تتيح هذه المؤسسات الفرص وتضمن حقوق الملكية وتحفز على الاستثمار والابتكار، وبالتالي تدعم النمو الاقتصادي المستدام.
2. المؤسسات الاستخراجية (Extractive Institutions): تُركز هذه المؤسسات الثروة والسلطة بيد فئة قليلة، وتمنع الأغلبية من المشاركة الفعالة في الاقتصاد والسياسة. المؤسسات الاستخراجية قد تؤدي إلى النمو الاقتصادي في بعض الأحيان، ولكنها تنتهي إلى انهيار لأنها لا توفر حوافز للاستثمار والابتكار لدى الأغلبية.
يعتمد المؤلفان على فرضية مفادها أن المؤسسات الشاملة هي ما يسمح للدول بالتطور والنمو، بينما تظل الدول التي تعتمد على المؤسسات الاستخراجية في حالة ركود أو فقر مستمر، لأن هذه المؤسسات تخلق عقبات أمام مشاركة الأفراد في تحقيق التنمية.
المقارنة بين الدول والمجتمعات
1. مثال نوجاليس (الولايات المتحدة والمكسيك)
يبدأ الكتاب بمثال مدينة نوجاليس المقسمة بين الولايات المتحدة والمكسيك، ويستعرض المؤلفان كيف أن المدينة الشمالية (نوجاليس أريزونا) تشهد ازدهارًا اقتصاديًا بفضل المؤسسات الشاملة التي تضمن حقوق الأفراد وتحفز الاستثمار، بينما تعاني المدينة الجنوبية (نوجاليس سونورا) من الفقر وضعف الأداء الاقتصادي بسبب المؤسسات الاستخراجية التي لا تتيح الفرص للمواطنين.
2. الثورة المجيدة في إنجلترا
يتناول كتاب لماذا تفشل الأمم التاريخ الإنجليزي، مشيرًا إلى أن الثورة المجيدة عام 1688 كانت نقطة تحول مهمة في تاريخ إنجلترا، حيث أدت إلى انتقال السلطة من الملك إلى البرلمان. هذا التحول أدى إلى ظهور مؤسسات شاملة في إنجلترا، والتي مهدت الطريق للثورة الصناعية وجعلت البلاد أحد أغنى دول العالم.
3. كوريا الشمالية والجنوبية
يستعرض كتاب لماذا تفشل الأمم مثالًا آخر عبر المقارنة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. على الرغم من أن الكوريتين تشتركان في نفس الثقافة والجغرافيا، إلا أن المؤسسات الشاملة في كوريا الجنوبية أسهمت في تحويلها إلى قوة اقتصادية كبيرة، بينما تظل كوريا الشمالية، التي تحكمها مؤسسات استخراجية، واحدة من أفقر دول العالم.
دور المؤسسات السياسية في النمو الاقتصادي
يؤكد المؤلفان أن المؤسسات السياسية هي التي تضع الأساس لنوعية المؤسسات الاقتصادية، حيث أن النظام السياسي الذي يسمح بمشاركة واسعة يضع الأسس لمؤسسات اقتصادية شاملة، بينما النظام السياسي الذي يحتكر السلطة يؤدي إلى ظهور مؤسسات اقتصادية استخراجية. لذا، فإن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام يتطلب وجود نظام سياسي شامل يدعم الحريات السياسية والاقتصادية ويعزز العدالة الاجتماعية.
نقد النظريات التقليدية حول الفقر والازدهار
ينتقد كتاب لماذا تفشل الأمم النظريات التقليدية التي تفسر فشل الدول عبر العوامل الجغرافية أو الثقافية. ويعطي أمثلة تفند هذه النظريات:
• النظرية الجغرافية: تفترض هذه النظرية أن الموقع الجغرافي يؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي. إلا أن المؤلفين يرون أن هذه النظرية لا تفسر التباينات الاقتصادية داخل المناطق الجغرافية المتشابهة، كما هو الحال في كوريا، حيث نجد دولتين متجاورتين في نفس البيئة الجغرافية ولكن مع مؤسسات سياسية واقتصادية مختلفة تؤدي إلى نتائج متناقضة.
• النظرية الثقافية: تشير إلى أن بعض الثقافات قد تكون بطبيعتها أكثر ملاءمة للتنمية الاقتصادية من غيرها. إلا أن الكتاب يوضح أن الثقافة ليست السبب الأساسي للفشل الاقتصادي، وأن التغيرات في المؤسسات يمكن أن تساهم في تقدم المجتمعات بغض النظر عن ثقافاتها.
