” انظر من عاد” . مستلقيا على ظهره في حديقة مجمع سكني , يستيقظ رجل وهو ينظر الى السماء ثم الى قدميه, بخار يتصاعد من كامل أجساد جسده وكأنه نزل من السماء , تبين أن هذا الشخص هو أدولف هتلر ,مرتديًا زيه النازي الكامل , لم يمت ادولف ولكن سافر بالزمن الى سنة 2014
نظراته تدل على أنه في حلة صدمة وذهول , لا توجد حرب , لا طائرات في الجو ولا صوت قنابل ومدفعيات , في لحظة يدير رأسه لليمين فإذا بكرة برتقالية اللون قادمة نحوه
بتفكير مشوش ومرتبكًا ولا يعلم ما يحدث . يحاول أدولف الوقوف ، ويزيل الأوساخ من زيه العسكري ، وينظر حوله ، محاولًا فهم محيطه . تقترب الكاميرا من وجهه أكثر ، لتلتقط حيرته وهو يفحص هذا العالم الجديد الغير المألوف من حوله لا طائرات لا جنود لا قنابل غريب .
يدير ادولف رأسه فاذا بثلاث صبيان , تلاقت أعينهم بأعين بعض من هول الصدمة الكل صمت , لم يستطع لاطفال الكلام كونهم عرفوا من شكله أنه أدولف النازي , لكن ألم يمت أدولف ؟
“انظر من عاد” هو ، فيلم ألماني ساخر ضمن فئة الكوميديا السوداء صدر عام 2015 ، والفيلم مقتبس من الرواية الأكثر مبيعًا لتيمور فيرمس و إخراج ديفيد وندت، يدور الفيلم حول قصة اكتشاف وتحليل ساخر لتفكير وحياة المجتمع الحديث من خلال عيون أدولف هتلر ، الذي يستيقظ بشكل لا يمكن تفسيره في ألمانيا في القرن الحادي والعشرين وبالضبط في سنة 2014 .
المشهد الافتتاحي القاعدة التي بني عليها الهيكل السريالي والنغمة الكوميدية القاتمة للفيلم . ارتباك ادولف وضاح للجميع وهو يكافح من أجل فهم ما حدث . المخرج استخدم هذه اللقطة بذكاء للجمع بين الماضي الذي كان فيه هتلر بين القنابل والجنود والجثث المتفحمة وبين الحاضر اللطيف الهادئ الجميل الذي وجد نفسه فيه , واقعين متناقضين ، هذا الانتقال الدراماتيكي عبر التاريخ نحو الحاضر وهو ما يمهد الطريق للمشاهد للرحلة الغريبة التي على وشك أن تتكشف .
فرضية فيلم “انظر من عاد” “Look Who’s Back” بسيطة جدا : يستيقظ هتلر في عام 2014 في نفس المكان الذي أطلق فيه النار على نفسه في مخبئه، والذي أصبح الآن منطقة سكنية هادئة في العاصمة الالمانية برلين . ومن ملامحه لا يبدوا أنه كبر في السن بل مازال كما هو . لا يوجد تفسير علمي لكيفية انتقاله للمستقبل ولكن من خلال التعليق الصوتي نستنتج كمشاهدين أنه فعلا هتلر الحقيقي . ولكن منذ ظهوره الأول في الشارع مع الثلاث اطفال وانتقاله لقلب المدينة ، كلما مر أماما الناس يحدقون اليه باستغراب ويعتقدون أنه مجرد مُقلد لشخصية أدولف ويحاولن التقاط الصور معه , لدرجة أن ادولف ل يعلم حتى ما نوع تلك لاجهزة الغريبة التي يحملونها في أيديهم وأنا أقصد هن الكامرات والهواتف .
في البداية، يكافح لفهم العالم المتغير بشكل كبير من حوله والاعراق والجنسيات المختلفة في برلين . وصل ادولف الى كشك صحف فأخذ صحيفة ليراها وهناك اكتشف أنه في عام 2014 و ليسقط مغمى عليه , بعد استيقاظه أخذ جريدة ليقرأها حتى يفهم ما الذي يحدث فوجد أنها مكتوبة باللغة التركية فتسال المسكين هل الإمبراطورية العثمانية فازت بالحرب العالمية واحتلت ألمانيا؟
بينما يتجول هتلر في شوارع برلين، يواجه صدمة وراء اخرى من الحياة الحديثة – الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والتعددية الثقافية مهاجرين في كل مكان التكنولوجيا التي لم يراها من قبل . في تلك اللحظة يعتقد أنه قد تم إحياؤه لقيادة ألمانيا مرة أخرى ،واستعادة مكانه في العالم.