أمثلة تاريخية من بقاع العالم
1. الاستعمار الأوروبي لأمريكا اللاتينية:**
يستعرض كتاب لماذا تفشل الأمم كيف أن الأنظمة الاستعمارية الأوروبية في أمريكا اللاتينية أنشأت مؤسسات استخراجية تهدف إلى استغلال الموارد لصالح النخبة الحاكمة. وعند انتهاء الاستعمار، استمرت هذه المؤسسات الاستخراجية تحت حكم النخب المحلية، مما أبقى معظم دول أمريكا اللاتينية في دائرة الفقر.
2. الاتحاد السوفيتي:**
يعتبر الاتحاد السوفيتي مثالًا على نظام استخراجي استطاع تحقيق نمو اقتصادي سريع في البداية، لكنه انهار في النهاية لأن المؤسسات الاقتصادية لم تكن شاملة ولم تدعم الابتكار. ونتيجة لذلك، واجه الاتحاد السوفيتي قيودًا كبيرة على النمو المستدام مما أدى إلى انهياره.
“القانون الحديدي للأوليغارشية” وتأثير النخب
يطرح الكتاب مفهوم “القانون الحديدي للأوليغارشية”، والذي يعني أن النخب التي تتحكم في السلطة تفضل الحفاظ على النظام القائم الذي يضمن بقاءهم في الحكم، حتى لو كان ذلك على حساب التقدم والنمو الاقتصادي. ويشير المؤلفان إلى أن هذه المشكلة تُعتبر عائقًا رئيسيًا أمام التطور لأن النخب الحاكمة تفضل التضييق على المؤسسات الشاملة، خوفًا من فقدان سيطرتها.
السياسات الاقتصادية والتغيير المؤسسي
يرى المؤلفان أن التغيير المؤسسي لا يحدث بسهولة، وأنه غالبًا ما يتطلب حدوث اضطرابات أو ثورات تؤدي إلى استبدال النخب الحاكمة وتغيير النظام السياسي والاقتصادي. ويشير الكتاب إلى أن العديد من الدول التي شهدت تغييرًا مؤسسيًا كبيرًا، مثل إنجلترا وفرنسا، مرت بمراحل من الفوضى قبل أن تحقق الاستقرار والنمو.
نقد الكتاب
على الرغم من الإشادة الكبيرة التي تلقاها الكتاب، إلا أن هناك بعض النقاط التي تم انتقادها:
1. عدم الاهتمام بالدور العالمي: يرى بعض النقاد أن الكتاب لا يعير الاهتمام الكافي للتأثيرات الخارجية مثل التجارة العالمية والاستعمار والاستثمار الأجنبي على تطور المؤسسات في الدول النامية.
2. الصعوبة في الانتقال من مؤسسات استخراجية إلى شاملة: على الرغم من أن المؤلفين يؤكدان أهمية التحول إلى مؤسسات شاملة، إلا أنهما لا يقدمان خططًا واضحة حول كيفية تحقيق هذا الانتقال في الدول التي تعاني من مؤسسات استخراجية متجذرة.
3. تجاهل العوامل الثقافية: بينما ينتقد الكتاب النظريات الثقافية، يرى بعض النقاد أن الثقافة قد تلعب دورًا هامًا في تشكيل طبيعة المؤسسات، وأن تجاهلها قد يجعل النظرية غير شاملة.
خاتمة مقالة ملخص كتاب “ لماذا تفشل الأمم ”
يُعد لماذا تفشل الأمم كتابًا مهمًا يلقي الضوء على العلاقة بين المؤسسات والنمو الاقتصادي، موضحًا أن ازدهار الأمم وفشلها يعتمد بشكل كبير على طبيعة مؤسساتها السياسية والاقتصادية. يركز الكتاب على أن الدول التي تعتمد مؤسسات شاملة توفر بيئة من الابتكار والنمو، بينما تظل الدول التي تتبنى مؤسسات استخراجية في حالة من الركود والفقر.
هذه الأفكار تشكل تحديًا للنظريات التقليدية وتطرح توجهًا جديدًا يمكن أن يساعد في تفسير التباينات الاقتصادية بين الدول. ويظل الكتاب دعوة قوية للتفكير في كيفية بناء مؤسسات شاملة ومستدامة تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق الازدهار الاقتصادي.
مقالة مختارة : أفضل 7 روايات أغاثا كريستي : عوالم الجريمة والتشويق