تكمن براعة فيلم “انظر من عاد” “Look Who’s Back” في قدرته العجيبة على جعل الجمهور يضحك وفي نفس القوت جعلهم غير مرتاحين كون هذا الرجل دكتاتوري قتل ملايين الناس . وعلى عكس المتوقع يتم استقبال معتقدات وأفكار هتلر القديمة وآرائه المتطرفة بالحيرة بدلاً من الغضب من قبل الأشخاص الذين يقابلهم في برلين . فلم يعتقدوا لوهلة أنه هو ادولف الحقيقي وانما مجرد ممثل كوميدي متنكر في زر نازي يجوب الشوارع . سوء الفهم هذا سمح لادولف بالتحرك بحرية عبر المجتمع ، دون أن يدرك أحد حقًا خطورة أفكاره .
يلتقي هتلر بفابيان سواتزكي ، صانع أفلام غير محظوظ ومطرود من وظيفة في قناة ماي تيفي , يرى فابيان شنوب فرصة وموضوع مثالي لفيلم وثائقي قد يتحول الى ترند عالمي . كان سواتزكي متردد في البداية ، لكنه بسرعة أدرك الشهرة والنجاح التي قد تأتي مع عرض هذا الرجل الغريب الذي يدعي أنه الفوهرر الالماني . وبالفعل نجح الفكرة وحقق ابو شنب شهرة كبيرة . وأصبح محبوبًا لدى وسائل الإعلام ، حيث ظهر في البرامج الحوارية، وأجرى المقابلات، وحشد متابعين عبر الإنترنت .
يحاول الفيلم من خلال هذه الكوميديا السوداء نشر عدة افكار ومحاولة ايصالها للجمهور , فمن خلال فكره سواتزكي بتصوير هتلر أثناء تفاعله مع الجمهور كرسالة وضربة من تحت الحزام لكل وسائل الاعلام الاوروبية عموما والالمانية خصوصا التي تقوم باستقدام شخصيات متطرفة على منصاتها وبرامجها وعرضها للجمهور لتنفث سمومها الشيطانية . يشير الفيلم إلى أنه في عصر تلفزيون الواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن إعادة تعبئة حتى أكثر الأفكار خطورة وبيعها للجماهير باعتبارها ترفيهًا .
رغم أن فيلم “انظر من عاد” هو فيلم كوميدي بامتياز ، إلا أنه يحمل رسالة مزعجة وخطيرة للغاية . فمع اكتساب هتلر شعبية كبيرة داخل المجتمع الالماني في سنة 2014 رغم كل الماضي الدموي والقاسي وملايين الارواح التي ازهقها
ففي أحد أكثر مشاهد الفيلم لفتًا للانتباه عندما يزور هتلر كشكًا لبيع الصحف ويبدأ في القراءة عن الحالة الحالية للعالم . غير أنه شعر بالفزع من انحدار المجتمع الألماني المتمثل في صعود التعددية الثقافية ، ووجود المهاجرين ، وانحدار القيم التقليدية التقليدية وتهديد العرق الالماني . وهذه اللحظة مضحكة ومرعبة في الوقت نفسه، حيث يتذكر الجمهور أن معتقدات هتلر، على الرغم من أنها عفا عليها الزمن، لا تزال تجد صدى في بعض أركان المجتمع.
يجبر الفيلم الجمهور على مواجهة الحقيقة القاسية , وهي أن الأيديولوجيات العنصرية المتطرفة التي كان يمثلها ادولف مثل حماية العرق الاماني من الاجانب والتي اساسا كانت من اساب الحرب العالمية واسباب الهولوكوست لم يتم القضاء عليها بل مازالت متجذرة في عمق الفكر الانسان الالماني , وكثير منهم يحنون الى ذلك الماضي وان حاولوا بكل ما يستطيعون اقناع العالم انهم تغيروا و نادمون على كل ما فات . فهذا المشهد تصفه نحن المغاربة بمقوله يخ منو وعيني فيه
مقالة أخرى محاكم التفتيش : التاريخ الدموي الأسود لمملكة إسبانيا
Comments 1